Mazid Fath al-Bari Bisharh al-Bukhari - Manuscript
مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط
Maison d'édition
عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري
Lieu d'édition
https
Genres
من الصحابة. انتهى.
قال العَيني: وقال عياض: الجمع بين الصَّلوات المشتركة في الأوقات يكون تارة سنَّة وتارة رخصة، فالسنَّة الجمع بعرفة والمزدلفة، وأمَّا الرُّخصة فالجمع في المرض والسَّفر والمطر، فمن تمسَّك بحديث صلاة النَّبِيِّ ﷺ مع جبريل ﵇ وقدَّمه لم يرَ الجمع في ذلك، من خصَّه أثبت جواز الجمع في السَّفر بالأحاديث الواردة فيه وقاس المرض عليه، فنقول: إذا أبيح للمسافر الجمع لمشقَّة السَّفر فأحرى أن يباح للمريض، وقد قرن الله المريض بالمسافر في الترخيص له في الفطر والتيمم، وأمَّا الجمع في المطر فالمشهور من مذهب مالك إثباته في المغرب والعشاء، وعنه قولةٌ شاذةٌ: إنَّه لا يجمع إلَّا في مسجد الرسول ﵇، ومذهب المخالف جواز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المطر. انتهى.
قلت: الجديد من قولي الشَّافعي جواز الجمع بالمطر تقديمًا ومنعه تأخيرًا، وشرط في التقديم وجود المطر أوَّل الصَّلاة الأولى وعند سلامها ليُصلِّ بأوَّل الثانية، ولا يضرُّ انقطاعه في أثناء الأولى أو الثانية أو بعدها، وسواء قويُّ المطر وضعيفُه إذا بل الثَّوب، والثلج والبرد كمطر إن ذابا لبلهما الثَّوب، والأظهر من قولي الشَّافعي تخصيص الرُّخصة بالمصلِّي جماعة بمسجد بعيد يتأذَّى بالمطر في طريقه، بخلاف من يصلِّي في بيته منفردًا أو جماعة أو يمشي في كُنٍّ أو كان المسجد بباب داره فلا يترخص؛ لانتفاء المشقة، والثاني يترخص لإطلاق الحديث، روى الشيخان عن ابن عبَّاس ﵄: «أنَّه ﵇ صلَّى بالمدينة سبعًا جميعًا وثمانيًا جميعًا الظهر والعصر والمغرب والعشاء» وفي رواية لمسلم: «منْ غيرِ خوفٍ ولا سفرٍ»، قال الإمام مالك: أرى ذلك بعذر المطر. انتهى.
٥٥٩ - قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مِهْرَانَ؟) أي الجمَّال -بالجيم- الحافظ الرَّازي أبو جعفر، مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيْدِ) أي ابن مسلم -بكسر اللام الخفيفة- أبو العبَّاس الأموي، عالم أهل الشام، مات سنة خمس وتسعين ومائة.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ) أي عبد الرحمن بن عُمَر، وقد مرَّ في باب الخروج في طلب العلم.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّجَاشِيِّ مَوْلَى رَافِعٍ) هو عطاء بن صُهَيب النَّجَاشيِّ -بفتح النُّون وتخفيف الميم وبالشين من المعجمة- وصُهَيب بضمِّ الصَّاد المهملة، ورافع بن خُدَيج شيخ عطاء، قال ابن حبَّان: صحبه ستَّ سنين.
قوله: (قَالَ: سَمِعْتُ رَافِعَ بنَ خَدِيْجٍ يَقُوْلُ) رافع بالفاء، وخَدِيج -بفتح الخاء المعجمة وكسر الدَّال المهملة وبالجيم- الأنصاري الأوسي المدني ﵁.
في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في ثلاث مواضع، وفيه التَّحديث بصيغة الإفراد من الماضي في موضع واحد، وفيه القول في خمس مواضع، وفيه السَّماع، وفيه أنَّ رواته ما بين رازي وشامي ومدني.
قوله: (كُنَّا نُصَلِّي المَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وإنَّه لَيُبْصِرُ مَواقِعَ نَبْلِهِ).
مطابقته للترجمة من حيث إنَّه يدلُّ بالإشارة لا بالتصريح، فإنَّ المفهوم منه ليس إلَّا مُجَرَّد المبادرة إلى صلاة المغرب خوفًا أن يتأخَّر إلى اشتباك النُّجوم، وقد روى ابن خُزَيمَة والحاكم من حديث
العبَّاس بن عبد المطلب: «لَا تَزَالُ أُمْتَي عَلَى الفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤْخِّرُوا المَغْرِبَ إِلَى النُّجُوْمِ».
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا في الصَّلاة عن محمَّد بن مِهْران به، وعن إِسْحاق بن إبراهيم عن شُعَيب بن إِسْحاق عن الأوزاعي به، وأخرجه ابن ماجَهْ فيه عن دُحَيم عن الوليد به.
قوله: (لَيُبْصِرُ) -بضمِّ الياء آخر الحروف- من الإبصار، واللام فيه للتأكيد.
قوله: (مَوَاقِعَ نَبْلِهِ) المواقع: جمع موقع، وهو موضع الوقوع، والنَّبْل -بفتح النُّون وسكون الباء الموحَّدة-: السِّهام العربيَّة، قال شيخنا: وروى أحمد في «مسنده» من طريق علي بن بلال عن ناس من الأنصار قالوا: «كنَّا نصلِّي مع رسول الله ﷺ المغربَ، ثمَّ نرجع فنترامى حتَّى نأتي ديارنا فما يخفى علينا مواقع سهامنا» إسناده حسن.
قال العَيني: النَّبْل مؤنَّثة، وقال ابن سِيدَه: لا واحد له من لفظه، وقيل: واحدتها نَبْلة مثل تمر وتمرة، وفي «المغيث» لأبي موسى: هو سهم عربي لطيف غير طويل لا كسهام النُّشَّاب، والحُسبان أصغر من النَّبْل يرمي بها على القِسي الكِنانة في مجاري الخشب.
ومعنى الحديث: أنَّه ﵇ يبكر بالمغرب في أوَّل وقتها بمُجَرَّد غروب الشَّمس، حتَّى ينصرف أحدنا ويرمي النَّبْل عن قوسه ويبصر موقعه لبقاء الضَّوء.
فيه: أنَّ النَّبِيَّ ﷺ صلَّى المغرب عند غروب الشَّمس، وبادر بها بحيث إنَّه لما فرغ منها كان الضوء باقٍ، وهو مذهب الجمهور، وذهب طاوس وعطاء ووَهْب بن مُنَبِّه إلى أنَّ أوَّل وقت المغرب حين طلوع النجم، واحتجُّوا في ذلك بحديث أبي بَصْرة الغفاري قال: «صلَّى بنا رسولُ اللهِ ﷺ العصر بالمَحْمَض فقال: إنَّ هذه الصَّلاة عرضت على من كان قبلكم فضيَّعوها، فمنْ حافظَ عليها كانَ لهُ أجره مرَّتين، ولا صلاة بعدها حتَّى يطلع الشاهد»، والشاهد: النَّجم. أخرجه مسلم والنَّسائي والطَّحاوي، وأجاب الطَّحاوي ﵀ عنه بأن قوله: (ولا صلاةَ بعدها حتَّى يرى الشاهد) يحتمل أن يكون هو آخر قول النَّبِيِّ ﷺ كما ذكره اللَّيث، ولكن الذي رواه غيره تأوَّل أنَّ الشاهد هو النَّجم، فقال ذلك برأيه لا عن النَّبِيِّ ﷺ، على أنَّ الآثار قد تواترت عن النَّبِيِّ ﷺ: «أنَّهُ كانَ يصلِّي المغربَ إذا توارَتِ الشَّمسُ بالحجابِ».
و(أَبُو بَصْرَةَ) -بفتح الباء الموحَّدة وسكون الصَّاد المهملة- واسمه: حُميل -بضمِّ الحاء المهملة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف- وقيل: جُميل -بالجيم-، قال العَيني: والأوَّل أصحُّ، و(المَحْمَض) -بفتح الميمين وسكون الحاء المهملة وفي آخره ضاد معجمة- وهو الموضع الذي ترعى فيه الإبل الحمض، وهو ما حمض وملح وأمر من النبات كالرمث والأثل والطرفاء ونحوها، والخُلَّة من النبت ما كان حلوًا، تقول العرب: الخُلَّة خبز الإبل والحمض فاكهتها.
وقد وَقَعَ اختلاف في ألفاظ هذا الحديث ورواته، رواه أبو داود من حديث أَنَس ﵁: «كنا نصلِّي المغربَ ثمَّ نرمي فيرى أحدُنا موضعَ نَبْلِه»، وعن كعب بن مالك: «كان النَّبِيُّ ﷺ
1 / 81