De la croyance à la révolution (3) : La justice
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Genres
ويستعمل دليل التمانع لإثبات وحدانية الله في الفعل لإثبات الكسب؛ فهو إذن فكر ديني إلهي مقلوب. وإذا جاز هذا الدليل بالنسبة لإثبات مؤله مشخص واحد من عواطف التأليه فإنه لا يجوز بالنسبة لفعل الإنسان لأن الموقف مختلف. فلماذا يوضع الفعل الإنساني وفعل المؤله المشخص على طرفي نقيض، إذا تحقق أحدهما لم يتحقق الآخر؟ أليس الأولى بالخالق والمخلوق اتفاق مرادهما كما هو أولى بالآلهة؟ وهل يجوز تصوير الفعل الإنساني وفعل الآخر في علاقة تحد مثل متسابقين في حلبة سباق؟ وحتى على فرض صلة التعارض: لماذا لا يكون الفعل الإنساني هو المتحقق لأنه هو الفعل المراد والمقصود المروي، وهو الفعل الثابت بالحس والمشاهدة والوجدان، في حين أن الفعل الثاني مجرد افتراض فرضته عواطف التعظيم والإجلال؟ وإذا لم يتحقق فعل الإنسان فإنه لم يتحقق لموانع بدنية أو نفسية أو اجتماعية لا لتحقق فعل الآخر. وهل من عظمة المؤله المشخص أن يتحقق فعله دون فعل الإنسان؟ وأي تعظيم هذا الذي يثبت فيه الفيل أنه مساو للنملة وقادر على الحركة مثلها؟
وقد يستخدم الترجيح لا لإثبات الكسب بل لإثبات القضاء والقدر كما هو الحال في الجبر. فما دام الترجيح ضروريا لا واقعا فقط يثبت القضاء والقدر. وهذا خاطئ لأن الفعل يتم بقصد الإنسان، ومتى حصل الفعل بقصد الإنسان فإن الإنسان يكون فاعلا على الحقيقة فحسب، ويكون فعل الإنسان كله له. حتى الموانع والعقبات التي توجد في ميدان الفعل هي كذلك بالنسبة إلى الإنسان. وكل ما قيل عن الترجيح باطل لأن الإنسان بطبيعته باعث ولا تستوي هذه البواعث، ولا توجد لديه حرية استواء الطرفين.
131 (5)
الخلق. يسمى الإنسان خالقا، فهو صاحب الفعل الشعوري، وهو مصدر الإبداع الفني. ولماذا لا يكون الإنسان خالقا وهو في فعله اليومي يبدع ويخلق؟ هناك فرق بين الخلق الطبيعي لجسم الشيء وبين الخلق الإنساني لتكوين الشيء أو بنائه. لا يوجد الإنسان شيئا من لا شيء، بل يوجد شيئا من شيء آخر ، تمثالا من حجر، موسيقى من صوت، أدبا من حروف، وحزبا من جماعة، وهذا أيضا خلق.
132
والخلق لغويا لا يعني بالضرورة المعنى الأول وهو الخلق من عدم، بل قد يعني أيضا المعنى الثاني وهو التقدير؛ ومن ثم فلا مانع من وصف الإنسان بأنه خالق. يمكن إثبات الخلق، وفي نفس الوقت يمكن القصد به معنيين مختلفين. ويكون خطأ لو وصف الإنسان خالقا بالمعنى الأول. أما إذا كان الخلق يعني تطابق الفعل مع المصلحة فيكون الإنسان أحيانا خالقا حتى تكون أفعاله مطابقة للمصلحة. فإن حدث عدم التطابق فذاك من فعل الحرية. أما المؤله المشخص فإن تطابق أفعاله مع المصلحة غنى خالص أو تبرير لكمال أو تعبير تطهري، وإلا فكيف يمكن تفسير الشر والظلم في العالم؟
133
إن كثيرا من العبارات هي مجرد مدح لا تعبر إلا عن عواطف التعظيم والإجلال مثل: «خالق كل شيء»، «قادر على كل شيء»، «عالم بكل شيء»، «مالك لكل شيء». فالأمر كله في الحقيقة في التنزيه، ولكن هذه المرة مع الفعل وليس مع الذات، تمثيلا لما يحدث في العالم الإنساني لو كان يسمح تحليله بالتنزيه، أو نفيا لما يحدث في العالم الإنساني وتجاوزا للمشابهة إلى حد الإطلاق.
134
إن الفعل الإنساني خارج مقولات الشيء والجسم والجوهر والعرض. وهو ليس كالألوان والطعوم والروائح، بل هو فعل إنساني خالص يهدف إلى تغيير البناء الاجتماعي للواقع أو فعل فني خالص يبدع الإنسان فيه ويعبر به عن وجوده في الزمان والمكان لحظة تحقيق رسالته. (6)
Page inconnue