De la Croyance à la Révolution (5) : La Foi et l'Action - L'Imamat
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Genres
34
سادسا: الإمامة في التاريخ، انهيار أم نهضة؟
كان موضوع جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل مقدمة لموضوع أعظم، وهو أن الإمامة في التاريخ تبدأ في الانهيار من الأفضل إلى المفضول، ومن المفضول إلى الأقل فضلا، حتى ينتهي الفضل تدريجيا، ثم تتحول الإمامة إلى خلافة، والخلافة إلى ملك عضود. ولا ينطبق الأمر على الأئمة وحدهم، بل ينسحب أيضا على طبقات العلماء وعلى الأجيال وعلى العصر؛ فالتاريخ في انهيار مستمر، ولن يستطيع الحاضر اللحاق بالماضي، ولن يستطيع المستقبل أن يكون مثله. يقل الفضل، ويخف الصفاء، وتنحسر الطهارة، ويزداد الطمع والتكالب على الدنيا. ومهما حاول أحد فعل شيء فإنه لا يستطيع إلا أن يحبو أثر الماضي؛ فالسلف خير من الخلف، فالخلف قد أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات. وما دامت الإمامة ليست من مصالح الدين، بل من مصالح الدنيا، فلا يراعى فيها الأعلم والأتقى والأزهد بقدر ما يراعى فيها الأقدر والأقوى؛ دفاعا عن البيضة، وسدا للثغور، وحماية للأمة. وإذا كثر الهرج والمرج، وعظمت الفتنة بسبب التشبث بإمامة الفاضل، فإن الصالح يقتضي تجنبه واتقاءها بتنصيب المفضول؛ وبالتالي يكون للواقع أولوية على المبدأ، وللقوة الأولوية على الحق. وقد يكون في ذلك بقاء للدولة، ولكنه في الوقت نفسه بداية الانهيار.
1 (1) ماذا يعني التفضيل بين الأئمة؟
إذا جازت إمامة المفضول مع وجود الأفضل لأنه أصلح في الدنيا للإمامة، في حين أن الأفضل أكرم عند الله في الآخرة، فإن التفضيل لا يعني الأفضلية في الثواب عند الله، بل اختيار الأصلح في الدنيا في حالة الصراع على السلطة. التفضيل في الظاهر في الثواب عند الله، وفي الحقيقة الأقدر على حسم الصراع على السلطة لصالحه. وليس مقياس التفضيل القرابة من النبي بنسب أو مصاهرة؛ فالنبوة ليست في العصب والدم، وإلا لما كانت الإمامة عقدا واختيارا، وإلا تحولت النبوة إلى ملكية وراثية، وهو ما يصدقه العقل والوحي والتاريخ،
2
بل إن الأفضل عند الله لا يكون بغير اختصاص أو عمل، وإلا كان ذلك أقرب إلى الأخلاق اليهودية القائمة على الاصطفاء بلا مبرر أو سبب من فضيلة أو عمل صالح. الأفضل عنده بناء على عمل واستحقاق؛
3
لذلك كان التفضيل للبشر المكلفين وليس للملائكة أو الحيوانات أو الجماد؛ فالملائكة غير مكلفين، والحيوان والجماد ينقصهما شرطا التكليف، العقل وحرية الاختيار، بل إن الأنبياء أيضا لا يتفاضلون؛ لأن فضل كل نبي على آخر لا يرجع إليه، بل يرجع إلى رسالته ودرجته في تطور الوحي. ومراحل الوحي لا تتفاضل فيما بينها، بل تتكامل، فتمهد المرحلة السابقة للمرحلة اللاحقة، كما تتكامل أعمار الإنسان في مراحل نضجه المختلفة. ولماذا يفضل الملائكة على غيرهم منذ ابتداء الخلق؟ ولماذا يفضل الأنبياء على الجن منذ ابتداء الخلق أيضا وقبل الاستحقاق؟ ولماذا فضل إبراهيم على سائر الأطفال وهو غير مكلف ولم يستحق عملا؟ ولماذا فضلت ناقة صالح على سائر النوق؟ وهل تختلف ناقة عن ناقة في الفضل إذا كان الفضل عن استحقاق؟ ولماذا تكون ناقة صالح أفضل من الناقة التي دخل عليها النبي المدينة، أو أفضل من البقرة التي أمر الله بني إسرائيل بذبحها، أو أفضل من حوت يونس؟ ولماذا ذبيحة إبراهيم أفضل من كل الكباش؟ وهل يعقل أن الكبش الذي نزل من السماء فضله على سائر كباش الأرض؟ وهل هناك تفضيل في الأماكن مثل فضل مكة على سائر البلاد وفضل المدينة على مكة؟ ولماذا تفضل مكة وبها الكعبة على المدينة التي بها قبر الرسول؟ أليس هذا شبها بأقوال اليهود عن تفضيل القدس على سائر المدن، والمسلمون أولى بها؟ ولماذا تكون الحجارة أفضل من بعضها؟ وما فضل الحجر الأسود على غيره من الحجارة؟ لو كان تقليدا من القدماء فالتقليد ليس أصلا من أصول الدين، ولو كان حمل الرسول له بيده فما أكثر ما حمل الرسول من تراب ومعاول في حفر الخندق، وما أكثر ما أمسك به من عصي. ولماذا تفضل الأوقات بعضها على البعض الآخر، الشهور الحرم على باقي شهور السنة، وشهر رمضان على باقي الشهور، وليالي القدر وأيام عاشوراء والجمع وعرفة على سائر الأيام؟ وهل اللحظات المتميزة وأوقات التقوى يمكن تحديدها مسبقا بحركة الأفلاك والأهلة، أم أنها أوقات حرة تأتي بناء على قدرة الإنسان على الخلق والإبداع، وتختلف من فرد إلى فرد، ومن حالة إلى حالة؟ وهل يفضل أحد الأوقات في النهار أو في الليل الأوقات الأخرى فيهما، أم أن لكل وقت فعله الذي يتم فيه؛ وبالتالي لا فضل لصلاة الصبح على العصر أو للعشاء على المغرب؟ ولا تفضل صلاة الفرض على النافلة إلا لأن الأولى واجبة والثانية مندوبة، وبين الواجب والمندوب لا فضل لأن كليهما اقتضاء فعل، بل يفضل المندوب الواجب لأنه أتى تطوعا واختيارا، وليس فرضا أو إجبارا. وما فضل السجود على الركوع إلا أن الأول يدل على مزيد من الاحترام والتواضع، الجبهة في الأرض، وكلاهما رمزان، وإلا كان فضل الركوع على الوقوف. ولما كان الإنسان مطالبا بمزيد من الفضل لوجب الصلاة دائما سجودا دون ركوع أو وقوف.
4
Page inconnue