De la croyance à la révolution (3) : La justice
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Genres
وهذا لا ينفي حسن الطوية والمشاعر الإنسانية الطبيعية. ولو كان الفعل قائما على القصد مع خلاف في فهم القصد فإن الفعل يكون فعلا حرا. فسواء تم الفعل لذات الفعل أو تحقيقا لرسالة الذات وتعبيرا عن طبيعتها أو تغييرا للواقع أو دفاعا عن حقوق البشر ودفاعا عن الإنسانية، فالقصد واحد ولكن يختلف فهمه. والمؤله المشخص كما ظهر في التوحيد مجموع الغايات والمقاصد التي يهدف الإنسان إلى تحقيقها، ولكنه لا يحققها بالفعل، إما لعجزه أو لكسله ونفاقه؛ فيشخصها ويتصورها متحققة في عالم آخر خارج هذا العالم ويقف أمامها موقف المتعبد المعجب الولهان، الباكي الشكيان. أما إذا تحققت هذه الغايات بالفعل، وكانت الغايات مقاصده، فإن الفعل يكون حرا يتوافر فيه القصد والروية وإن لم يكن طاعة للمؤله المشخص، بل كان تحقيقا للغايات الإنسانية العامة. وهما في الحقيقة الشيء نفسه ولكن على نحوين مختلفين؛ الأول رمزي تشخيصي أسطوري، والثاني عملي علمي. صورتان مختلفتان ومضمون واحد، لغتان متباينتان وشيء واحد.
264
والنظر جزء من الروية؛ لأن الروية قصد ونظر. وإعمال الفكر والنظر والبحث عن الحقيقة وتأسيس العلم، كل ذلك بنفسه فعل، حتى وإن لم يحقق غاية. النظر مقدمة للفعل وشرط له. هو الفعل الممكن قبل الفعل المتحقق.
265
وهنا يبرز سؤال: هل الإنسان قادر على ما لا يخطر بباله؟ فهناك فعلان: الأول: الفعل المروي المختار القائم على أساس عقلي واضح وهو الفعل الأمثل. والثاني: أنه قد يحدث في ساعة تحقيق هذا الفعل أو في ساعة أخرى أن تحدث قوى غير متوقعة لشدة تمثله للباعث أو لضعف الباعث عند الفعل المعارض، أو يطرأ على ذهن الفاعل فجأة أساس فعل مستقى من الموقف فيقع فعل ولم يتأمله من قبل. هذا الحادث غير المتوقع دليل على الحرية وعلى أن الإنسان مجموعة من الإمكانيات، خاصة إذا كان متميزا بشعور يقظ، متمثلا صحة الهدف وواعيا بإمكانية تحقيقه في هذه اللحظة التاريخية.
266
وهنا ينشأ السؤال الثاني: هل يحس الإنسان ما لا قدرة فيه؟ هناك أيضا حالتان: الأولى واعية تعبر عن وجود الإنسان؛ فالوجود محل الإحساس، ولا يمكن الإحساس بشيء غير موجود. الإحساس بالقدرة الموجودة ممكن، ولا يمكن للإنسان أن يشعر بقدرة غير موجودة. ولكن هناك حالة أخرى لا يشعر الإنسان فيها بقدرته الموجودة، حالة صاحب الحق المهضوم الذي يمكنه بالتنظيم والمقاومة الحصول على قدرة تجعله ينال حقه. فهو إمكانية غير مستغلة، وأغلبية شعب مهضوم الحق قوة كامنة لا تشعر بها الأغلبية، ولا توجد بالفعل إلا بالتنظيم، فهذه قدرة لا يشعر بها أحد.
267
وهناك حالات أخرى تكون القدرة موجودة ولكن ينقصها الباعث. فالناكص على عقبيه يشعر بأن لديه قدرة ولكنه لا يريد استعمالها؛ لعدم توافر الباعث. والعاجز المستجيب لنداء الجهاد يشعر بألم النكوص مع أن القدرة غير متوافرة لديه لوجود المانع، وكذلك السجين. هذه القدرة المفاجئة غير المتوقعة الناتجة من صحة الهدف وقوة الباعث هي ما يسمى بالتوفيق والسداد والفضل والنعمة والإحسان واللطف. وهي قوة نابعة من الإنسان، ولا تعطى من خارجه بفعل إرادة خارجية لو فعلت حمدت ولو لم تفعل ذمت.
268
Page inconnue