ولكن، يبقى سؤال محير قائمًا، وهو: ما سرّ ذمّه زمانه وعصره وأهل عصره؟ في رأي أن الشيخ لم ينل ما كان يستحقه من الفهم والتقدير لعلمه، فهو ذو نزعات تجديدية مخالفة - نوعًا ما - للموروث في زمانه، فكأني به أنه كان يحسّ أنه في واد وأهل زمانه في واد، ولم تُجْدِ صرخاته التجديدية التي كان يأمل لها أن تجد آذانًا صاغية، وأن يتفهمها معاصروه ويسيروا على خطاها. إضافة إلى شدة ورعه وعفته وتديّنه، مما ولّد لديه عزوفًا عن الدنيا التي فتنت - وتفتن - الناس، وحساسية زائدة مما كان يجري حوله. أما مذهبه في دراساته اللغوية، فأميل إلى أنه كان على خطّ مدرسة فكرية مستنيرة خاصة، ربما تبدأ بيونس فالأخفش الأوسط، فالجرمي، فالمبرد، فابن السراج فالفارسي - أبي علي - فابن جني، إذ إن آراء هؤلاء تكشف عمقهم وفكرهم، ومخالفتهم معاصريهم وسابقيهم، ونزوعهم إلى التجديد نوعًا ما.
أما مصنفاته وآثاره العلمية فقد حاول حصرها الدكتور أحمد مطلوب في كتابه "عبد القاهر الجرجاني - بلاغته ونقده "، والدكتور البدراوي زهران في كتابه "عاِلم اللغة - عبد القاهر الجرجاني - المفتنٌ في العربية ونحوها" (٢٢) وتوفي سنة ٤٧١ هـ، وقيل سنة ٤٧٤ هـ (٢٣) .
ثانيًا: الكتاب
(١) عنوانه: اختار عبد القاهر عنوانًا مناسبا دالًاّ على موضوعات الكتاب، فسماه "المفتاح " وهو مفتاح لعلم الصرف إذ هو كتاب موجز، وقد وصفه وصفًا معبّرًا في الخطبة بقوله: "هذا كتاب قليل الإفاض، كثير المعاني، سهل للحفظ، قريب التناول " (٢٤) .
_________
(٢٢) عبد القاهر الجرجاني - بلاغته ونقده:٢٥ - ٤٧، وعاِلم اللغة. . . . .:٢٥ - ٢٦. (٢٣) نزهة الألباء ٣٦٣، إنباه الرواة ٢ / ١٩٠، وطبقات الشافعية للسبكي ٣ / ٢٤٢، البلغة ١٢٧، النجوم الزاهرة٥ / ١٠٨، مرآة الجنان ٣/ ١٠١، شذرات الذهب ٣/ ٣٤٠، بغية الوعاة ٢/١٠٦.
(٢٤) الكتاب (المفتاح) - المخطوطة - ظ ١.
1 / 10