De la croyance à la révolution (2) : L'Unicité
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
Genres
78
وللدليل صياغات بسيطة وأخرى مركبة. فمن الصياغات البسيطة يعطي القدماء ثلاثا:
79
الأولى لما ثبت أن العالم ما كان موجودا ثم صار موجودا، فحقيقة العالم قابلة للعدم وقابلة للوجود. وكل ما كان كذلك فرجحان وجوده على عدمه لأجل ترجيح مرجح فثبت أن وجود العالم محتاج إلى مؤثر وموجد، والحقيقة أن هذا الدليل به عيوب ثلاثة رئيسية: الأولى أنه يشكك في وجود العالم ثم يوقن به عن طريق الإيمان بأنه كان معدوما ثم وجد بافتراض الخلق. ومن الناحية العقلية الصرفة ودون اعتبار لأية مسلمات دينية سابقة نحن لا ندري هل كان العلم غير موجود ثم وجد أم لا، فنحن نولد في عالم موجود، ونشب فيه، ونعمل في العالم، ونمارس نشاطنا فيه. إنما افتراض عدم وجوده ثم وجوده افتراض ناتج عن الإيمان من نظرية الخلق التي تفترض وجود الله السابق على العالم وأن العدم هو الأساس، وأن الوجود منبثق من العدم، وهذه هي العدمية المحضة، وكأن الموقف الإيماني والموقف العدمي واحد. والثاني هو افتراض فناء العالم وتحويله إلى عدم بعد أن وجد من عدم، وهو افتراض ناتج أيضا عن مسلمة دينية هي عقيدة الفناء وليس برهانا عقليا. نحن نعيش في العالم، ويتركه الآخرون، ولا يتوقف نشاطنا فيه بدليل فعلنا المستمر من خلال الأفكار والأفعال والآثار التي نتركها. نحن نرى الناس يغيبون عنه، ولكن لم يشاهد أحد فناء العالم، أي أنه عدم بعد وجوده. والثالث هو أن إيجاد سبب أو مرجح للوجود لا يكون بالضرورة عن طريق مرجح خارجي، بل يمكن أن يكون عن طريق سبب داخلي، هذا على افتراض صحة الانتقال والتحول من العدم إلى الوجود.
والصياغة الثانية هي أن الموجودات إما واجب الوجود أو ممكن الوجود أو البعض واجب والبعض ممكن، واستحالة أن يكون الكل واجبا نظرا لاستحالة أكثر من واجب وجود واحد، واستحالة أن يكون الكل ممكنا لحاجة الممكن إلى الواجب، والحقيقة أن قسمة الواجب والممكن قسمة إيمانية خالصة، عاطفة دينية صرفة يقوم العقل بتنظيرها عن طريق التمييز بين مستويات في علاقة رأسية بين الأكثر شرفا والأقل شرفا. واجب الوجود مجرد مطلب أخلاقي، ونزوع نفسي نحو غاية، وحاجة إنسانية وتطلع إلى الكمال الذي لم يتحقق، وكل شيء أمامنا واجب أو ممكن مثل الجوهر والعرض والقديم والحادث، واجب لأنه موجود أمامنا باستمرار، وممكن لأنه يتغير ويتقلب، فلا استحالة هناك أن تكون كل الموجودات واجبة وممكنة في آن واحد دون قسمة من صنع الإيمان العقلي. وقد تكون كل الموجودات ممكنة لأنها قابلة للتحقيق والتغير من خلال الفعل والنشاط الإنساني، أي بدافع الوجوب الأخلاقي، فالدليل لا يثبت وجودا واجبا خارجا عن العالم، بل يصف عملية التحقق ومسار النشاط الإنساني من الوجوب إلى الإمكان ومن الإمكان إلى الوجوب.
والصياغة الثالثة أن الأجسام متماثلة في الجسمية مختلفة في الصفات، وسبب الاختلاف ليس جسما؛ لاستحالة التسلسل إلى ما لا نهاية، والمؤثر ليس بالطبع والإيجاد بل بالقصد والاختيار؛ لأن الطبع واحد ولا يختلف، إذن هو بالقصد والاختيار. والحقيقة أن سبب التشابه والاختلاف بين الأجسام قد تكون الأجسام ذاتها وتراكيبها وطبائعها، أي أنه يرجع إلى الطبع وإلى قوانين الطبيعة وليس إلى القصد والاختيار، فالاختيار مقولة إنسانية تعبر عن حرية الأفعال يسقطها المتكلم الأشعري على الطبيعة، ثم يتنازل عنها بعد ذلك ويعزوها إلى المطلوب إثباته، وبالتالي يحيل الدليل من مستوى الطبيعة إلى مستوى خلق الأفعال.
وتتفاوت الصيغ المركبة بين الدليل الموجز في مقدمتين أو المفصل في ثلاث مقدمات، تثبت المقدمة الثالثة بثلاث مقدمات أخرى، أو المفصل في أربع طرق، كل منها دليل بحد ذاته على انفراد، فالصيغة المزدوجة من مقدمتين، هي: (أ) العالم بجميع ما فيه جائز أن يكون على مقابل ما هو عليه. (ب) الجائز محدث، وله محدث، أي فاعل صيره بأحد الجائزين أولى منه بالآخر.
80
والصيغة الثلاثية المفصلة، هي: (أ) العالم متغير ومتكثر. (ب) وكل متكثر ومتغير فهو ممكن الوجود بذاته. (ج) إذن وجود العالم بإيجاد غيره، وذلك الغير يستحيل أن يكون مرجحا لثلاثة أوجه: (1) أن الوجود والذات لا اختلاف فيهما بين موجود وموجود. (2) أن الجائزات بأسرها متماثلة من حيث هي جائزة. (3) أن الواجب بذاته مهما كان بينه وبين الموجب مناسبة أو تعلق ما، لم يقض العقل بصدور أحدهما عن الآخر. أما الصيغة الرباعية المتأخرة، فإنها تقوم على مبحث الجوهر والأعراض والاستدلال منهما إلى إثبات الصانع إما بالحدوث أو الإمكان. والحقيقة أنه بنائي ثنائي وإنما الخلاف في اللفظ، فالحدوث هو الإمكان ولكن بلفظين مختلفتين، الأول من الطبيعة والثاني من ما بعد الطبيعة. وهو نفس التقسيم الرباعي عندما يستبدل لفظ الذات بلفظ الجسم، وبالتالي تكون الاحتمالات أربعة: الأول إمكان الذوات، والثاني حدوث الذوات، والثالث إمكان الصفات، والرابع حدوث الصفات.
81
Page inconnue