De la croyance à la révolution (1) : Les prémisses théoriques

Hasan Hanafi d. 1443 AH
172

De la croyance à la révolution (1) : Les prémisses théoriques

من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية

Genres

وقد انحاز المتكلمون المتأخرون لموقف الحكماء بالرغم من إنكارهم الوجود الذهني؛ فقسموا الوجود العيني إلى إما ما لا أول له وهو القديم، أو ما له أول وهو الحادث؛ لإفساح المجال لنظرية الخلق وإثبات قدم «الله». وقسموا الحادث إلى متحيز وهو الجوهر؛ أي الجسم الحسي والحال في المتحيز وهو العرض، ومنعوا قسمة ثالثة لوجود لا متحيز ولا حال في متحيز؛ حتى لا يشارك «الله» أحدا في وجوده، فهذه القسمة تصدق على «الله» وحده. قبل المتكلمون قسمة الحكماء في الجزء الذي يسمح لهم بإدخال مضمون الإيمان في القسمة العقلية على نحو متسرع دون انتظار للتأصيل النظري له على نحو عقلي طبيعي خالص. (1-2) هل المعدوم معلوم أو موجود؟

إذا كان المعلوم إما موجودا أو معدوما، وكان الموجود كما بان عند المتكلمين والحكماء معلوما، فهل المعدوم معلوم مثل الموجود؟ المعدوم معلوم وتدل عليه نظريات المتكلمين واختلاف الحكماء فيه. فالشيء قد يكون معلوما من وجه، مجهولا من وجه آخر سواء كان ذلك في الطبيعيات أم في الإلهيات. وبالتالي يكون الإنسان عالما جاهلا في نفس الوقت وقد يكون علمه وجهله في نفس المحل أو في محلين مختلفين. وإن اختلاف مناهج التحليل وتضارب وجهات النظر إنما يدل على أن العلم الإنساني تعبير عن مواقف مختلفة أكثر منه علما محايدا. فالعلم منظور اجتماعي بل علاقات أقوى، وجدل بين الموجود والمعدوم، بين المعلوم والمجهول.

7

قد يكون الموجود أو المعدوم كلاهما معلوما من وجه ومجهولا من وجه آخر، أما من حيث الإجمال والتفصيل فيكون الإجمال علما بوجه وغياب التفصيل جهلا بوجه آخر. والأولى معرفة الشيء إجمالا وتفصيلا خاصة في مجتمعات يغلب على فكرها القومي العموميات دون التفصيلات مثل المجتمعات النامية أو في مجتمعات أخرى يغلب على فكرها الجزئيات دون الكليات كما هو الحال في المجتمعات الصناعية المتقدمة. وإما من حيث مستوى التحليل ومنظور البحث؛ وبالتالي يكون نفس الشيء موضوعا لعدة علوم. الإنسان موضوع لعلم وظائف الأعضاء من حيث هو وظائف بيولوجية وموضوع لعلم النفس من حيث هو حياة، وموضوع لعلم الاجتماع من حيث هو في علاقة مع الآخرين، وموضوع لعلم الاقتصاد من حيث هو كائن منتج، وموضوع لعلم السياسة من حيث هو كائن منظم. وإنكار أن يكون الشيء موضوعا لعلمين حرص على العلم «الإلهي» أن يشاركه علم آخر في نفس الموضوع، في حين أن نظرية العلم هي فقط نظرية في العلم الإنساني، بما في ذلك الوحي بعد التنزيل، ومن ثم فهو تخوف لا أساس له.

8

ولا يعني ذلك أن يكون المعلوم بالضرورة شيئا؛ فقد يكون شيئا وقد يكون معنى الشيء أو صفته أو دلالته. ولكن لا بد من حضور الشيء الدال أو استنباط معان جديدة من دلالات أشياء موجودة بالفعل حتى يكون للمعلوم وجود وبالتالي يصح البحث في الأمور الذهنية وفي الموجودات في الخارج على حد سواء. والنزاع في المعدوم الممكن لأن الممتنع منفي اتفاقا.

9

وهو معلوم عند جمهور المتكلمين بمعنى أن انتفاءه معلوم.

10

وهو ثلاثة أقسام: الأول ما كان موجودا، فعدم ومعرفته ممكنة مثل الآثار المندثرة والحوادث الماضية، والثاني ما لم يوجد وليس مما يوجد وهو الممتنع وهذا لا يمكن معرفته لأنه ليس معلوما أي موضوعا للعلم، والثالث ما لم يوجد وسيوجد وهذا يمكن معرفته، وهو ما نعنيه اليوم بالدراسات «المستقبلية». معرفة المعدوم إذن ممكنة لأن عدم الوجود معلوم بالبديهة ولأنه مقدور أي يمكن إحضاره ولأن المعارف الممكنة أشمل من المعارف الواقعة ولأن معرفة النفي والسلب ممكنة، بل إن الموضوع كله من «الممكنات»، وإلا وقعنا في الغياهب والأساطير والخرافات واتبعنا في ذلك سبل السحر والشعوذة والإلهام.

Page inconnue