Mazid Fath al-Bari Bisharh al-Bukhari - Manuscript
مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط
Maison d'édition
عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري
Lieu d'édition
https
Genres
الجزء الخامس (^١) من مزيد فتح الباري
بشرح البخاري تأليف الشيخ الإمام
العالم العلامة مفتي المسلمين
ومربي المريدين ومحيي سنة سيد
المرسلين إبراهيم بن على
الشافعي النعماني فسح الله
في مدته وأسكنه بحبوحة
جنته والمسلمين
آمين
_________
مقابلة ومراجعة: د. عبد الرزاق دراش - قاسم الحلبية - بيان الطالب
(^١) من باب سترة الإمام سترة من خلفه إلى آخر باب صلاة الليل (الأحاديث:٤٩٣ - ٧٣١)
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ قَالَ الإِمِامُ البُخَارِيُّ ﵀: (٩٠) (بَابُ سُتْرَةِ الِإمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ) أي هذا باب في بيان كون سترة الإمام الذي يصلِّي وليس بين يديه جدار ونحوه سترة لمن كان يصلِّي خلفه من المصلِّين، والسُّترة -بضمِّ السِّين- ما يستتر به، والمراد ههنا عكازة، أو عصا، أو عَنَزَة ونحو ذلك، وفي بعض النسخ قبل قوله: (بَابُ سُتْرَةِ الِإمَامِ) <أبوابُ سترةِ المُصَلِّي>؛ أي هذه أبواب في بيان أحكام سترة المصلِّي، وجه المناسبة بين هذه الأبواب الَّتي قبلها من حيث إنَّ الأبواب السَّابقة في أحكام المساجد بوجوهها، وهذه الأبواب في بيان أحكام المصلِّين في غيرها، وهي خمسة أبواب متناسقة. ٤٩٣ - قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْد الله بنِ عَبْدِ اللهِ بن عُتْبَة عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ ﵄، أنَّه قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِحْتِلَامَ، وَرَسُوْلُ اللهِ ﷺ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنَى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ، وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ). مطابقة هذا الحديث للترجمة ظاهرة تستنبط من قوله: (إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ)؛ لأنَّ هذا اللَّفظ مشعر بأنَّ ثمَّة سترة لأنَّ لفظة (غَيْرِ) تقع دائمًا صفة، وتقديره إلى شيءٍ غيرِ جدارٍ وهو أعمُّ من أن يكون عصًا أو عَنَزَة أو نحو ذلك. قال شيخنا: أورد في هذا الباب ثلاثة أحاديث الثَّاني والثالث منها مطابقان للترجمة لكونه ﷺ لم يأمر أصحابه أن يتَّخذوا سترة غير سترته، وأمَّا الأوَّل - وهو حديث ابن عبَّاس - ففي الاستدلال به نظر؛ لأنَّه ليس فيه أنَّه ﷺ صلَّى إلى سترة، وقد بوَّب عليه البَيْهَقي: باب من صلَّى إلى غير سترة، وقد تقدَّم في كتاب العلم في الكلام على هذا الحديث في باب متى يصحُّ سماع الصَّغير، قولُ الشَّافعي ﵀: أنَّ المراد بقول ابن عبَّاس: (إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ) أي إلى غير سترة. وذكرنا تأييد ذلك من رواية البزَّار، وقال بعض المتأخِّرين: قوله (إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ) لا ينفي غير الجدار، إلَّا أنَّ إخبار ابن عبَّاس عن مروره بهم وعدم إنكارهم لذلك مشعر بحدوث أمر لم يُعهد، فلو فرض هناك سترة أخرى غير الجدار لم يكن لهذا الإخبار فائدة، إذ مروره حينئذ لا ينكره أحد أصلًا. وكأنَّ البخاري ﵀ حمل الأمر في ذلك على المألوف المعروف من عادته
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ قَالَ الإِمِامُ البُخَارِيُّ ﵀: (٩٠) (بَابُ سُتْرَةِ الِإمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ) أي هذا باب في بيان كون سترة الإمام الذي يصلِّي وليس بين يديه جدار ونحوه سترة لمن كان يصلِّي خلفه من المصلِّين، والسُّترة -بضمِّ السِّين- ما يستتر به، والمراد ههنا عكازة، أو عصا، أو عَنَزَة ونحو ذلك، وفي بعض النسخ قبل قوله: (بَابُ سُتْرَةِ الِإمَامِ) <أبوابُ سترةِ المُصَلِّي>؛ أي هذه أبواب في بيان أحكام سترة المصلِّي، وجه المناسبة بين هذه الأبواب الَّتي قبلها من حيث إنَّ الأبواب السَّابقة في أحكام المساجد بوجوهها، وهذه الأبواب في بيان أحكام المصلِّين في غيرها، وهي خمسة أبواب متناسقة. ٤٩٣ - قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْد الله بنِ عَبْدِ اللهِ بن عُتْبَة عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ ﵄، أنَّه قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِحْتِلَامَ، وَرَسُوْلُ اللهِ ﷺ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنَى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ، وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ). مطابقة هذا الحديث للترجمة ظاهرة تستنبط من قوله: (إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ)؛ لأنَّ هذا اللَّفظ مشعر بأنَّ ثمَّة سترة لأنَّ لفظة (غَيْرِ) تقع دائمًا صفة، وتقديره إلى شيءٍ غيرِ جدارٍ وهو أعمُّ من أن يكون عصًا أو عَنَزَة أو نحو ذلك. قال شيخنا: أورد في هذا الباب ثلاثة أحاديث الثَّاني والثالث منها مطابقان للترجمة لكونه ﷺ لم يأمر أصحابه أن يتَّخذوا سترة غير سترته، وأمَّا الأوَّل - وهو حديث ابن عبَّاس - ففي الاستدلال به نظر؛ لأنَّه ليس فيه أنَّه ﷺ صلَّى إلى سترة، وقد بوَّب عليه البَيْهَقي: باب من صلَّى إلى غير سترة، وقد تقدَّم في كتاب العلم في الكلام على هذا الحديث في باب متى يصحُّ سماع الصَّغير، قولُ الشَّافعي ﵀: أنَّ المراد بقول ابن عبَّاس: (إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ) أي إلى غير سترة. وذكرنا تأييد ذلك من رواية البزَّار، وقال بعض المتأخِّرين: قوله (إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ) لا ينفي غير الجدار، إلَّا أنَّ إخبار ابن عبَّاس عن مروره بهم وعدم إنكارهم لذلك مشعر بحدوث أمر لم يُعهد، فلو فرض هناك سترة أخرى غير الجدار لم يكن لهذا الإخبار فائدة، إذ مروره حينئذ لا ينكره أحد أصلًا. وكأنَّ البخاري ﵀ حمل الأمر في ذلك على المألوف المعروف من عادته
1 / 1
ﷺ أنَّه كان لا يصلِّي في الفضاء إلَّا والعَنَزَة أمامه. ثمَّ أيَّد ذلك بحديثي ابن عُمَر وأبي جُحَيفة وفي حديث ابن عُمَر ما يدلُّ على المداومة، وهو قوله بعد ذكر الحربة: «وكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَفَرِ»، وقد تبعه النَّوَوي في «شرح مسلم» في كلامه على فوائد هذا الحديث فيه أنَّ سترة الإمام سترة لمن خلفه، والله أعلم. انتهى.
(بَابٌ) في قَوْلِهِ - يعني شيخنا -: في الاستدلال بهذا نظر؛ لأنَّه ليس فيه أنَّه ﵇ صلَّى إلى سترة، وقد بوَّب عليه البَيْهَقي: بابُ منْ صَلَّى إلى غيرِ سُتْرَةٍ، قلت: دليله لا يساعد نظره؛ لأنَّه لم يقف على دقَّة الكلام، والبَيْهَقي أيضًا لم يقف على هذه النُّكتة، والبخاري دقَّق نظره فأورد هذا الحديث في هذا الباب للوجه الذي ذكرناه على أنَّ ذلك معلوم من حال النَّبِيِّ ﷺ، قال: وهذا الحديث بعينه بهذا الإسناد قد تقدَّم في كتاب العلم في باب متى يصحُّ سماع الصَّغير، غير أنَّ هناك شيخه إسماعيل عن مالك وههنا عبد الله بن يوسف عنه، وهناك (حَدَّثَنِي مَالِكٌ)، وههنا (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ)، وهناك (فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ) على صيغة المجهول مع طيِّ ذكر الفاعل، وههنا على صيغة المعلوم، والفاعل هو قوله: (أَحَدٌ)، وقد ذكرنا مباحث هذا الحديث هناك مستوفاة.
قال شيخنا قوله: (نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ) أي قاربته، وقد ذكرت الاختلاف في قدر عمره في باب تعليم الصِّبيان من كتاب فضائل القرآن، وفي كتاب الاختتان بعد الكبر من كتاب الاستئذان، وتوجيه الجمع بين المختلف من ذلك وبيان الرَّاجح من الأقوال ولله الحمد.
قوله: (يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنَى) كذا قال مالك وأكثر أصحاب الزُّهْري، ووَقَعَ عند مسلم من رواية ابن عُيينة: «بِعَرَفَةَ» قال النَّوَوي: يحمل ذلك على أنَّهما قضيِّتان، وتعقِّب بأنَّ الأصل عدم التعدُّد ولا سيِّما مع اتِّحاد مخرج الحديث، فالحقُّ أن قول ابن عُيَيْنَة: «بِعَرَفَةَ» شاذٌّ، ووَقَعَ عند مسلم أيضًا من رواية مَعمَر عن الزُّهْري وذلك في (حَجَّةِ الوَدَاعِ) أو (الفَتْحِ) وهذا الشكُّ من مَعمَر لا يُعَوَّل عليه، والحقُّ أنَّ ذلك كان في (حَجَّةِ الوَدَاعِ).
قوله: (بَعْضُ الصَّفِ) زاد المُصَنِّف في الحَجِّ من رواية ابن أخي ابن شِهَاب عن عمِّه: «حَتَّى سِرْتُ بينَ يَدَي بَعْضِ الصَّفِ الأَوَلِ». انتهى.
وهو يعيِّن أحد الاحتمالين الذي ذكرناهما في كتاب العلم.
قوله: (فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ) قال ابن دقيق العيد: استدلَّ ابن عبَّاس بترك الإنكار على الجواز، ولم يستدلَّ بترك إعادتهم للصلاة؛ لأنَّ ترك الإنكار أكثر فائدة.
قال شيخنا: وتوجيهه أنَّ ترك الإعادة يدلُّ على صحَّتها فقط لا على جواز المرور وصحَّة الصَّلاة معًا، ويستفاد منه
أنَّ ترك الإنكار حجَّة على الجواز بشرطه، وهو انتفاء الموانع من الإنكار وثبوت العلم بالاطِّلاع على الفعل، ولا يقال لا يلزم مما ذكر اطلاع النَّبِيِّ ﷺ على ذلك؛ لاحتمال أن يكون الصفُّ حائلًا دون رؤية النَّبِيِّ ﷺ له؛ لأنَّا نقول قد تقدَّم أنَّ في رواية المُصَنِّف فِي الحَجِّ أنَّه (مَرَّ بَيْنَ يَدَي بَعْضِ الصَّفِّ الأَوَّلِ) فلم يكن هناك حائل دون الرؤية، ولو لم يرد شيء من ذلك لكان توفُّر دواعيهم عن سؤاله ﷺ عمَّا يحدث لهم كافيًا في الدلالة على اطِّلاعه على ذلك، والله أعلم. واستُدِلَّ به على أنَّ مرور الحمار لا يقطع الصَّلاة فيكون ناسخًا، لحديث أبي ذرٍّ الذي رواه مسلم في كون مرور الحمار يقطع الصَّلاة، وكذا المرأة والكلب الأسود، تُعُقِّب بأنَّ مرور الحمار متحقق في حال مرور ابن عبَّاس وهو راكبه، وقد تقدَّم أن ذلك لا يضرُّ لكون سترة الإمام سترة لمن خلفه وإنَّما مروره بعد أن نزل عنه فيحتاج إلى نقل، وقال ابن عبد البرِّ: حديث ابن عبَّاس هذا يخصُّ حديث أبي سعيد: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ» فإنَّ ذلك مخصوص بالإمام والمنفرد، فأمَّا المأموم فلا يضرُّه من مرَّ بين يديه، لحديث ابن عبَّاس هذا قال: وهذا كلُّه لا خلاف فيه بين العلماء، وكذا نقل عياض الاتِّفاق على أنَّ المأمومين يصلُّون إلى سترة، لكن اختلفوا هل سترتهم سترة الإمام أو سترتهم الإمام نفسه. انتهى. وفيه نظر لما رواه عبد الرزَّاق عن الحكم بن عَمْرو الغفاري الصحابي أنَّه صَلَّى بأصحابهِ في سفرٍ وبينَ يديهِ سُترَةٌ فمَرَّ حميرٌ بينَ يَدَي أصحابهِ فأعَادَ بهمُ الصَّلاة، وفي رواية أنَّه قالَ لَهُمْ: إنَّها لَمْ تَقْطَعْ صلاتِي ولكن قَطَعَتْ صلاتَكُمْ. فهذا يُعَكِّر على ما نقل من الاتِّفاق، ولفظ ترجمة الباب وردت في حديث مرفوع رواه الطَّبَرَاني في «الأوسط» من طريق سُوَيد بن عبد العزيز عن عاصم عن أَنَس مرفوعًا: «سُتْرَةُ الِإمَامِ سُترَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ» وقال: تفرَّد به سُوَيد عن عاصم. انتهى. وسويد ضعيف عندهم ووردت أيضًا في حديث موقوف على ابن عُمَر أخرجه عبد الرزَّاق ويظهر أثر الخلاف الذي نقله عياض فيما لو مرَّ بين يدي الإمام أحد، فعلى قول من يقول إنَّ سترة الإمام سترة من خلفه يضرُّ صلاته وصلاتهم، وعلى من يقول أنَّ الإمام نفسه سترة من خلفه يضرُّ صلاته ولا يضرُّ صلاتهم. ٤٩٤ - قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ) قال أبو علي الجَيَّاني: لم أجد إِسْحاق هذا منسوبًا من الرواة، وقال
أنَّ ترك الإنكار حجَّة على الجواز بشرطه، وهو انتفاء الموانع من الإنكار وثبوت العلم بالاطِّلاع على الفعل، ولا يقال لا يلزم مما ذكر اطلاع النَّبِيِّ ﷺ على ذلك؛ لاحتمال أن يكون الصفُّ حائلًا دون رؤية النَّبِيِّ ﷺ له؛ لأنَّا نقول قد تقدَّم أنَّ في رواية المُصَنِّف فِي الحَجِّ أنَّه (مَرَّ بَيْنَ يَدَي بَعْضِ الصَّفِّ الأَوَّلِ) فلم يكن هناك حائل دون الرؤية، ولو لم يرد شيء من ذلك لكان توفُّر دواعيهم عن سؤاله ﷺ عمَّا يحدث لهم كافيًا في الدلالة على اطِّلاعه على ذلك، والله أعلم. واستُدِلَّ به على أنَّ مرور الحمار لا يقطع الصَّلاة فيكون ناسخًا، لحديث أبي ذرٍّ الذي رواه مسلم في كون مرور الحمار يقطع الصَّلاة، وكذا المرأة والكلب الأسود، تُعُقِّب بأنَّ مرور الحمار متحقق في حال مرور ابن عبَّاس وهو راكبه، وقد تقدَّم أن ذلك لا يضرُّ لكون سترة الإمام سترة لمن خلفه وإنَّما مروره بعد أن نزل عنه فيحتاج إلى نقل، وقال ابن عبد البرِّ: حديث ابن عبَّاس هذا يخصُّ حديث أبي سعيد: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ» فإنَّ ذلك مخصوص بالإمام والمنفرد، فأمَّا المأموم فلا يضرُّه من مرَّ بين يديه، لحديث ابن عبَّاس هذا قال: وهذا كلُّه لا خلاف فيه بين العلماء، وكذا نقل عياض الاتِّفاق على أنَّ المأمومين يصلُّون إلى سترة، لكن اختلفوا هل سترتهم سترة الإمام أو سترتهم الإمام نفسه. انتهى. وفيه نظر لما رواه عبد الرزَّاق عن الحكم بن عَمْرو الغفاري الصحابي أنَّه صَلَّى بأصحابهِ في سفرٍ وبينَ يديهِ سُترَةٌ فمَرَّ حميرٌ بينَ يَدَي أصحابهِ فأعَادَ بهمُ الصَّلاة، وفي رواية أنَّه قالَ لَهُمْ: إنَّها لَمْ تَقْطَعْ صلاتِي ولكن قَطَعَتْ صلاتَكُمْ. فهذا يُعَكِّر على ما نقل من الاتِّفاق، ولفظ ترجمة الباب وردت في حديث مرفوع رواه الطَّبَرَاني في «الأوسط» من طريق سُوَيد بن عبد العزيز عن عاصم عن أَنَس مرفوعًا: «سُتْرَةُ الِإمَامِ سُترَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ» وقال: تفرَّد به سُوَيد عن عاصم. انتهى. وسويد ضعيف عندهم ووردت أيضًا في حديث موقوف على ابن عُمَر أخرجه عبد الرزَّاق ويظهر أثر الخلاف الذي نقله عياض فيما لو مرَّ بين يدي الإمام أحد، فعلى قول من يقول إنَّ سترة الإمام سترة من خلفه يضرُّ صلاته وصلاتهم، وعلى من يقول أنَّ الإمام نفسه سترة من خلفه يضرُّ صلاته ولا يضرُّ صلاتهم. ٤٩٤ - قوله: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ) قال أبو علي الجَيَّاني: لم أجد إِسْحاق هذا منسوبًا من الرواة، وقال
1 / 2
الكِرْماني: وفي بعض النسخ «إِسْحَاقُ بنُ مَنْصُوْرٍ». قال شيخنا: وقد جَزَمَ أبو نُعَيم وخَلَفٌ وغيرهُما بِأنَّه إِسْحاق بن مَنْصور وكنت أجوِّز أنَّه ابن راهويه لثبوته في «مسنده» عن الفِرْيابي إلى أن رأيت في سياقه له مغايرة، قلت: ترجمته في باب فضل من عَلِمَ وعَلَّم. انتهى.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ) أي بضمِّ النون، ترجمته في باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْد الله بنُ عُمَرَ) أي ابن حَفْص بن عاصم بن عُمَر بن الخطَّاب أبو عُثْمان القُرَشي العدوي المدني توفِّي سنة تسع وأربعين ومائة، قلت: تقدَّم ذكره أيضًا في باب التبرُّز في البيوت.
قوله: (عَنْ نَافِعٍ) أي مولى بن عُمَر ترجمته في باب العلم والفُتيا في المسجد.
قوله: (عَنِ ابنِ عُمَرَ) أي عبد الله بن عُمَر بن الخطَّاب ﵄ ترجمته في كتاب الإيمان.
في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه أنَّ رواته ما بين كوفيين ومدنيين، وفيه شيخه الرَّاوي عن ابن نُمَير غير منسوب.
قوله: (أنَّ رَسُوْلَ اللهِ ﷺ كَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ العِيْدِ أَمَرَ بِالحَرْبَةِ فَتُوْضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا والنَّاسُ وَرَاءَهُ، وكانَ يَفْعَلُ ذلكَ في السَفَرِ، فَمِنْ ثمَّ اتخَذَهَا الأُمَرَاءُ) مطابقة للترجمة ظاهرة. فإن قلت: كيف الظهور والترجمة في أنَّ سترة الإمام سترة لمن خلفه وليس في الحديث ما يدلُّ على ذلك. قال العَيني: يدلُّ على ذلك من وجوه ثلاثة:
الأوَّل: إنَّه لم ينقل وجود سترة لأحد من المأمومين ولو كان لفعل لتوفُّر الدَّواعي على نقل الأحكام الشَّرعيَّة فدلَّ على أنَّ سترته ﵇ كانت سترة لمن خلفه.
الثاني: قوله (فَيُصَلِّي إِلَيْهَا والنَّاسُ وَرَآءَهُ) يدلُّ على دخول النَّاس في السترة؛ لأنَّهم تابعون للإمام في جميع ما يفعله.
الثالث: إنَّ قوله (وَرَاءَهُ) يدلُّ على أنَّهم كانوا وراء السترة أيضًا، إذ لو كانت لهم سترة لم يكونوا ورآءه بل كانوا ورائها، وقد نقل القاضي عياض: الاتِّفاق على أنَّ المأمومين يصلُّون إلى سترة يعني به سترة الإمام، قال: ولكن اختلفوا ثمَّ نقل ما ذكره القاضي فيما تقدَّم آنفًا، ثمَّ ذكر ما قاله شيخنا: وفيه نظر إلى آخره، ثمَّ قال: قلت: سترة الإمام سترة مطلقًا بالحديث المذكور، فإذا وُجِدَتْ سترة لا يضرُّ صلاة الإمام ولا صلاة المأموم. انتهى.
هذا الحديث أخرجه مسلم في الصَّلاة أيضًا عن محمَّد بن عبد الله بن نُمَير ومحمَّد بن المثَّنى وأخرجه أبو داود فيه عن الحسن بن علي الخلَّال عن عبد الله بن نُمَير قوله: (أَمَرَ بالحَرْبَةِ) أي أمر خادمه بحمل الحربة وللمصنِّف في العيدين من طريق الأوزاعي عن نافع: (كَانَ يَغْدُو إِلَى المُصلَّى وَالعَنَزَةُ تُحْمَلُ وَتُنْصَبُ
بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا). وزاد ابن ماجَهْ وابن خُزَيمَة والإسماعيلي وذلك أنَّ المصلَّى كان فضاء ليس فيه شيء يستره. قوله: (والنَّاسُ) بالرفع عطفًا على فاعل (فيُصَلِّي وَرَاءَهُ) منصوب على الظرفيَّة. قوله: (وكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ) أي الأمر بالحربة والوضع بين يديه والصلاة إليها لم يكن مختصًّا بيوم العيد. قوله: (فَمِنْ ثَمَّ) -بفتح الثَّاء المثلَّثة- أي فمن أجل ذلك اتَّخذ الحربة الأمراء؛ وهو الرمح العريض النصل، يخرج بها بين أيديهم في العيد ونحوه. وهذه الجملة أعني قوله: (فَمِنْ ثمَّ اتخَذَهَا الأُمَراءُ) من كلام نافع كما أخرجه ابن ماجَهْ بدون هذه الجملة فقال: حدَّثنا محمَّد بن الصبَّاح أنبأنا عبد الله بن رجاء المكَّي عن عُبَيْد الله عن نافع عن ابن عُمَر قال: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ تُخْرَجُ لَهُ حَرْبَةٌ فِي السَّفَرِ، فَيَنْصِبُهَا، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا». قال شيخنا: وهذه الجملة الأخيرة فصلها علي بن مُسْهِر من حديث ابن عُمَر فجعلها من كلام نافع كما أخرجه ابن ماجه، وأوضحته في كتاب «المدرج» والضمير في (اتَخَذَهَا) يعود إلى الحربة نفسها، أو إلى جنس الحربة. وقد روى عُمَر بن أبي شَبَّة في «أخبار المدينة» في حديث سعد القَرَظ أنَّ النجاشيَّ أهدى إلى النَّبِيِّ ﷺ حربة فأمسكها بنفسه فهي الَّتي يمشى بها مع الإمام يوم العيد. ومن طريق اللَّيث أنَّه بلغه أنَّ العَنَزَةَ الَّتي كانت بين يدي النَّبِيِّ ﷺ كانت لرجل من المشركين قتله الزُّبَيْر بن العوَّام يوم أُحد فأخذها منه النَّبِيُّ ﷺ فكان ينصبها بين يديه إذا صلَّى، ويحتمل الجمع بأنَّ عَنَزَةَ الزُّبَيْر كانت أوَّلًا قبل حربة النجاشيِّ. انتهى. فيه الاحتياط وأخذ آلة تدفع الأعداء لاسيِّما في السفر، وفيه جواز الاستخدام وأمر الخادم، وفيه أنَّ سترة الإمام سترة لمن خلفه. وادَّعى بعضهم فيه الإجماع نقله ابن بطَّال قال: السترة عند العلماء سنَّة مندوب إليها، وقال الأبهريُّ: سترة المأموم سترة إمامه فلا يضرُّ المرور بين يديه لأنَّ المأموم تعلَّقت صلاته بصلاة إمامه، قال: ولا خلاف أنَّ السترة مشروعة إذا كان في موضع لا يأمن المرور بين يديه وفي الأمن قولان عند مالك، وعند الشَّافعي مشروعة مطلقًا لعموم الأحاديث ولأنَّها تصون البصر، فإن كان في الفضاء فهل يصلِّي إلى غير سترة؟ أجازه ابن القاسم لحديث ابن عبَّاس المذكور وقال مطرف وابن الماجشون: لا بدَّ من سترة، وذكر عن عُرْوَة وعطاء وسالم والقاسم والشعبيِّ والحسن أنَّهم كانوا يصلُّون في الفضاء إلى غير سترة. قال العَيني: قال محمَّد: يستحبُّ لمن يصلِّي في الصحراء أن يكون بين يديه شيء مثل عصا ونحوها فإن لم يجد
بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا). وزاد ابن ماجَهْ وابن خُزَيمَة والإسماعيلي وذلك أنَّ المصلَّى كان فضاء ليس فيه شيء يستره. قوله: (والنَّاسُ) بالرفع عطفًا على فاعل (فيُصَلِّي وَرَاءَهُ) منصوب على الظرفيَّة. قوله: (وكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ) أي الأمر بالحربة والوضع بين يديه والصلاة إليها لم يكن مختصًّا بيوم العيد. قوله: (فَمِنْ ثَمَّ) -بفتح الثَّاء المثلَّثة- أي فمن أجل ذلك اتَّخذ الحربة الأمراء؛ وهو الرمح العريض النصل، يخرج بها بين أيديهم في العيد ونحوه. وهذه الجملة أعني قوله: (فَمِنْ ثمَّ اتخَذَهَا الأُمَراءُ) من كلام نافع كما أخرجه ابن ماجَهْ بدون هذه الجملة فقال: حدَّثنا محمَّد بن الصبَّاح أنبأنا عبد الله بن رجاء المكَّي عن عُبَيْد الله عن نافع عن ابن عُمَر قال: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ تُخْرَجُ لَهُ حَرْبَةٌ فِي السَّفَرِ، فَيَنْصِبُهَا، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا». قال شيخنا: وهذه الجملة الأخيرة فصلها علي بن مُسْهِر من حديث ابن عُمَر فجعلها من كلام نافع كما أخرجه ابن ماجه، وأوضحته في كتاب «المدرج» والضمير في (اتَخَذَهَا) يعود إلى الحربة نفسها، أو إلى جنس الحربة. وقد روى عُمَر بن أبي شَبَّة في «أخبار المدينة» في حديث سعد القَرَظ أنَّ النجاشيَّ أهدى إلى النَّبِيِّ ﷺ حربة فأمسكها بنفسه فهي الَّتي يمشى بها مع الإمام يوم العيد. ومن طريق اللَّيث أنَّه بلغه أنَّ العَنَزَةَ الَّتي كانت بين يدي النَّبِيِّ ﷺ كانت لرجل من المشركين قتله الزُّبَيْر بن العوَّام يوم أُحد فأخذها منه النَّبِيُّ ﷺ فكان ينصبها بين يديه إذا صلَّى، ويحتمل الجمع بأنَّ عَنَزَةَ الزُّبَيْر كانت أوَّلًا قبل حربة النجاشيِّ. انتهى. فيه الاحتياط وأخذ آلة تدفع الأعداء لاسيِّما في السفر، وفيه جواز الاستخدام وأمر الخادم، وفيه أنَّ سترة الإمام سترة لمن خلفه. وادَّعى بعضهم فيه الإجماع نقله ابن بطَّال قال: السترة عند العلماء سنَّة مندوب إليها، وقال الأبهريُّ: سترة المأموم سترة إمامه فلا يضرُّ المرور بين يديه لأنَّ المأموم تعلَّقت صلاته بصلاة إمامه، قال: ولا خلاف أنَّ السترة مشروعة إذا كان في موضع لا يأمن المرور بين يديه وفي الأمن قولان عند مالك، وعند الشَّافعي مشروعة مطلقًا لعموم الأحاديث ولأنَّها تصون البصر، فإن كان في الفضاء فهل يصلِّي إلى غير سترة؟ أجازه ابن القاسم لحديث ابن عبَّاس المذكور وقال مطرف وابن الماجشون: لا بدَّ من سترة، وذكر عن عُرْوَة وعطاء وسالم والقاسم والشعبيِّ والحسن أنَّهم كانوا يصلُّون في الفضاء إلى غير سترة. قال العَيني: قال محمَّد: يستحبُّ لمن يصلِّي في الصحراء أن يكون بين يديه شيء مثل عصا ونحوها فإن لم يجد
1 / 3
فيستتر بشجرة ونحوها. فإن قلت: الحربة المذكورة هل لها حدٌّ في الطول؟ وما المعتبر في طول السترة؟
قال العَيني: قال أصحابنا: أي الحنفيَّة مقدارها ذراع فصاعدًا. وأخذوا ذلك بحديث طلحة بن عُبَيْد الله قال: (قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: إذا جعلْتَ بينَ يديكَ مثل مؤخرةِ الرحلِ فلا يضرُّكَ مَنْ يَمُرُّ بينَ يديكَ) رواه مسلم، وذكر شيخ الإسلام في «مبسوطه» من حديث أبي جُحَيفة الآتي ذكره أنَّ مقدار العَنَزَة طول ذراع في غلظ إصبع، ويؤيِّد هذا قول ابن مسعود: يجزئ من السترة السهم، وفي «الذخيرة»: طول السهم ذراع وعرضه قدر إصبع، قال: واختلف مشايخنا أي الحنفيَّة فيما إذا كانت السترة أقلَّ من ذراع، وقال شيخ الإسلام: لو وضع قناة أو جعبة بين يديه وارتفع قدر ذراع كانت سترة بلا خلاف، وإن كانت دونه ففيه خلاف، وفي غريب الرواية: النهر الكبير ليس بسترة كالطريق، وكذا الحوض الكبير، وقالت المالكيَّة: تجوز القلنسوة العالية والوسادة بخلاف السوط، وجوَّز في «العُتْبِيَّة» التستر بالحيوان الطاهر بخلاف الخيل والبغال والحمير، وجوَّز بظهر الرجل ومنع بوجهه، وتردد في جنبه، ومنع بالمرأة، واختلفوا في المحارم، ولا يتستر بنائم ولا مجنون ومأبون في دبره ولا كافر انتهى كلامهم.
قلت: الذي قاله الشافعيَّة اتفقوا على أنَّه يستحبُّ أن يكون بين يدي المصلِّي سترة كحائط ونحوه. وحكمتها كفُّ البصر عمَّا ورائها، ومنع من يجتاز بين يديه. ويسنُّ أن لا يزيد ما بينه وبينها على ثلاثة أذرع، فإن لم يكن حائط غرز عصا ونحوها، أو جمع متاعه أو رحله، ويكون ارتفاع العصى ونحوها ثلثي ذراع، وهي قدر مؤخِّرة الرحل بحديث مسلم أي المتقدِّم، وقيل قدر ذراع اليد ولا ضابط لعرضها لقوله ﵇: «اسْتَتِرُوا فِي صَلَاتِكُمْ وَلَوْ بِسَهْمٍ» رواه الحاكم.
قال في «البُوَيطي»: ولا يستتر بامرأة ولا دابَّة. وفي الصَّحيحين: «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يصلِّي إلى رَاحِلَتِهِ». وكان ابن عُمَر يفعله، وقد أوصى الشَّافعي بالعمل بالحديث الصحيح قال الدَّمِيري: وهذا منه فهو مذهبه فإن لم يجد ساترًا استُحبَّ أن يخطَّ خطًّا لقوله ﵇ إذا صلَّى أحدكم فليجعل أمام وجهه شيئًا فإن لم يجد فليخطَّ خطَّا ثمَّ لا يضرُّه ما مرَّ أمامه رواه أبو داود بسند يعمل به في فضائل الأعمال وهذا منها. واختُلِفَ في صورة الخطِّ: فقيل: مقوس كالهلال، وقيل: بالطول من قدمه إلى القبلة وهو الأصحُّ، وقيل: من اليمين إلى الشِّمال، والاكتفاء بالخطِّ هو الأصحُّ.
وحكمه حكم الشاخص في منع المرور وجواز الدفع، وقيل: إنَّ الشَّافعي خطَّ عليه في الجديد.
وعبارة النَّوَوي في «المنهاج»
تقتضي التخيير أي بين الجدار أو السَّارية أو العصا المغروزة أو بسط مصلَّى أو خطٍّ قباله وليس كذلك. فقد قال في «التحقيق»: فإن عجز خطَّ خطًّا، فإن عجز عن سترة بسط مصلَّى طولًا من قدميه إلى القبلة، ويستحبُّ أن يجعل السترة عن يمينه أو عن شماله. انتهى. ٤٩٥ - قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيْدِ) أي هشام بن عبد الملك الطَّيالِسي البصري، ترجمته في باب علامة الإيمان حبُّ الأنصار. قوله: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) أي ابن الحجَّاج، ترجمته في باب يتلو باب أمور الإيمان. قوله: (عَنْ عَوْنِ بنِ أَبي جُحَيْفَةَ) -أي بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالنون- ترجمته في باب الصَّلاة في الثَّوب الأحمر. قوله: (قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ) أي أبو جُحَيفة -بضمِّ الجيم وفتح الحاء- مرَّ في كتابة العلم، واسمه وَهْب ابن عبد الله السُّوائي -بضمِّ السِّين المهملة-. في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في موضع واحد، وفيه السَّماع، وفيه التَّحديث بصيغة المضارع المفرد، وفيه أنَّ رواته ما بين بصري وكوفي. قوله: (إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى بِهِم بِالبَطْحَاءِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ المَرْأَةُ وَالحِمَارُ) مطابقته للترجمة من الوجه الذي ذكرناه في الحديث السَّابق. والحديث أخرجه البخاريُّ أيضًا في الصَّلاة عن آدم، وأخرجه مطَّولًا ومختصرًا في باب استعمال وضوء النَّاس، وفي ستر العورة في الصَّلاة في باب الصَّلاة في الثَّوب الأحمر وفي الأذان وفي صفة النَّبِيِّ ﷺ في موضعين، وفي اللِّباس في موضعين، وأخرجه أيضًا بعد بابين في باب الصَّلاة إلى العَنَزَة، وفي باب السترة بمكَّة وغيرها. قال شيخنا: ومداره عنده على بن الحكم بن عُيَيْنَة وعلى عَوْن بن أبي جُحَيفة كلاهما عن أبي جُحَيفة، وعند أحدهما ما ليس عند الآخر، وقد سمعه شُعْبَة منهما كما سيأتي واضحًا. انتهى. وأخرجه مسلم في الصَّلاة، وكذلك أبو داود والتِّرْمِذي وابن ماجه، وقد ذكرناه في باب الصَّلاة في الثَّوب الأحمر. قوله: (بِالبَطْحَاءِ) أي بطحاء مكَّة، ويقال له الأبطح أيضًا، قال شيخنا: وهو موضع خارج مكَّة، وهو الذي يقال له: الأبطح، وكذا ذكره من رواية أبي العُمَيس عن عون، وزاده من رواية آدم عن شُعْبَة عن عون أنَّ ذلك كان بالهاجرة فيُستفاد منه، كما ذكر النَّوَوي أنَّه ﵇ جمع حينئذ بين الصلاتين في وقت الأولى منهما، ويحتمل أن يكون قوله: (والعَصْرَ رَكعَتَينِ) أي بعد دخول وقتها. قلت: وقد تقدَّم
تقتضي التخيير أي بين الجدار أو السَّارية أو العصا المغروزة أو بسط مصلَّى أو خطٍّ قباله وليس كذلك. فقد قال في «التحقيق»: فإن عجز خطَّ خطًّا، فإن عجز عن سترة بسط مصلَّى طولًا من قدميه إلى القبلة، ويستحبُّ أن يجعل السترة عن يمينه أو عن شماله. انتهى. ٤٩٥ - قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيْدِ) أي هشام بن عبد الملك الطَّيالِسي البصري، ترجمته في باب علامة الإيمان حبُّ الأنصار. قوله: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) أي ابن الحجَّاج، ترجمته في باب يتلو باب أمور الإيمان. قوله: (عَنْ عَوْنِ بنِ أَبي جُحَيْفَةَ) -أي بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالنون- ترجمته في باب الصَّلاة في الثَّوب الأحمر. قوله: (قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ) أي أبو جُحَيفة -بضمِّ الجيم وفتح الحاء- مرَّ في كتابة العلم، واسمه وَهْب ابن عبد الله السُّوائي -بضمِّ السِّين المهملة-. في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في موضع واحد، وفيه السَّماع، وفيه التَّحديث بصيغة المضارع المفرد، وفيه أنَّ رواته ما بين بصري وكوفي. قوله: (إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى بِهِم بِالبَطْحَاءِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ المَرْأَةُ وَالحِمَارُ) مطابقته للترجمة من الوجه الذي ذكرناه في الحديث السَّابق. والحديث أخرجه البخاريُّ أيضًا في الصَّلاة عن آدم، وأخرجه مطَّولًا ومختصرًا في باب استعمال وضوء النَّاس، وفي ستر العورة في الصَّلاة في باب الصَّلاة في الثَّوب الأحمر وفي الأذان وفي صفة النَّبِيِّ ﷺ في موضعين، وفي اللِّباس في موضعين، وأخرجه أيضًا بعد بابين في باب الصَّلاة إلى العَنَزَة، وفي باب السترة بمكَّة وغيرها. قال شيخنا: ومداره عنده على بن الحكم بن عُيَيْنَة وعلى عَوْن بن أبي جُحَيفة كلاهما عن أبي جُحَيفة، وعند أحدهما ما ليس عند الآخر، وقد سمعه شُعْبَة منهما كما سيأتي واضحًا. انتهى. وأخرجه مسلم في الصَّلاة، وكذلك أبو داود والتِّرْمِذي وابن ماجه، وقد ذكرناه في باب الصَّلاة في الثَّوب الأحمر. قوله: (بِالبَطْحَاءِ) أي بطحاء مكَّة، ويقال له الأبطح أيضًا، قال شيخنا: وهو موضع خارج مكَّة، وهو الذي يقال له: الأبطح، وكذا ذكره من رواية أبي العُمَيس عن عون، وزاده من رواية آدم عن شُعْبَة عن عون أنَّ ذلك كان بالهاجرة فيُستفاد منه، كما ذكر النَّوَوي أنَّه ﵇ جمع حينئذ بين الصلاتين في وقت الأولى منهما، ويحتمل أن يكون قوله: (والعَصْرَ رَكعَتَينِ) أي بعد دخول وقتها. قلت: وقد تقدَّم
1 / 4
الكلام على تفسير البطحاء عن قريب.
قوله: (وبَينَ يَدَيهِ عَنَزَةٌ) جملة وقعت حالًا، والعَنَزَة تقدَّم ضبطها وتفسيرها في الطهارة في حديث أَنَس وفي رواية أبي العُمَيس: «جَاءَ بِلَالٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ ثمَّ خَرَجَ بِالعَنَزَةِ حتَّى رَكَزَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ».
وأوَّل رواية عُمَر بن أبي زائدة عن عَوْن عن أبيه: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلَالًا أَخَذَ وَضُوءَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَرَأَيْتُ النَّاس يَبْتَدِرُونَ ذَاكَ الوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ». وفيها أيضًا «وخَرَجَ في حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، مُشَمِّرًا»، وفي رواية مالك بن مغول عن عون: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ سَاقَيْهِ»، وبيَّن فيها أيضًا أنَّ الوضوء الذي ابتدره النَّاس كان فضل الماء الذي توضَّأ به النَّبِيُّ ﷺ. وكذا هو في رواية شُعْبَة عن الحكم، وفي رواية شُعْبَة من طريق الثَّوْري عن عَوْن ما يشعر بأنَّ ذلك كان بعد خروجه من مكَّة؛ لقوله: ثمَّ لم يزل يصلِّي ركعتين حتَّى رجع إلى المدينة.
قوله: (الظُّهْرَ) منصوب لأنَّه مفعول (صَلَّى).
قوله: (رَكْعَتَيْنِ) نصب إما على أنَّه حال، وإما على أنَّه بدل من الظُّهر، وكذلك الكلام في قوله: (والعَصْرَ).
قوله: (تَمُرُّ بَينَ يَدِيْهِ المَرْأَةُ والحِمَارُ) جملة وقعت حالًا، والجملة الفعليَّة إذا وقعت حالًا وكان فعلها مضارعًا يجوز فيها الواو وتركها.
قال شيخنا: (تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيهِ) أي بين العَنَزَة والقبلة لا بينه وبين العَنَزَة، ففي رواية عُمَر بن أبي زائدة في باب الصَّلاة في الثَّوب الأحمر: «وَرَأَيْتُ النَّاس وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ بَيْنِ يَدَيِ العَنَزَةِ». انتهى.
فيه: جعل السترة بين يديه إذا كان في الصحراء. وفيه: أنَّ مرور المرأة والحمار لا يقطع الصَّلاة، وهو قول عامَّة العلماء.
وروي عن أَنَس ومَكْحول وأبي الأَحْوَص والحسن وعِكْرِمَة: «يَقْطَعُ الكَلْبُ وَالحِمَارُ والخِنْزِيْرُ وَالمَرْأَةُ وَاليَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ وَالمَجُوسِيُّ». وعن عطاء: لا يَقطَعُ إلَّا الكَلْبُ الأسودُ والمرأةُ الحائضُ. وعن أحمد في المشهور عنه: يقطع الصَّلاة مرور الكلب الأسود البهيم. وفي رواية: يقطعها أيضًا الحمار والمرأة أيضًا والبهيم الذي لا يخالط لونه لون آخر. وفي «جامع» شمس الأئمَّة: تَفسُدُ الصَّلاة بمرورِ المرأةِ بَينَ يَدَيهِ. وفي «الكافي» عند أهل العراق: تَفسُدُ بمرور الكلبِ والمرأةِ والحمارِ. والحديث المذكور حُجَّة على من يقول يقطع الصَّلاة بمرور المرأة والحمار، والحُجَّة على من يرى بقطع الصَّلاة بالأشياء المذكورة من هؤلاء المذكورين ما رواه أبو
داود في «سننه» عن أبي سعيد الخُدْري قال: قال رسول الله ﷺ: «لَا يَقْطَعُ الصَّلاة شَيْءٌ وَادْرَؤُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ»، وفي الباب عن ابن عُمَر وأبي أمامة وأنس وجابر، فحديث ابن عُمَر عند الدَّارَقُطْني في «سننه»، وحديث أبي أمامة وأنس أيضًا عنده، وحديث جابر عند الطَّبَرَاني في «الأوسط». قال العَيني: أما حديث الخُدْري ففيه مقال، وأما حديث ابن عُمَر وأبي أمامة وأنس، فقال ابن الجَوْزي: لا يصحُّ منها شيء، وأما حديث جابر ففيه عيسى بن ميمون، قال ابن حبَّان: لا يحلُّ الاحتجاج به، ومستند المذكورين ما رواه مسلم: عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول الله ﷺ: «يَقْطَعُ صَلَاةَ الرَّجُلِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَمؤخِرَةِ الرَّحْلِ: المَرْأَةُ وَالحِمَارُ وَالكَلْبُ الأَسْوَدُ، قُلْتُ: مَا بَالُ الأَسْوَدِ مِنَ الأَحْمَرِ؟ قَالَ: يا ابْنَ أَخِي، سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: الكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ». وحُجَّة العامَّة ما رواه البخاري ومسلم عن عُرْوَة عن عائشة ﵂ قالت: «كَانَ رَسُولُ الله يصلِّي وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بين يَدَيهِ كَاعْتِرَاضِ الجِنَازَةِ». وقد رُوي هذا بوجوه مختلفة، منها فيه: «وَأَنَا حِذَاءَهُ، وَأَنَا حَائِضٌ». وجه الاستدلال به أنَّ اعتراض المرأة خصوصًا الحائض بين المصلِّي وبين القبلة لا يقطع الصَّلاة، فالمارة بطريق الأولى. وبوَّب أبو داود في «سُنَنِهِ» باب من قال الكلب لا يقطع الصَّلاة، ثمَّ روى عن الفضل بن عبَّاس قال: «أَتَانَا رَسُولُ اللهِ ﷺ وَنَحْنُ فِي بَادِيَةٍ وَمَعَهُ عَبَّاسٌ، فصلَّى فِي صَحْرَاءَ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ وَحِمَارَةٌ لَنَا وَكَلْبَةٌ تَعْبَثَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا بَالَى ذَلِكَ». وأخرجه النَّسائي أيضًا. وقال النَّوَوي: وتأوَّل الجمهور القطع المذكور في الأحاديث المذكورة على قطع الخشوع، جمعًا بين الأحاديث. قال العَيني: هذا جيد فيما إذا كانت الأحاديث الَّتي في هذا الباب مستوية الأقدام، وأمَّا إذا قلنا: أحاديث الجمهور أقوى وأصحُّ من أحاديث من خالفهم فالأخذ بالأقوى أولى وأقوى، فإن قلت: قال ابن القصَّار: من قال إنَّ الحمار يقطع الصلاة؟ قال: إنَّ مرور حمار عبد الله كان خلف الإمام بين يدي بعض الصفِّ، والإمام سترة لمن خلفه. قال العَيني: رُدَّ هذا بما رواه البزَّار أنَّ المرور كان بين يديه ﵇ فإن قلت: روى أبو داود من حديث
داود في «سننه» عن أبي سعيد الخُدْري قال: قال رسول الله ﷺ: «لَا يَقْطَعُ الصَّلاة شَيْءٌ وَادْرَؤُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ»، وفي الباب عن ابن عُمَر وأبي أمامة وأنس وجابر، فحديث ابن عُمَر عند الدَّارَقُطْني في «سننه»، وحديث أبي أمامة وأنس أيضًا عنده، وحديث جابر عند الطَّبَرَاني في «الأوسط». قال العَيني: أما حديث الخُدْري ففيه مقال، وأما حديث ابن عُمَر وأبي أمامة وأنس، فقال ابن الجَوْزي: لا يصحُّ منها شيء، وأما حديث جابر ففيه عيسى بن ميمون، قال ابن حبَّان: لا يحلُّ الاحتجاج به، ومستند المذكورين ما رواه مسلم: عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول الله ﷺ: «يَقْطَعُ صَلَاةَ الرَّجُلِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَمؤخِرَةِ الرَّحْلِ: المَرْأَةُ وَالحِمَارُ وَالكَلْبُ الأَسْوَدُ، قُلْتُ: مَا بَالُ الأَسْوَدِ مِنَ الأَحْمَرِ؟ قَالَ: يا ابْنَ أَخِي، سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ: الكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ». وحُجَّة العامَّة ما رواه البخاري ومسلم عن عُرْوَة عن عائشة ﵂ قالت: «كَانَ رَسُولُ الله يصلِّي وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بين يَدَيهِ كَاعْتِرَاضِ الجِنَازَةِ». وقد رُوي هذا بوجوه مختلفة، منها فيه: «وَأَنَا حِذَاءَهُ، وَأَنَا حَائِضٌ». وجه الاستدلال به أنَّ اعتراض المرأة خصوصًا الحائض بين المصلِّي وبين القبلة لا يقطع الصَّلاة، فالمارة بطريق الأولى. وبوَّب أبو داود في «سُنَنِهِ» باب من قال الكلب لا يقطع الصَّلاة، ثمَّ روى عن الفضل بن عبَّاس قال: «أَتَانَا رَسُولُ اللهِ ﷺ وَنَحْنُ فِي بَادِيَةٍ وَمَعَهُ عَبَّاسٌ، فصلَّى فِي صَحْرَاءَ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ وَحِمَارَةٌ لَنَا وَكَلْبَةٌ تَعْبَثَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا بَالَى ذَلِكَ». وأخرجه النَّسائي أيضًا. وقال النَّوَوي: وتأوَّل الجمهور القطع المذكور في الأحاديث المذكورة على قطع الخشوع، جمعًا بين الأحاديث. قال العَيني: هذا جيد فيما إذا كانت الأحاديث الَّتي في هذا الباب مستوية الأقدام، وأمَّا إذا قلنا: أحاديث الجمهور أقوى وأصحُّ من أحاديث من خالفهم فالأخذ بالأقوى أولى وأقوى، فإن قلت: قال ابن القصَّار: من قال إنَّ الحمار يقطع الصلاة؟ قال: إنَّ مرور حمار عبد الله كان خلف الإمام بين يدي بعض الصفِّ، والإمام سترة لمن خلفه. قال العَيني: رُدَّ هذا بما رواه البزَّار أنَّ المرور كان بين يديه ﵇ فإن قلت: روى أبو داود من حديث
1 / 5
سعيد بن غَزْوان عن أبيه: «أنَّه نَزَلَ بِتَبُوكَ وَهُوَ حَاجٌّ فَإِذَا بِرَجُلٍ مُقْعَدٍ فَسَأَلَهُ عَنْ أَمْرِهِ فَقَالَ: سَأُحَدِّثُكَ بحَدِيثٍ فَلَا تُحَدِّثْ بِهِ مَا سَمِعْتَ أَنِّي حَيٌّ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ نَزَلَ بِتَبُوكَ إِلَى نَخْلَةٍ فَقَالَ: هَذِهِ قِبْلَتُنَا، ثمَّ صلَّى إِلَيْهَا، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ وَأَنَا غُلَامٌ أَسْعَى حتَّى مررْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَقَالَ: قَطَعَ صَلَاتَنَا قَطَعَ اللهُ أَثَرَهُ فَمَا قُمْتُ عَلَيْهَا إِلَى يَوْمِي هَذَا».
قوله: (عَلَيْهَا) أي على رجلي، وليس بإضمار قبل الذكر لوجود القرينة.
قال العَيني: أبو داود سكت عنه. وقال غيره: هذا حديث واهٍ، ولئن سلَّمنا صحَّته فهو منسوخ بحديث ابن عبَّاس؛ لأنَّ ذلك كان بتبوك وحديثه كان في حَجَّة الوداع بعدها والله أعلم. انتهى.
وفيه التماس البركة مما لامسه الصَّالحون، ووضع السترة للمصلِّي حيث يخشى المرور بين يديه والاكتفاء فيها بمثل غِلَظِ العَنَزَة، وإنَّ قصر الصَّلاة في السَّفر أفضل من الإتمام؛ لما يشعر به الخبر من مواظبته ﵇، وأنَّ ابتداء القصر من حين مفارقة البلد الذي يخرج منه.
وفيها استحباب تشمير الثياب لا سيَّما في السَّفر وفيه تعظيم الصحابة النَّبِيَّ ﷺ. قلت: واعتقاد حلول البركة في أبدانهم بحلول ما لمسه فيها. انتهى.
وفيه استصحاب العَنَزَة ونحوها في السَّفر ومشروعية الأذان في السَّفر كما سيأتي.
وجواز النَّظر إلى السَّاق وهو إجماع في الرجل حيث لا فتنة. وجواز لبس الثَّوب الأحمر قال شيخنا: وفيه خلاف يأتي في كتاب اللِّباس إن شاء الله تعالى.
قال العَيني: وفيه جواز قصر الصَّلاة الرُّباعيَّة بل هو أفضل من الإتمام، وهل هو رخصة أو عزيمة؟ فيه خلاف بيننا وبين الشَّافعي على ما يأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى.
(٩١) (بَابُ قَدْرِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُوْنَ بَيْنَ المُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ) أي هذا باب في بيان قدر كم ذراع ينبغي أن يكون بين المصلِّي والسترة؟ وقد علم أنَّ لفظة (كَمْ) سواء كانت استفهاميَّة أو خبريَّة لها صدر الكلام، وإنَّما قدَّم لفظ القدر عليها؛ لأنَّ المضاف والمضاف إليه في حكم كلمة واحدة، ومميز (كَمْ) محذوف لأنَّ الفعل لا يقع مميزًا، والتقدير: كَمْ ذِراعٍ ونحوه كما ذكرنا، والمصلِّي -بكسر اللَّام-: اسم فاعل.
قال شيخنا: يحتمل أن يكون بفتح اللَّام من المصلَّى الذي يصلِّي فيه، قال العَيني: هذا احتمال أخذه قائله من كلام الكِرْماني حيث قال: فإن
قلت: الحديث دلَّ على القدر الذي بين المصلَّى بفتح اللَّام والسترة، والترجمة بكسر اللَّام قلت: معناهما متلازمان. انتهى. قال العَيني: لا يلزم من تلازمهما عقلًا اعتبار المقدار، لأنَّ اعتبار المقدار بين المصلِّي وبين السترة لا بينها وبين المكان الذي يصلَّى فيه. انتهى. ٤٩٦ - قوله: (حَدَّثَنَا عَمْرو بنُ زُرَارَةَ) أي بالواو في عَمْرو وضم الزاي ثمَّ بالراء قبل الألف وبعدها هاء أبو محمَّد النيسابوري مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين. قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي حَازِمٍ) ترجمته في باب نوم الرِّجال في المسجد. قوله: (عَنْ أَبِيْهِ) أي أبو حازم -بالحاء المهملة وبالزاي- اسمه سَلَمَة بن دينار وقد تقدَّم في باب غسل المرأة أباها. قوله: (عَنْ سَهْلِ) أي ابن سعد الساعدي ﵁ ترجمته في الباب أيضًا. في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين، وفيه القول، وفيه عن أبيه، وفي رواية أبي داود والإسماعيلي أخبرني أبي، وفيه سهل غير منسوب، وفي رواية الأَصِيلي عن سهل بن سعد. قوله: (قَالَ: كَانَ بَيْنَ مُصلَّى رَسُوْلِ اللهِ ﷺ وَبَيْنَ الجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ) مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث أخرجه مسلم في الصَّلاة عن يعقوب الدَّوْرَقي وأبو داود فيه عن النُّفَيلي والقَعْنَبي قوله: «بَيْنَ مُصَلَّى» -بفتح اللَّام- وهو المكان الذي يصلِّي فيه، والمراد به مقامُه ﵇ في صلاته. وكذا هو في رواية أبي داود قال: حدَّثنا القَعنَبي والنُّفَيلي، قالا: حدَّثنا عبد العزيز بن أبي حازم قال: أخبرني أبي عن سهل قال: «كَانَ بَيْنَ مَقامِ النَّبِيِّ ﷺ وبينَ القِبْلةِ ممرُّ عَنْزٍ». وقال الكِرْماني: المراد بالمصلَّى موضع القدم. قال العَيني: يتناول ذلك موضع القدم وموضع السُّجود أيضًا. قوله: (مَمَرُّ الشَّاةِ) وهو موضع مرورها وهو منصوب لأنَّه خبر كان، والاسم قدر المسافة أو الممرِّ، والسِّياق يدلُّ عليه. كذا قاله الكِرْماني ثمَّ قال: وفي بعضها بالرَّفع. قال العَيني: وجه الرَّفع أن تكون (كَانَ) تامَّة ويكون (مَمَرُّ الشَّاةِ) اسمها، ولا يحتاج إلى خبر أو تكون ناقصة والخبر هو الظَّرف، وفي رواية أبي داود: «مَمَرُّ العَنَزِ» كما ذكرنا والعَنَز هو الماعز. انتهى. فيه ما قال القُرْطُبي: إنَّ بعض المشايخ حمل حديث مَمَرُّ الشَّاةِ على ما إذا كان قائمًا، وحديث بلال ﵁ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لما صلَّى في الكعبة جعل بينه وبين القبلة
قلت: الحديث دلَّ على القدر الذي بين المصلَّى بفتح اللَّام والسترة، والترجمة بكسر اللَّام قلت: معناهما متلازمان. انتهى. قال العَيني: لا يلزم من تلازمهما عقلًا اعتبار المقدار، لأنَّ اعتبار المقدار بين المصلِّي وبين السترة لا بينها وبين المكان الذي يصلَّى فيه. انتهى. ٤٩٦ - قوله: (حَدَّثَنَا عَمْرو بنُ زُرَارَةَ) أي بالواو في عَمْرو وضم الزاي ثمَّ بالراء قبل الألف وبعدها هاء أبو محمَّد النيسابوري مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين. قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي حَازِمٍ) ترجمته في باب نوم الرِّجال في المسجد. قوله: (عَنْ أَبِيْهِ) أي أبو حازم -بالحاء المهملة وبالزاي- اسمه سَلَمَة بن دينار وقد تقدَّم في باب غسل المرأة أباها. قوله: (عَنْ سَهْلِ) أي ابن سعد الساعدي ﵁ ترجمته في الباب أيضًا. في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في موضعين، وفيه القول، وفيه عن أبيه، وفي رواية أبي داود والإسماعيلي أخبرني أبي، وفيه سهل غير منسوب، وفي رواية الأَصِيلي عن سهل بن سعد. قوله: (قَالَ: كَانَ بَيْنَ مُصلَّى رَسُوْلِ اللهِ ﷺ وَبَيْنَ الجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ) مطابقته للترجمة ظاهرة. والحديث أخرجه مسلم في الصَّلاة عن يعقوب الدَّوْرَقي وأبو داود فيه عن النُّفَيلي والقَعْنَبي قوله: «بَيْنَ مُصَلَّى» -بفتح اللَّام- وهو المكان الذي يصلِّي فيه، والمراد به مقامُه ﵇ في صلاته. وكذا هو في رواية أبي داود قال: حدَّثنا القَعنَبي والنُّفَيلي، قالا: حدَّثنا عبد العزيز بن أبي حازم قال: أخبرني أبي عن سهل قال: «كَانَ بَيْنَ مَقامِ النَّبِيِّ ﷺ وبينَ القِبْلةِ ممرُّ عَنْزٍ». وقال الكِرْماني: المراد بالمصلَّى موضع القدم. قال العَيني: يتناول ذلك موضع القدم وموضع السُّجود أيضًا. قوله: (مَمَرُّ الشَّاةِ) وهو موضع مرورها وهو منصوب لأنَّه خبر كان، والاسم قدر المسافة أو الممرِّ، والسِّياق يدلُّ عليه. كذا قاله الكِرْماني ثمَّ قال: وفي بعضها بالرَّفع. قال العَيني: وجه الرَّفع أن تكون (كَانَ) تامَّة ويكون (مَمَرُّ الشَّاةِ) اسمها، ولا يحتاج إلى خبر أو تكون ناقصة والخبر هو الظَّرف، وفي رواية أبي داود: «مَمَرُّ العَنَزِ» كما ذكرنا والعَنَز هو الماعز. انتهى. فيه ما قال القُرْطُبي: إنَّ بعض المشايخ حمل حديث مَمَرُّ الشَّاةِ على ما إذا كان قائمًا، وحديث بلال ﵁ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لما صلَّى في الكعبة جعل بينه وبين القبلة
1 / 6
قريبًا من ثلاثة أذرع على ما إذا ركع أو سجد قال: ولم يحدَّ مالك في هذا حدًّا إلَّا إن ذلك بقدر ما يركع فيه ويسجد ويتمكَّن من دفع من يمرُّ بين يديه، وقيَّده بعض النَّاس بشبر، وآخرون بثلاثة أذرع، وبه قال الشَّافعي وأحمد، وهو قول عطاء وآخرون بستَّة أذرع. وذكر السَّفَاقُسيُّ قال أبو إِسْحاق: رأيت عبد الله بن مُغَفَّل يصلِّي بينه وبين القبلة ستة أذرع وفي نسخة ثلاثة أذرع، وفي «مُصَنَّف ابن أبي شَيْبة» بسند صحيح نحوه. وقد استقصينا الكلام في الباب السَّابق.
٤٩٧ - قوله: (حَدَّثَنَا المكَّي بنُ إِبْرَاهِيْمَ قَالَ: حدَّثنا يَزِيْدُ بنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ) هؤلاء الثلاثة قد سبقوا بهذا الإسناد في باب إثم من كذب على النَّبِيِّ ﷺ. وسَلَمَةَ بفتح اللام هو ابن الأكوع الصحابي ﵁، وهذا من ثلاثيَّات البخاري.
قوله: (قَالَ: كَانَ جِدَارُ المَسْجِدِ عِنْدَ المِنْبَرِ مَا كَادَتِ الشَّاةُ تَجُوْزُهَا) مطابقته ظاهرة من حيث أنَّه ﵇ كان يقوم بجنب المنبر؛ لأنَّه لم يكن لمسجده محراب فتكون مسافة ما بينه وبين الجدار نظير ما بين المنبر والجدار فكأنه قال: الذي ينبغي أن يكون بين المصلِّي وسترته قدر ما كان بين منبره والجدار القبلي.
قال شيخنا: وأوضح من ذلك ما ذكره ابن رُشَيْد أنَّ البخاري أشار بهذه الترجمة إلى حديث سهل بن ساعدة الذي تقدَّم في باب الصَّلاة على المنبر والخشب فإنَّ فيه أنَّه ﵇ قام على المنبر حين عُمِلَ وصلَّى عليه، فاقتضى ذلك أنَّ ذكر المنبر يؤخذ منه موضع قيام المصلِّي، فإن قيل أنَّ في ذلك الحديث أنَّه لم يسجد على المنبر وإنَّما نزل فسجد في أصل المنبر، وبين أصل المنبر وبين الجدار أكثر من ممرِّ الشاة، أجيب بأنَّ أكثر أجزاء الصَّلاة قد حصل في أعلا المنبر ويحصل به المقصود، وإنَّما نزل عن المنبر؛ لأنَّ الدرجة لم تتسع لقدر سجوده، وأيضًا فإنَّه لما سجد في أصل المنبر صارت الدرجة الَّتي فوقه سترة له وهو قدر ما تقدَّم. انتهى.
والحديث أخرجه مسلم أيضًا وهو موقوف على سَلَمَةَ ولكنَّه في الأصل مرفوع، يدلُّ عليه ما رواه الإسماعيليُّ من طريق أبي عاصم عن يزيد بن أبي عُبَيْد بلفظ: «كانَ المنبرُ على عهدِ رسولُ اللهِ ﷺ ليسَ بينَه وبينَ حائطِ القبلةِ إلَّا قدرَ ما مرَّ العنز».
قوله: (المَسْجِدِ) أي مسجد النَّبِيِّ ﷺ.
قوله: (عِنْدَ المِنْبَرِ) من تتمَّة اسم كان أي الجدار الذي عند منبر رسول الله ﷺ أو خبر
كان، الجملة أعني قوله: (ما كَادَتِ الشَّاةُ تَجُوْزُهَا) ويجوز أن يكون الخبر هو قوله: (عِنْدَ المِنْبَرِ)، وقوله: (مَا كَادَتِ الشَّاةُ) استئنافًا تقديره: إذا كان الجدار عند المنبر فما مقدار المسافة بينهما؟ فأجاب: (مَا كَادَتِ الشَّاةُ تَجُوْزُهَا)، أي مقدار ما كادت الشاة تجوز المسافة، وليس بإضمارٍ قبل الذكر؛ لأنَّ سوق الكلام يدلُّ عليه. قال العَيني: ثمَّ اعلمْ أنَّ كادَ من أفعال المقاربة، وخبره يكون فعلًا مضارعًا بغير أن كما في هذه الرواية، ويروى: <أنْ تَجُوْزَهَا> فإن قلت: ما وجه دخول أن؟ قال العَيني: قد تدخل أن على خبر كاد كما تحذف من خبر عسى؛ إذ هما أخوان يتعارضا. فإن قلت: إذا دخل حرف النَّفي على كاد يكون للنفي كما في سائر الأفعال، فما حكمه ههنا؟ أجاب: القواعد النحويَّة تقتضي النفي، والموافق ههنا الإثبات للحديث الأوَّل، وهذا الحديث والذي قبله يدلان على أنَّ القرب من السترة مطلوب. وقال ابن القاسم عن مالك: ليس من الصَّواب أن يصلِّي وبينه وبين السترة صفان. وروى ابن المنذر عن مالك: أنَّه تباعد عن سترته، وأنَّ شخصًا قال له: أيها المصلِّي ألا تَدْنُ من سترةٍ! فمشى الإمام إليها وهو يقول: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَم تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيْمًا﴾ [النساء: ١١٣]. قال شيخنا: وقد ورد الأمرُ بالدُّنوِّ منها، وفيه بيان الحكمة في ذلك، وهو ما رواه أبو داود وغيره من حديث سهل بن أبي حَثْمَةَ مرفوعًا: «إِذَا صلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا، لَا يَقْطَعُ الشَّيطان عَلَيْهِ صَلَاتَهُ». قال ابن بطَّال: أقل ما يكون بين المصلِّي وسترته قدر ممرِّ الشاة. وقيل: أقل ذلك ثلاثة أذرع؛ لحديث بلال: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صلَّى فِي الكَعْبَةِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِدَارِ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ» كما سيأتي قريبًا بعد خمسة أبواب. وجمع الدَّاُودي: بأنَّ أقلَّه ممرُّ الشَّاة، وأكثره ثلاثة أذرع. وجمع بعضهم: بأنَّ الأوَّل في حال القيام والقعود، والثاني في حال الركوع والسُّجود. وقال ابن الصَّلاح: قدَّروا ممرَّ الشَّاة بثلاثة أذرع. قال شيخنا: ولا يخفى ما فيه. وقال البَغَويُّ: استَحَبَّ أهل العلم الدُنُوَّ من السترة بحيث يكون بينه وبينها قدر إمكان السُّجود، وكذلك بين الصُّفوف. (٩٢) (بَابُ الصَّلاة إِلى الحَرْبَةِ) أي هذا بابٌ في بيان الصَّلاة إلى جهة الحربة المركوزة بينه وبين القبلة، وقد بيَّنا: أنَّ الحربة دون الرمح العريضِ النَّصْلِ. وقال أهل السِّير: كانت للنَّبِيِّ ﷺ حربة
كان، الجملة أعني قوله: (ما كَادَتِ الشَّاةُ تَجُوْزُهَا) ويجوز أن يكون الخبر هو قوله: (عِنْدَ المِنْبَرِ)، وقوله: (مَا كَادَتِ الشَّاةُ) استئنافًا تقديره: إذا كان الجدار عند المنبر فما مقدار المسافة بينهما؟ فأجاب: (مَا كَادَتِ الشَّاةُ تَجُوْزُهَا)، أي مقدار ما كادت الشاة تجوز المسافة، وليس بإضمارٍ قبل الذكر؛ لأنَّ سوق الكلام يدلُّ عليه. قال العَيني: ثمَّ اعلمْ أنَّ كادَ من أفعال المقاربة، وخبره يكون فعلًا مضارعًا بغير أن كما في هذه الرواية، ويروى: <أنْ تَجُوْزَهَا> فإن قلت: ما وجه دخول أن؟ قال العَيني: قد تدخل أن على خبر كاد كما تحذف من خبر عسى؛ إذ هما أخوان يتعارضا. فإن قلت: إذا دخل حرف النَّفي على كاد يكون للنفي كما في سائر الأفعال، فما حكمه ههنا؟ أجاب: القواعد النحويَّة تقتضي النفي، والموافق ههنا الإثبات للحديث الأوَّل، وهذا الحديث والذي قبله يدلان على أنَّ القرب من السترة مطلوب. وقال ابن القاسم عن مالك: ليس من الصَّواب أن يصلِّي وبينه وبين السترة صفان. وروى ابن المنذر عن مالك: أنَّه تباعد عن سترته، وأنَّ شخصًا قال له: أيها المصلِّي ألا تَدْنُ من سترةٍ! فمشى الإمام إليها وهو يقول: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَم تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيْمًا﴾ [النساء: ١١٣]. قال شيخنا: وقد ورد الأمرُ بالدُّنوِّ منها، وفيه بيان الحكمة في ذلك، وهو ما رواه أبو داود وغيره من حديث سهل بن أبي حَثْمَةَ مرفوعًا: «إِذَا صلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا، لَا يَقْطَعُ الشَّيطان عَلَيْهِ صَلَاتَهُ». قال ابن بطَّال: أقل ما يكون بين المصلِّي وسترته قدر ممرِّ الشاة. وقيل: أقل ذلك ثلاثة أذرع؛ لحديث بلال: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صلَّى فِي الكَعْبَةِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِدَارِ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ» كما سيأتي قريبًا بعد خمسة أبواب. وجمع الدَّاُودي: بأنَّ أقلَّه ممرُّ الشَّاة، وأكثره ثلاثة أذرع. وجمع بعضهم: بأنَّ الأوَّل في حال القيام والقعود، والثاني في حال الركوع والسُّجود. وقال ابن الصَّلاح: قدَّروا ممرَّ الشَّاة بثلاثة أذرع. قال شيخنا: ولا يخفى ما فيه. وقال البَغَويُّ: استَحَبَّ أهل العلم الدُنُوَّ من السترة بحيث يكون بينه وبينها قدر إمكان السُّجود، وكذلك بين الصُّفوف. (٩٢) (بَابُ الصَّلاة إِلى الحَرْبَةِ) أي هذا بابٌ في بيان الصَّلاة إلى جهة الحربة المركوزة بينه وبين القبلة، وقد بيَّنا: أنَّ الحربة دون الرمح العريضِ النَّصْلِ. وقال أهل السِّير: كانت للنَّبِيِّ ﷺ حربة
1 / 7
دون الرمح يقال لها: العَنَزَة، فكأنها بالغلبة صارت عَلَمًا لها.
٤٩٨ - قوله: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قالَ: حَدَّثَنَا يَحيَى عَن عُبَيْدِ اللهِ قَالَ: أَخبَرَني نافِعٌ عَن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَر ﵄: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُرْكَزُ لَهُ الحَربَةُ، فَيُصَلِّي إِلَيهَا).
مطابقته للترجمة ظاهرة، ساق هذا الحديث في الباب الذي قبل السابق، وذكره ههنا مختصرًا، ويحيى: هو القطَّان، وعُبَيْد الله بن عُمَر بن حَفْص بن عاصم بن عُمَر بن الخطَّاب ﵁.
قوله: (يُرْكَزُ) مِن الركز بالزَّاي في آخره: وهو الغَرز في الأرض.
(٩٣) (بَابُ الصَّلاة إِلى العَنَزَةِ) أي: هذا باب في بيان الصَّلاة إلى جهة العَنَزَة المركوزة بينه وبين القبلة، وقد مرَّ تفسير العَنَزَة.
قال شيخنا: اعتُرِضَ عليه في هذه الترجمة؛ فإنَّ فيها تكرارًا؛ فإنَّ العَنَزَة هي الحربة، لكن قيل: إنَّ الحربة إنَّما تقال: عَنَزَة إذا كانت قصيرة، ففي ذلك جهة مغايرة. انتهى. قلت: لا شكَّ أنَّ التغاير بالاعتبار أيضًا كافٍ في المغايرة.
٤٩٩ - قوله: (حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَة قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْنُ بنُ أَبي جُحَيْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبي قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْلُ اللهِ ﷺ بِالهَاجِرَةِ، فَأُتِيَ بِوَضُوْءٍ، فَتَوَضَّأَ فصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ وَالعَصْرَ وَبَينَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ، وَالمرأَةُ وَالحِمَارُ يَمرُّوْنَ مِنْ وَرَائِهَا).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وقد تقدَّم حديث أبي جُحَيفة وَهْب بن عبد الله السُّوائي في الباب الذي بينه وبين هذا بابان، وهناك رواه عن أبي الوليد عن شُعْبَة، وههنا عن آدم بن أبي إِياس عن شُعْبَة.
قوله: (بِالهَاجِرَةِ) وهي اشتداد الحرِّ عند الظهيرة. قوله: (فَأُتِيَ) على صيغة المجهول.
قوله: (بَوَضُوْءٍ) بفتح الواو، وهو الماء الذي يُتوضَّأ به.
قوله: (وَبَينَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ) جملة حاليَّة.
قوله: (يَمرُّوْنَ) كان القياس في ذلك أن يقال: يَمرَّان، بلفظ التَّثنية؛ لأنَّ المذكور تثنية، وهي المرأة والحمار، ووجَّهوا هذا بوجوه؛ فقال شيخنا: كأنَّه أراد الجنس، ويؤيِّده رواية: «وَالنَّاسُ والدَّوابُ يَمُرُّوْنَ». قال العَيني: هذا ليس بشيء؛ لأنَّه إذا أُريد الجنس يُراد به جنس المرأة وجنس الحمار، فيكون تثنيةً فلا يُطابق الكلام. قال شيخنا: أو فيه حذف تقديره: وغيرهما، وقد تقدَّم بلفظ: (يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ المَرْأَةُ والحِمَارُ)، فالظَّاهر: أنَّ الذي وَقَعَ هنا من تصرُّف الرواة. قال العَيني: قوله: من تصرُّف الرواة، وهذا أيضًا ليس بشيء؛ لأنَّ فيه نسبتهم إلى ذكر ما يخالف القواعد. انتهى.
قال ابن التِّين:
الصَّواب: يَمُرَّان، أو في (يَمُرُّوْنَ) إطلاق صيغة الجمع على الاثنين. قال العَيني: وهذا أوجه من غيره؛ لأنَّ مثلَ هذا وَقَعَ في الكلام الفصيح. وقال ابن مالك: أعاد ضمير الذكور العقلاء على مؤنَّث ومذَّكر غير عاقل، وهو مشكل، والوجه فيه: إنَّه أراد المرأة والحمار وراكبَه، فحذف الراكب لدلالة الحمار عليه، ثمَّ غلَّب تذكير الراكب المفهوم على تأنيث المرأة، وذا العقل على الحمار، وقد وَقَعَ الإخبار عن مذكور ومحذوف في قولهم: راكب البعير طليحان، أي البعير وراكبه. قال العَيني: هذا فيه تعسُّف وبُعد. قوله: (مِن وَرَائِها) أي من وراء العَنَزَة. ٥٠٠ - قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَاتِمِ بنِ بَزِيْعٍ) -بالحاء المهملة وبالتَّاء المُثَنَّاة من فوق-، وبَزِيع -بفتح الباء الموحَّدة وبكسر الزَّاي وسكون الياء آخر الحروف وبالعين المهملة- أبو سعيد، مات ببغداد في سنة تسع وأربعين ومائتين. قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا شَاذَانُ) أي بالشِّين المعجمة، تقدَّم في باب حمل العَنَزَة في الاستنجاء. قوله: (عَنْ شُعْبَةَ) تقدَّم في بابٍ يتلو باب أمور الإيمان. قوله: (عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي مَيْمُوْنَةَ) تقدَّم في باب الاستنجاء بالماء. قوله: (قَالَ: سَمِعْتُ أَنَس بنَ مَالِكٍ ﵁ يَقُوْلُ) تقدَّم في بابِ: من الإيمان أن يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه. في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه السماع، وفيه القول. قوله: (كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا خَرَجَ لحاجَتِهِ تَبِعْتُهُ أَنَا وَغُلامٌ مَعَنَا عُكَّازَةٌ أَو عَصًى أَو عَنَزَةٌ، وَمَعَنَا إِداوَةٌ، فَإِذا فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ نَاوَلْنَاهُ الإِدَاوَةَ). مطابقته للترجمة ظاهرة على ما وجد في أكثر النسخ. (أَوْ عَنَزَةٌ) بالعين المهملة والنون والزاي، وفي بعض النسخ: <أَوْ غَيْرُهُ> بالغين المعجمة والياء آخر الحروف، أي أو غير كلِّ واحد من العصا والعكازة. قال العَيني: فإن صحَّ هذا فليس فيه ما يطابق الترجمة. فإن قلت: الضَّمير في (غَيْرُهُ) يرجع إلى ماذا، والمذكور شيئان وهما العكَّازة والعصا؟ قال العَيني: تقديره: أو غير كلِّ واحد منهما. قال شيخنا: وفي رواية المُسْتَمْلي والحموي: <أَوْ غَيْرُهُ> بالمعجمة والياء والراء، أي سواه أي المذكور، والظاهر إنَّه تصحيف. قال العَيني: كيف يكون تصحيفًا وهي رواية المُسْتَمْلي والحموي، فكأنَّ هذا القائل ارتكب هذا لئلَّا يقال: إنَّ الحديث لا يطابق الترجمة. وهذا الحديث قد مرَّ في كتاب الوضوء، في باب حمل العَنَزَة مع الماء في الاستنجاء، ولكن هناك
الصَّواب: يَمُرَّان، أو في (يَمُرُّوْنَ) إطلاق صيغة الجمع على الاثنين. قال العَيني: وهذا أوجه من غيره؛ لأنَّ مثلَ هذا وَقَعَ في الكلام الفصيح. وقال ابن مالك: أعاد ضمير الذكور العقلاء على مؤنَّث ومذَّكر غير عاقل، وهو مشكل، والوجه فيه: إنَّه أراد المرأة والحمار وراكبَه، فحذف الراكب لدلالة الحمار عليه، ثمَّ غلَّب تذكير الراكب المفهوم على تأنيث المرأة، وذا العقل على الحمار، وقد وَقَعَ الإخبار عن مذكور ومحذوف في قولهم: راكب البعير طليحان، أي البعير وراكبه. قال العَيني: هذا فيه تعسُّف وبُعد. قوله: (مِن وَرَائِها) أي من وراء العَنَزَة. ٥٠٠ - قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَاتِمِ بنِ بَزِيْعٍ) -بالحاء المهملة وبالتَّاء المُثَنَّاة من فوق-، وبَزِيع -بفتح الباء الموحَّدة وبكسر الزَّاي وسكون الياء آخر الحروف وبالعين المهملة- أبو سعيد، مات ببغداد في سنة تسع وأربعين ومائتين. قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا شَاذَانُ) أي بالشِّين المعجمة، تقدَّم في باب حمل العَنَزَة في الاستنجاء. قوله: (عَنْ شُعْبَةَ) تقدَّم في بابٍ يتلو باب أمور الإيمان. قوله: (عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي مَيْمُوْنَةَ) تقدَّم في باب الاستنجاء بالماء. قوله: (قَالَ: سَمِعْتُ أَنَس بنَ مَالِكٍ ﵁ يَقُوْلُ) تقدَّم في بابِ: من الإيمان أن يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه. في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه السماع، وفيه القول. قوله: (كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا خَرَجَ لحاجَتِهِ تَبِعْتُهُ أَنَا وَغُلامٌ مَعَنَا عُكَّازَةٌ أَو عَصًى أَو عَنَزَةٌ، وَمَعَنَا إِداوَةٌ، فَإِذا فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ نَاوَلْنَاهُ الإِدَاوَةَ). مطابقته للترجمة ظاهرة على ما وجد في أكثر النسخ. (أَوْ عَنَزَةٌ) بالعين المهملة والنون والزاي، وفي بعض النسخ: <أَوْ غَيْرُهُ> بالغين المعجمة والياء آخر الحروف، أي أو غير كلِّ واحد من العصا والعكازة. قال العَيني: فإن صحَّ هذا فليس فيه ما يطابق الترجمة. فإن قلت: الضَّمير في (غَيْرُهُ) يرجع إلى ماذا، والمذكور شيئان وهما العكَّازة والعصا؟ قال العَيني: تقديره: أو غير كلِّ واحد منهما. قال شيخنا: وفي رواية المُسْتَمْلي والحموي: <أَوْ غَيْرُهُ> بالمعجمة والياء والراء، أي سواه أي المذكور، والظاهر إنَّه تصحيف. قال العَيني: كيف يكون تصحيفًا وهي رواية المُسْتَمْلي والحموي، فكأنَّ هذا القائل ارتكب هذا لئلَّا يقال: إنَّ الحديث لا يطابق الترجمة. وهذا الحديث قد مرَّ في كتاب الوضوء، في باب حمل العَنَزَة مع الماء في الاستنجاء، ولكن هناك
1 / 8
أخرجه عن محمَّد بن شاذان عن محمَّد بن جعفر عن شُعْبَة، وههنا أخرجه عن محمَّد بن حاتم.
قوله: (تَبِعْتُهُ أَنَا) وإنما أتى بضمير الفصل؛ ليصحَّ العطف، وهذا على مذهب البصريين.
و(الإِدَاوَةَ) -بكسر الهمزة- قلت: إناء من جلد كالسطيحة. انتهى.
قال ابن بطَّال: فيه الاستنجاء بالماء. قال العَيني: هذا ليس بصريح؛ لأنَّ قوله: (فَإذَا فَرِغَ مِنْ حَاجَتِهِ) يشمل الاستنجاء بالحجر ونحوه، وتكون مناولته الماء لأجل الوضوء. انتهى. قلت: وَقَعَ التصريح بذلك في حديث أَنَس، في باب جمع العَنَزَة مع الماء، وهو قوله: (يَستَنجِي بالمَاءِ) فابن بطَّال أشار إلى ذلك. انتهى.
وقال ابن بطَّال: فيه خدمة السُّلطان والعالم. قال العَيني: حصره للاثنين لا وجه له، والأحسن أن يقال: فيه خدمة الكبير. انتهى. قلت: راعى ابن بطَّال أولًا غيرَ اللَّفظ الوارد هنا فاعتُرض عليه، وراعى ثانيًا اللَّفظ الوارد هنا فاعترض عليه، وهو في الحالين مصيب. انتهى.
(٩٤) (بَابُ السُّترَةِ بِمَكَّةَ وَغَيرِهَا) أي هذا باب في بيان استحباب السترة لدرء المارّ، سواء كان بمكَّة أو غير مكَّة، وإنما قُيِّد بمكَّة دَفعًا لتوهُّم من توهَّم أنَّ السترة قِبلة، ولا ينبغي أن يكون لمكَّة قِبلة إلَّا الكعبة، فلا يُحتاج فيها إلى سترة، وكل من يصلِّي في مكان واسع فالمستحبُّ له أن يصلِّي إلى سترة، بمكَّة كان أو غيرها، إلَّا أن يصلِّي بمسجد مكَّة بقرب القبلة حيث لا يمكن لأحد المرور بينه وبينها فلا يحتاج إلى سترة؛ إذ قبلة مكَّة سترة له، فإن صلَّى في مؤخَّر المسجد بحيث يمكن المرور بين يديه، أو في سائر بقاع مكَّة إلى غير جدار أو شجرة أو ما أشبههما، فينبغي أن يجعل أمامه سترة من المرور بين يديه كما فعل الشَّارع حين صلَّى بالبطحاء إلى عَنَزَة، والبطحاء خارج مكَّة.
قال شيخنا: والذي أظنُّه أنَّ البخاري أراد أن يُنَكِّت على ما ترجم عليه عبد الرزَّاق؛ فإنَّه قال: بابٌ لا يقطع الصَّلاة بمكَّة شيء، ثمَّ أخرج عن ابن جُرَيج عن كثير بن كثير بن المطَّلب عن أبيه عن جدِّه، قال: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يُصَلِّي في المَسْجِدِ الحَرَامِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ -أي الناس- سُتْرَةٌ» وأخرجه من هذا الوجه أيضًا أصحاب السُّنن، ورجاله موثَّقون، إلَّا أنَّه معلول، فقد رواه أبو دواد عن أحمد عن ابن عُيَيْنَة، قال: كان ابن جُرَيج أخبرنا به هكذا، فلقيت كثيرًا فقال: ليس من أبي سمعته، ولا من بعض أهلي عن جدِّي. فأراد البخاري التنبيه على ضعف هذا الحديث، وأن لا فرق بين مكَّة وغيرها في مشروعيِّة السترة، واستُدِلَّ
على ذلك بحديث جُحَيفة، وقد قدَّمنا وجه الدلالة منه، وهذا هو المعروف عند الشافعيِّة، وأن لا فرق في منع المرور بين يدي المصلِّي بين مكَّة وغيرها، واغتفر بعض الفقهاء ذلك للطائفين دون غيرهم للضرورة، وعن بعض الحنابلة: جوازُ ذلك في جميع مكَّة. ٥٠١ - قوله: (حَدَّثَنَا سُلَيمان بنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنِ الحَكَمِ) أي بفتح الحاء المهملة والكاف. (عَنْ أَبي جُحَيفَةَ) قلت: بضمِّ الجيم، وفتح الحاء المهملة، وسكون الياء آخر الحروف، وبالفاء. انتهى. (قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِالهَاجِرَةِ، فَصَلَّى بِالبَطْحَاءِ الظُّهْرَ وَالعَصْرَ رَكعَتَيْنِ، وَنَصَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةً وَتَوَضَّأَ، فَجَعَلَ النَّاس يَتَمَسَّحُونَ بِوَضُوئِهِ). مطابقته للترجمة في قوله: (فَصَلَّى بالبَطْحَاءِ) لأنَّها في مكَّة، ولما كان فضاءً نُصِبَ له بين يديه عَنَزَة فصلَّى إليها. والحديث قد مرَّ في الباب الذي قبله، وفي الباب الذي فيه سترة الإمام سترة لمن خلفه، وفيه زيادة وهي قوله: (فَجَعَلَ النَّاسُ...) إلى آخره. قوله: (بِالبَطْحَاءِ) أي بطحاء مكَّة، قلت: وقد تقدَّم تفسير البطحاء. قوله: (رَكْعَتَيْنِ) متعلِّق بكلِّ واحد من الظهر والعصر، لا يقال: نصب العَنَزَة والوضوء قبل الصَّلاة، فكيف عكس هنا؛ لأنَّا نقول: إنَّ الواو إن كانت للعطف فلا تدلُّ على الترتيب، بل لمطلق الجمع، وإن كانت للحال فلا إيراد. قوله: (بِوَضُوْءٍ) -بفتح الواو- والمعنى: يتمسَّحون بفضلة وضوئه، أو بالماء الذي يتقاطر حين التوضُّؤ. (٩٥) (بابُ الصَّلاة إِلى الأُسْطُوَانَةِ) أي هذا باب في بيان استحباب الصَّلاة إلى جهة الأسطوانة إذا كان في موضع فيه أسطوانة. و(الأُسْطُوَانَةُ) -بضمِّ الهمزة-: معروفةٌ، والنون أصليَّة، ووزنها أُفعوالة مثل أُقحوانة؛ لأنَّه يقال: أساطين مُسطنة. وقال الأَخْفَش: وزنها فُعلوانة. وهذا يدلُّ على زيادة الواو والألف والنون، وقال قوم: وزنها أُفعلانة. قال العَيني: وهذا ليس بشيء؛ لأنَّه لو كان كذلك لما جُمع على أساطين؛ لأنَّه ليس في الكلام أفاعين. قال شيخنا: الأسطوانة السَّاريةُ، -وهي بضمِّ الهمزة وسكون السِّين المهملة وضمِّ الطاء- بوزن أُفعَوانة على المشهور، وقيل: بوزن فعلوانة، والغالب إنَّها تكون من بناءٍ، بخلاف العمود فإنه من حجر واحد. قال العَيني: قيدُ الغالب لا طائل تحته، ولا نسلِّم أنَّ العمود يكون من حجر واحد؛ لأنَّه ربَّما يكون أكثر من واحد، ويكون من خشب أيضًا. قوله: (وَقَالَ عُمَر ﵁ أي ابن الخطَّاب، ترجمته في بدء الوحي. قوله: (المُصَلُّونَ أَحَقُّ بِالسَّوَارِي مِنَ المتَحَدِّثِينَ إِلَيْهَا). مطابقة هذا الأثر للترجمة ظاهرة؛ لأنَّ السواري هي الأساطين،
على ذلك بحديث جُحَيفة، وقد قدَّمنا وجه الدلالة منه، وهذا هو المعروف عند الشافعيِّة، وأن لا فرق في منع المرور بين يدي المصلِّي بين مكَّة وغيرها، واغتفر بعض الفقهاء ذلك للطائفين دون غيرهم للضرورة، وعن بعض الحنابلة: جوازُ ذلك في جميع مكَّة. ٥٠١ - قوله: (حَدَّثَنَا سُلَيمان بنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنِ الحَكَمِ) أي بفتح الحاء المهملة والكاف. (عَنْ أَبي جُحَيفَةَ) قلت: بضمِّ الجيم، وفتح الحاء المهملة، وسكون الياء آخر الحروف، وبالفاء. انتهى. (قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِالهَاجِرَةِ، فَصَلَّى بِالبَطْحَاءِ الظُّهْرَ وَالعَصْرَ رَكعَتَيْنِ، وَنَصَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةً وَتَوَضَّأَ، فَجَعَلَ النَّاس يَتَمَسَّحُونَ بِوَضُوئِهِ). مطابقته للترجمة في قوله: (فَصَلَّى بالبَطْحَاءِ) لأنَّها في مكَّة، ولما كان فضاءً نُصِبَ له بين يديه عَنَزَة فصلَّى إليها. والحديث قد مرَّ في الباب الذي قبله، وفي الباب الذي فيه سترة الإمام سترة لمن خلفه، وفيه زيادة وهي قوله: (فَجَعَلَ النَّاسُ...) إلى آخره. قوله: (بِالبَطْحَاءِ) أي بطحاء مكَّة، قلت: وقد تقدَّم تفسير البطحاء. قوله: (رَكْعَتَيْنِ) متعلِّق بكلِّ واحد من الظهر والعصر، لا يقال: نصب العَنَزَة والوضوء قبل الصَّلاة، فكيف عكس هنا؛ لأنَّا نقول: إنَّ الواو إن كانت للعطف فلا تدلُّ على الترتيب، بل لمطلق الجمع، وإن كانت للحال فلا إيراد. قوله: (بِوَضُوْءٍ) -بفتح الواو- والمعنى: يتمسَّحون بفضلة وضوئه، أو بالماء الذي يتقاطر حين التوضُّؤ. (٩٥) (بابُ الصَّلاة إِلى الأُسْطُوَانَةِ) أي هذا باب في بيان استحباب الصَّلاة إلى جهة الأسطوانة إذا كان في موضع فيه أسطوانة. و(الأُسْطُوَانَةُ) -بضمِّ الهمزة-: معروفةٌ، والنون أصليَّة، ووزنها أُفعوالة مثل أُقحوانة؛ لأنَّه يقال: أساطين مُسطنة. وقال الأَخْفَش: وزنها فُعلوانة. وهذا يدلُّ على زيادة الواو والألف والنون، وقال قوم: وزنها أُفعلانة. قال العَيني: وهذا ليس بشيء؛ لأنَّه لو كان كذلك لما جُمع على أساطين؛ لأنَّه ليس في الكلام أفاعين. قال شيخنا: الأسطوانة السَّاريةُ، -وهي بضمِّ الهمزة وسكون السِّين المهملة وضمِّ الطاء- بوزن أُفعَوانة على المشهور، وقيل: بوزن فعلوانة، والغالب إنَّها تكون من بناءٍ، بخلاف العمود فإنه من حجر واحد. قال العَيني: قيدُ الغالب لا طائل تحته، ولا نسلِّم أنَّ العمود يكون من حجر واحد؛ لأنَّه ربَّما يكون أكثر من واحد، ويكون من خشب أيضًا. قوله: (وَقَالَ عُمَر ﵁ أي ابن الخطَّاب، ترجمته في بدء الوحي. قوله: (المُصَلُّونَ أَحَقُّ بِالسَّوَارِي مِنَ المتَحَدِّثِينَ إِلَيْهَا). مطابقة هذا الأثر للترجمة ظاهرة؛ لأنَّ السواري هي الأساطين،
1 / 9
والسواري جمعُ سَاريةٍ، وقال ابن الأثير: الساريةُ الأُسطوانةُ، وذكره الجوهري في بَابِ سَرَا، ثمَّ ذكر فيه المادَّة الواويَّة والمادَّة اليائيَّة، قال العَيني: والظاهر أنَّ السارية من ذوات الياء.
وهذا الذي علَّقه البخاري وصله أبو بكر بن أبي شَيْبَة والحميديُّ من طريق همدانَ بريدِ عُمَر ﵁، أي رسوله إلى أهل اليمن، عن عُمَر به، وهَمْدان بفتح الهاء وسكون الميم، وبالدال المهملة.
قوله: (المُصَلُّونَ أَحَقُّ) وجه الأَحقيَّة: أنَّ المصلِّين والمتحدثين مشتركان في الحاجة إلى السارية؛ المتحدِّثون إلى الاستناد، والمصلُّون لجعلها سترة، لكن المصلِّين في عبادة فكانوا أحقَّ.
قوله: (المتَحَدِّثِينَ) أي المتكلِّمين.
قوله: (وَرَأَى ابنُ عُمَرَ) أي عبد الله بن عُمَر بن الخطَّاب، ترجمته في كتاب الإيمان، وقد وَقَعَ بإثبات <ابنُ> في رواية أبي ذرٍّ والأَصِيلي وغيرهما، وعند البعض: (رَأَى عُمَرَ) بحذف (ابن)، قال شيخنا: وهو أشبه بالصواب؛ فقد رواه ابن أبي شَيْبَة في «مصنَّفه» من طريق معاوية بن قرَّة بن إياس المزني عن أبيه، وله صحبة، قال: رآني عُمَر وأنا أصلِّي، فذكرَ مثلَه سواء، ولكن زاد: فأَخَذَ بِقَفاي، وعُرِفَ بذلك تسمية المبهم المذكور في التعليق، قال العَيني: رواية الأكثر أشبه بالصواب، مع احتمال أن يكون قضيتان: إحداهما عن عمر، والأخرى عن ابنه، ولا مانع لذلك، قال وقال هذا القائل - يعني شيخنا -: وعُرِفَ بذلك... إلى آخره. قلت: هذا إنَّما يكون إذا تحقق اتِّحاد القضيَّة. انتهى.
قوله: (فَأَدْنَاهُ) أي قرَّبه، من الإدناء وهو التقريب، وادَّعى ابن التِّين: إنَّ عُمَر إنَّما كره ذلك لانقطاع الصفوف، وقيل: أراد بذلك أن تكون صلاته إلى سترة، قال شيخنا: وأراد البخاري بإيراد أثر عُمَر هذا أنَّ المراد بقول سلمة: (يَتَحَرَّى الصَّلاة عِنْدَهَا) أي إليها، وكذا قول أنس: (يَبْتَدِرُوْنَ السَّوَارِيَ) أي يصلُّون إليها.
٥٠٢ - قوله: (حَدَّثَنَا المَكِّيُّ) أي ابن إبراهيم، ترجمته في باب من أجاب الفيتا بإشارة اليد.
قوله: (حَدَّثَنَا يَزِيْدُ بنُ أَبِي عُبَيْدٍ) أي سَلَمَة بن الأكوع، ترجمته في باب إثم من كذبَ على النَّبِيِّ ﷺ.
قوله: (قَالَ: كُنْتُ آتي مَعَ سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَعِ) ترجمته في الباب أيضًا.
في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه القول، وفيه أنَّه من ثلاثيات البخاري ﵀. قال شيخنا: وهذا ثالث ثلاثيٍّ للبخاري، وقد ساوى فيه البخاريُّ شيخَه أحمد بن حنبل؛ فإنه أخرجه في «مسنده» عن مكِّي بن إبراهيم. انتهى.
قوله: (فَيُصَلَّي عِنْدَ الأُسْطُوَانَةِ الَّتي عِنْدَ المُصْحَفِ. فَقُلْتُ: يَا بَا مُسْلِمٍ، أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلاة عِنْدَ هَذِهِ الأُسْطُوَانَةِ؟ قَالَ: فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَتَحَرَّى الصَّلاة عِنْدَهَا).
مطابقتُه للترجمة في قوله: (فيُصَلِّي عِنْدَ الأُسْطُوَانَةِ)، وقوله: (يَتَحَرَّى الصَّلاة عِنْدَهَا) هذا الحديث أخرجه مسلم في الصَّلاة أيضًا عن أبي موسى عن مكِّي به، وعن إِسْحاق
بن إبراهيم ومحمَّد بن المثنَّى، وأخرجه ابن ماجَهْ فيه عن يعقوب بن حُميد. قوله: (كُنْتُ) أي بصيغة المتكلِّم. قوله: (الَّتِي عِنْدَ المُصْحَفِ) هذا يدلُّ على أنَّه كان في مسجد رسول الله ﷺ موضعٌ خاصٌّ للمصحف الذي كان ثَمَّةَ من عهد عُثْمان ﵁، ووَقَعَ عند مسلم بلفظ: «يُصلِّي وراءَ الصُّندوق» وكأنَّه كان للمصحف صندوق يوضع فيه. والأسطوانة المذكورة فيه معروفةٌ بأسطوانة المهاجرين، قال شيخنا: والأسطوانة المذكورة حقق لنا بعض مشايخنا إنَّها المتوسطة في الروضة المكرمة، وأنها تُعرف بأسطوانة المهاجرين. قال: وروي عن عائشة إنَّها كانت تقول: لو عرفها النَّاس لاضطربوا عليها بالسِّهام. وأنَّها أَسرَّتها إلى ابن الزبير، فكان يكثر الصَّلاة عندها. ثمَّ وجدتُ ذلك في «تاريخ المدينة» لابن النجَّار، وزاد: أنَّ المهاجرين من قريش كانوا يجتمعون عندها. وذكر قبله محمَّد بن الحسن في «أخبار المدينة». انتهى. قوله: (يَا بَا مُسْلِمٍ) أصله: يا أبا مسلم، حُذفت الهمزة للتخفيف، وهو كنية سلمة بن الأكوع. قوله: (أَرَاكَ) أي أُبصِرك. قوله: (يَتَحَرَّى) أي يجتهد ويختار، وقال ابن بطَّال: لما كان رسول الله ﷺ يستتر بالعَنَزَة في الصحراء، كانت الأسطوانة أَولى بذلك؛ لأنَّها أشد سترةً منها. قوله: (يَتَحَرَّى الصَّلاة عِنْدَها) أي عند الأسطوانة المذكورة، ينبغي أن تكون الأسطوانة أمامه ولا تكون إلى جنبه؛ لئلَّا يتخلَّل الصُّفوف شيء، ولا تكون له سترة. ٥٠٣ - قوله: (حَدَّثَنا قَبِيْصَةُ) أي ابن عُقْبَة الكوفي، ترجمته في باب علامات المنافق، في كتاب الإيمان. قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) أي الثَّوْري، ترجمته في الباب أيضًا. قوله: (عَنْ عَمْرو بنِ عَامِرٍ) أي بالواو، الكوفي الأنصاري، وليس هو عَمْرو بن عامر البصري؛ فإنَّه سلمي، ولا والد أسدٍ فإنَّه بجليٌّ، ترجمته في باب الوضوء من غير حدث. قوله: (عَنْ أَنَسٍ) أي ابن مالك، ترجمته في باب من الإيمان. في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه أنَّ رواته كوفيُّون ما خلا أنس. قوله: (قَالَ: لَقَدْ أَدرَكْتُ كِبَارَ أَصحَابِ محمَّد ﵇ يَبتَدِرُونَ السَّوَارِيَ عِنْدَ المَغْرِبِ) هذا الأثر أخرجه البخاري هنا عن قبيصة، وعن بُنْدار عن غُندر عن شُعْبَة، وأخرجه النَّسائي فيه عن إِسْحاق بن إبراهيم عن أبي عامر عن سُفْيان عنه، وفي نسخة: <عَنْ شُعْبَةَ> بدل سُفْيان. قوله: (لَقَد أَدرَكْتُ) هذا رواية المُسْتَمْلي والحموي، وفي رواية غيرهما: <لَقَدْ رَأَيْتُ>. قوله: (كِبَارَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ) الكبار: جمع كبير، والأصحاب: جمع صاحب، مثل رَكب وراكب. قوله: (يَبتَدِرُوْنَ السَّوَارِيَ) يتسارعون إليها. قوله: (عِنْدَ المَغْرِبِ) أي عند أذان المغرب، وصرَّح بذلك الإسماعيلي من طريق ابن مهدي عن سفيان، ولمسلم من طريق عبد العزيز
بن إبراهيم ومحمَّد بن المثنَّى، وأخرجه ابن ماجَهْ فيه عن يعقوب بن حُميد. قوله: (كُنْتُ) أي بصيغة المتكلِّم. قوله: (الَّتِي عِنْدَ المُصْحَفِ) هذا يدلُّ على أنَّه كان في مسجد رسول الله ﷺ موضعٌ خاصٌّ للمصحف الذي كان ثَمَّةَ من عهد عُثْمان ﵁، ووَقَعَ عند مسلم بلفظ: «يُصلِّي وراءَ الصُّندوق» وكأنَّه كان للمصحف صندوق يوضع فيه. والأسطوانة المذكورة فيه معروفةٌ بأسطوانة المهاجرين، قال شيخنا: والأسطوانة المذكورة حقق لنا بعض مشايخنا إنَّها المتوسطة في الروضة المكرمة، وأنها تُعرف بأسطوانة المهاجرين. قال: وروي عن عائشة إنَّها كانت تقول: لو عرفها النَّاس لاضطربوا عليها بالسِّهام. وأنَّها أَسرَّتها إلى ابن الزبير، فكان يكثر الصَّلاة عندها. ثمَّ وجدتُ ذلك في «تاريخ المدينة» لابن النجَّار، وزاد: أنَّ المهاجرين من قريش كانوا يجتمعون عندها. وذكر قبله محمَّد بن الحسن في «أخبار المدينة». انتهى. قوله: (يَا بَا مُسْلِمٍ) أصله: يا أبا مسلم، حُذفت الهمزة للتخفيف، وهو كنية سلمة بن الأكوع. قوله: (أَرَاكَ) أي أُبصِرك. قوله: (يَتَحَرَّى) أي يجتهد ويختار، وقال ابن بطَّال: لما كان رسول الله ﷺ يستتر بالعَنَزَة في الصحراء، كانت الأسطوانة أَولى بذلك؛ لأنَّها أشد سترةً منها. قوله: (يَتَحَرَّى الصَّلاة عِنْدَها) أي عند الأسطوانة المذكورة، ينبغي أن تكون الأسطوانة أمامه ولا تكون إلى جنبه؛ لئلَّا يتخلَّل الصُّفوف شيء، ولا تكون له سترة. ٥٠٣ - قوله: (حَدَّثَنا قَبِيْصَةُ) أي ابن عُقْبَة الكوفي، ترجمته في باب علامات المنافق، في كتاب الإيمان. قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) أي الثَّوْري، ترجمته في الباب أيضًا. قوله: (عَنْ عَمْرو بنِ عَامِرٍ) أي بالواو، الكوفي الأنصاري، وليس هو عَمْرو بن عامر البصري؛ فإنَّه سلمي، ولا والد أسدٍ فإنَّه بجليٌّ، ترجمته في باب الوضوء من غير حدث. قوله: (عَنْ أَنَسٍ) أي ابن مالك، ترجمته في باب من الإيمان. في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه أنَّ رواته كوفيُّون ما خلا أنس. قوله: (قَالَ: لَقَدْ أَدرَكْتُ كِبَارَ أَصحَابِ محمَّد ﵇ يَبتَدِرُونَ السَّوَارِيَ عِنْدَ المَغْرِبِ) هذا الأثر أخرجه البخاري هنا عن قبيصة، وعن بُنْدار عن غُندر عن شُعْبَة، وأخرجه النَّسائي فيه عن إِسْحاق بن إبراهيم عن أبي عامر عن سُفْيان عنه، وفي نسخة: <عَنْ شُعْبَةَ> بدل سُفْيان. قوله: (لَقَد أَدرَكْتُ) هذا رواية المُسْتَمْلي والحموي، وفي رواية غيرهما: <لَقَدْ رَأَيْتُ>. قوله: (كِبَارَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ) الكبار: جمع كبير، والأصحاب: جمع صاحب، مثل رَكب وراكب. قوله: (يَبتَدِرُوْنَ السَّوَارِيَ) يتسارعون إليها. قوله: (عِنْدَ المَغْرِبِ) أي عند أذان المغرب، وصرَّح بذلك الإسماعيلي من طريق ابن مهدي عن سفيان، ولمسلم من طريق عبد العزيز
1 / 10
بن صُهَيب عن أَنَس نحوه.
قوله: (وَزادَ شُعْبَةُ) أي ابن الحجَّاج، ترجمته في بابٍ يتلو باب أمور الإيمان.
قوله: (عَنْ عَمْرٍو) أي المذكور عن أنس: (حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ ﷺ، هذا التعليق وصله المصنِّف في كتاب الأذان من طريق غُندر عن شُعْبَة عن عَمْرو بن عامر الأنصاري، وزاد فيه أيضًا: (يُصَلُّوْنَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ المَغْرِبِ)، قال شيخنا: وسيأتي الكلام عليه هناك مع بقيَّة مباحثه وتعيين مَن وقفنا عليه من كبار الصحابة المشار إليهم فيه إن شاء الله تعالى.
قوله: (حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ ﷺ، ويُروى: <حِيْنَ يَخْرُجُ النَّبِيُّ ﷺ> قال العَيني: وسيأتي الكلامُ في حكم الصَّلاة قبل المغرب بعد الغروب في موضعه إن شاء الله تعالى.
(٩٦) (بابُ: الصَّلاة بَينَ السَّواري في غَيرِ جَماعَةٍ) أي هذا باب في بيان حكم الصَّلاة بين السواري، أي الأساطين والأعمدة.
(فِي غَيْرِ جَمَاعَةٍ) يعني: إذا كان منفردًا لا بأس بالصلاة بين الساريتين إذا لم يكن في جماعة، وقُيِّد بغير جماعة؛ لأنَّ ذاك يقطع الصُّفوف، وتسوية الصُّفوف في الجماعة مطلوبة. قال شيخنا: وقال الرَّافعي في «شرح المسند»: أخرج البخاري بهذا الحديث -أي حديث ابن عُمَر- عن بلال على أنَّه لا بأسَ بالصَّلاة بين السَّاريتين إذا لم يكن في جماعة. وأشار إلى أنَّ الأولى للمنفرد أن يصلِّي إلى السَّارية، ومع هذه الأولويَّة فلا كراهة في الوقوف بينهما، وأمَّا في الجماعة فالوقوف بين السَّاريتين كالصَّلاة إلى السَّارية. انتهى كلامه. قال شيخنا: وفيه نظر؛ لورود النَّهي الخاصِّ بين السَّواري كما رواه الحاكم من حديث أَنَس بإسناد صحيح، وهو في السُّنن الثلاثة، وحسَّنه التَّرْمِذيُّ، قال المحبُّ الطَّبَري: كره قومٌ الصفَّ بين السَّواري؛ للنَّهي الوارد عن ذلك، ومحلُّ الكراهة: عند عدم الصَّفِّ، والحكم فيه إما لانقطاع الصَّفِّ، أو لأنَّه موضع النِّعال. انتهى. وقال القُرْطُبي: روي في سبب كراهة ذلك: أنَّه مُصلَّى الجنِّ المؤمنين.
قوله: (حَدَّثَنَا مُوسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ) أي أبو سَلَمَة المِنقَري البصري المدني التَّبوذَكي، ترجمته في بدء الوحي.
٥٠٤ - قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ) أي -بضمِّ الجيم مُصَغَّر الجارية- ابن أسماء الضَّبعي البصري، ترجمته في باب: الجنب يتوضَّأ ثمَّ ينام.
قوله: (عَنْ نَافِعٍ) أي مولى ابن عُمَر، ترجمته في باب العلم والفتيا في المسجد.
قوله: (عَنِ ابنِ عُمَر ﵄ أي عبد الله، ترجمته في كتاب الإيمان.
في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه القول، وفيه أنَّ نصف الرُّواة بصري والنِّصف مدني، وفيه من الغريب: أنَّ جُوَيرية أصلها للمؤنَّث، ثمَّ اشترك فيها الرجال والنَّساء، وكذلك اسم أبيه بهذه الحالة، يعني أسماء.
قوله: (قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ البَيْتَ وَأُسَامَةُ بنُ زَيدٍ، وَعُثمَانُ بنُ طَلحَةَ، وَبِلَالٌ، ﵃، فَأَطَالَ ثمَّ خَرَجَ، وَكُنْتُ أوَّل النَّاس دَخَلَ عَلَى أَثَرِهِ، فَسَأَلْتُ بِلَالًا: أَينَ صَلَّى؟ فَقَالَ: بَيْنَ العَمُودَينِ المُقَدَّمَيْنِ) قد ذكرنا في باب الأبواب والغلق للكعبة والمساجد تعدُّدَ موضع هذا الحديث ومَن أخرجَه، وذكرنا أيضًا أكثر ما يتعلَّق به من المعنى وغيره.
قوله: (وَكُنْتُ أوَّل النَّاسِ) كذا في رواية الأَصِيلي وابن عساكر، وفي رواية
أبي ذرٍّ وكريمة: <كُنْتُ> بلا واو، وهذه الجملة مقول ابن عُمَر، قال شيخنا: في رواية الأَصِيلي وابن عساكر: <وَكُنْتُ> بزيادة واو في أوَّله، وهي أشبه، ورواه الإسماعيلي من هذا الوجه، فقال بعد قوله: «ثُمَّ خَرَجَ ودَخَلَ عَبْدُ اللهِ عَلَى أَثَرِهِ أوَّل النَّاسِ». قوله: (دَخَلَ) جملة حاليَّة، وكلمة (قَدْ) مقدَّرة. قوله: (عَلَى أَثَرِهِ) بفتح الهمزة، وبالثاء المثلثة، ويروى بكسر الهمزة وسكون الثاء. قوله: (بَينَ العَمُوْدَيْنِ المُقَدَمَيْنِ) وفي رواية الكُشْمِيهَني: <المُتَقَدِّمَتَيْنِ>. ٥٠٥ - قوله: (حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ) أي التِّنِّيسي. قوله: (قَالَ: أَخْبَرَنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ) ترجمتهما في بدء الوحي. قوله: (عَنْ نَافِعٍ) أي المذكور في السند المتقدِّم. قوله: (عَنِ ابنِ عُمَرَ) أي عبد الله المذكور أيضًا. في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضع، وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع، وفيه العنعنة في موضعين. قوله: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ دَخَلَ الكَعبَةَ وَأُسامَةُ بنُ زَيدٍ، وَبِلالٌ، وَعُثمَانُ بنُ طَلحَةَ الحَجَبِيُّ، فَأَغلَقَهَا عَلَيهِ وَمَكَثَ فِيها، فَسَأَلْتُ بِلَالًا حِيْنَ خَرَجَ: ما صَنَعَ النَّبِيُّ ﷺ؟ قَالَ: جَعَلَ عَمُوْدًا عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُوْدًا عَنْ يَمِينِهِ، وَثَلاثَةَ أَعمِدَةٍ وَرَاءَهُ، وَكَانَ البَيْتُ يَومَئِذٍ عَلى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ، ثمَّ صَلَّى). قوله: (وَقالَ لَنَا إِسْمَاعِيْلُ) أي ابنُ أَبي أُوَيسٍ، ترجمته في باب تفاضل أهل الإيمان. قوله: (حَدَّثَنِي مَالِكٌ فَقالَ: عَمُودَينِ عَنْ يَمينِهِ) مطابقته للترجمة في قوله: (جَعَلَ عَمُوْدًا...) إلى آخره. قوله: (وَأُسَامَةَ) بالنَّصب عطفًا على رسول الله ﷺ، ويجوز رفعه عطفًا على فاعل (دَخَلَ). قوله: (الحَجَبِيُّ) بفتح الحاء المهملة، ثمَّ بالجيم والباء الموحَّدة المكسورة. قوله: (فَأَغَلَقَهَا) أي أغلق عُثْمان الكعبة، أي بابها. فإن قلت: في رواية مالك إشكال؛ لأنَّه قال: (جَعَلَ عَمُوْدًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُوْدًا عَنْ يَمِيْنِهِ) وهذان اثنان، ثمَّ قال: (وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ) فيكون الجملة خمسة، ثمَّ قال: (وَكَانَ البَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ) أجاب الكِرْماني عنه: بأنَّ لفظ العمود جنس يحتمل الواحد والاثنين، فهو مجمل بيَّنه مالك في رواية إسماعيل بن أبي أويس عنه، وهي قوله: «وقَالَ لنَا إِسْمَاعِيْلُ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ» فقال: عمودين عن يمينه، فحينئذ تكون الأعمدة ستة. وقال خلف: لم أجده من حديث إسماعيل، وقد اختُلِفَ عن مالك في لفظه، فرواه مسلم: «عمودَينِ عَنْ يسارِهِ، وعمودًا عَنْ يمينِهِ» عكس رواية إسماعيل، وفي رواية البخاري: (عَمُوْدًا عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُوْدًا عَنْ يَمِيْنِهِ) قال البَيْهَقي: وهو الصحيح، وفي رواية: «جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يمينِهِ، وعمودينِ عَنْ يسارِهِ» عكس ما سبق. وقد ذكر الدَّارَقُطْني الاختلاف عن مالك فيه، فوافق الجمهور عبد الله بن يوسف في قوله: «عَمُوْدًا عَنْ يمينِهِ» ووافق إسماعيل في قوله: «عَمُودَيْنِ عَنْ يمينِهِ» ابن القاسم والقَعنَبي وأبو مُصْعب ومحمَّد بن الحسن وأبو حُذَافة، وكذلك الشَّافعي وابن مهدي في إحدى الروايتين عنهما، وأجاب قوم عنه
أبي ذرٍّ وكريمة: <كُنْتُ> بلا واو، وهذه الجملة مقول ابن عُمَر، قال شيخنا: في رواية الأَصِيلي وابن عساكر: <وَكُنْتُ> بزيادة واو في أوَّله، وهي أشبه، ورواه الإسماعيلي من هذا الوجه، فقال بعد قوله: «ثُمَّ خَرَجَ ودَخَلَ عَبْدُ اللهِ عَلَى أَثَرِهِ أوَّل النَّاسِ». قوله: (دَخَلَ) جملة حاليَّة، وكلمة (قَدْ) مقدَّرة. قوله: (عَلَى أَثَرِهِ) بفتح الهمزة، وبالثاء المثلثة، ويروى بكسر الهمزة وسكون الثاء. قوله: (بَينَ العَمُوْدَيْنِ المُقَدَمَيْنِ) وفي رواية الكُشْمِيهَني: <المُتَقَدِّمَتَيْنِ>. ٥٠٥ - قوله: (حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ) أي التِّنِّيسي. قوله: (قَالَ: أَخْبَرَنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ) ترجمتهما في بدء الوحي. قوله: (عَنْ نَافِعٍ) أي المذكور في السند المتقدِّم. قوله: (عَنِ ابنِ عُمَرَ) أي عبد الله المذكور أيضًا. في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضع، وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع، وفيه العنعنة في موضعين. قوله: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ دَخَلَ الكَعبَةَ وَأُسامَةُ بنُ زَيدٍ، وَبِلالٌ، وَعُثمَانُ بنُ طَلحَةَ الحَجَبِيُّ، فَأَغلَقَهَا عَلَيهِ وَمَكَثَ فِيها، فَسَأَلْتُ بِلَالًا حِيْنَ خَرَجَ: ما صَنَعَ النَّبِيُّ ﷺ؟ قَالَ: جَعَلَ عَمُوْدًا عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُوْدًا عَنْ يَمِينِهِ، وَثَلاثَةَ أَعمِدَةٍ وَرَاءَهُ، وَكَانَ البَيْتُ يَومَئِذٍ عَلى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ، ثمَّ صَلَّى). قوله: (وَقالَ لَنَا إِسْمَاعِيْلُ) أي ابنُ أَبي أُوَيسٍ، ترجمته في باب تفاضل أهل الإيمان. قوله: (حَدَّثَنِي مَالِكٌ فَقالَ: عَمُودَينِ عَنْ يَمينِهِ) مطابقته للترجمة في قوله: (جَعَلَ عَمُوْدًا...) إلى آخره. قوله: (وَأُسَامَةَ) بالنَّصب عطفًا على رسول الله ﷺ، ويجوز رفعه عطفًا على فاعل (دَخَلَ). قوله: (الحَجَبِيُّ) بفتح الحاء المهملة، ثمَّ بالجيم والباء الموحَّدة المكسورة. قوله: (فَأَغَلَقَهَا) أي أغلق عُثْمان الكعبة، أي بابها. فإن قلت: في رواية مالك إشكال؛ لأنَّه قال: (جَعَلَ عَمُوْدًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُوْدًا عَنْ يَمِيْنِهِ) وهذان اثنان، ثمَّ قال: (وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ) فيكون الجملة خمسة، ثمَّ قال: (وَكَانَ البَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ) أجاب الكِرْماني عنه: بأنَّ لفظ العمود جنس يحتمل الواحد والاثنين، فهو مجمل بيَّنه مالك في رواية إسماعيل بن أبي أويس عنه، وهي قوله: «وقَالَ لنَا إِسْمَاعِيْلُ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ» فقال: عمودين عن يمينه، فحينئذ تكون الأعمدة ستة. وقال خلف: لم أجده من حديث إسماعيل، وقد اختُلِفَ عن مالك في لفظه، فرواه مسلم: «عمودَينِ عَنْ يسارِهِ، وعمودًا عَنْ يمينِهِ» عكس رواية إسماعيل، وفي رواية البخاري: (عَمُوْدًا عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُوْدًا عَنْ يَمِيْنِهِ) قال البَيْهَقي: وهو الصحيح، وفي رواية: «جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يمينِهِ، وعمودينِ عَنْ يسارِهِ» عكس ما سبق. وقد ذكر الدَّارَقُطْني الاختلاف عن مالك فيه، فوافق الجمهور عبد الله بن يوسف في قوله: «عَمُوْدًا عَنْ يمينِهِ» ووافق إسماعيل في قوله: «عَمُودَيْنِ عَنْ يمينِهِ» ابن القاسم والقَعنَبي وأبو مُصْعب ومحمَّد بن الحسن وأبو حُذَافة، وكذلك الشَّافعي وابن مهدي في إحدى الروايتين عنهما، وأجاب قوم عنه
1 / 11
باحتمال تعدُّد الواقعة.
وروى عُثْمان بن عُمَر عن مالك: «جَعَلَ عَمُوَدَيْنِ عَنْ يمينِهِ، وعَمُوَدَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ» فعلى هذا تكون الأعمدة سبعة، ويردُّها قولُه: (وكانَ البيتُ يومئذٍ على سبعةِ أعمدةٍ) بعد قوله: (وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ)، وعن هذا قال الدَّارَقُطْني: لم يتابَع عُثْمان بن عُمَر على ذلك. وأجاب الكِرْماني بجوابين آخرين:
الأوَّل: هو أنَّ الأعمدة الثلاثة المقدَّمة ما كانت على سمت واحد، بل عمودان مسامتان، والثالث على غير سمتهما، ولفظ: «المُقَدَّمَيْنِ» في الحديث السَّابق يشعر به، فيعرض للعمودين المسامتين، وسكت عن ثالثهما. قال شيخنا: ويؤيِّده رواية مجاهد عن ابن عُمَر الَّتي تقدَّمت في باب: ﴿واتَخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيْمَ مُصَلَّى﴾ [البقرة: ١٢٥]، فإنَّ فيها بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتين عَنْ يَسَارِ الدَّاخِلِ، وهو صريح في أنَّه كان هناك عمودان على اليسار، وإنَّه صلَّى بينهما، فيحتمل أنَّه كان ثمَّ عمود آخر عن اليمين، لكنَّه بعيد أو على غير سمت العمودين، فيصحُّ قول من قال: جَعَلَ عَنْ يَمِيْنِهِ عَمُودَين، وقولُ من قال: جَعَلَ عمودًا عن يمينِه.
الثَّاني من الجوابين: أن تكون الثلاثة على سمت واحد، وقام رسول الله ﷺ عند الوسطاني، فمن قال: جعل عمودًا عن يمينه وعمودًا عن يساره، لم يعتبر الذي صلَّى إلى جنبه، ومن قال: عمودين، اعتبره.
قال شيخنا: ثمَّ وجدت الكِرْماني مسبوقًا بهذا الاحتمال، وأبعدُ منه قول من قال: انتقل في الركعتين من مكان إلى مكان، ولا تبطل الصَّلاة بذلك لقلَّته. ويمكن الجمع بين الروايتين: بأنه حيث ثَنَّى أشار إلى ما كان عليه البيت في زمن النَّبِيِّ ﷺ، وحيث أفرد أشار إلى ما صار إليه بعد ذلك، ويرشد إلى ذلك قوله: (وَكَانَ البَيْتُ يُوْمَئِذٍ) لأنَّ فيه إشعارًا بأنَّه يُعَبِّرُ عن هيئته الأولى. انتهى.
قوله: (وَقَالَ لَنَا إِسْمَاعِيْلُ) وهو المذكور، وهو ابن أخت مالك بن أَنَس، وهذا موصول بواسطة.
قوله: (وَقالَ لَنَا) وهي رواية كريمة، وفي رواية أبي ذرٍّ والأَصِيلي: <وقَالَ إِسْمَاعِيْلُ> بدون لفظ (لَنَا) ورواية: (قَالَ لَنَا) أحطُّ درجة من (حَدَّثَنا).
قوله: (حَدَّثَني مَالِكٌ) يعني: بهذا الحديث.
(٩٧) (بَابٌ) أي هذا بابٌ، فإذا لم يقدر شيئًا لا يكون معرَبًا؛ لأنَّ الإعراب يكون بالعقد والتركيب، وكذا وَقَعَ لفظ (باب) بلا ترجمة في رواية الأكثرين، وليس لفظ (باب) في رواية الأَصِيلي، وعلى قول الأكثرين: هو كالفصل من الباب الذي قبله، وإنما فصل لأنَّه ليس فيه تصريح بكون الصَّلاة وقعت بين السواري، لكن فيه زيادةٌ، وهي مقدار ما كان بينه وبين الجدار من المسافة.
٥٠٦ - قوله: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ المُنْذِرِ) أي أبو إِسْحاق الحِزامي المديني، ترجمته في باب من سُئِلَ علمًا وهو مشتغلٌ.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ) -أي بفتح الضَّاد المعجمة، وسكون الميم، وبالرَّاء- واسمه: أَنَس بن عياض، مرَّ في بابِ التبرُّز في البيوت.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ) أي ابن أبي عيَّاش المديني، مات سنة إحدى وأربعين ومئة، تقدَّم في باب إسباغ الوضوء.
قوله: (عَنْ نَافِعٍ) أي
مولى ابن عمر، ترجمته في بابِ العلم والفتيا في المسجد. قوله: (أَنَّ عَبْدَ اللهِ) أي ابن عُمَر ﵄، ترجمته في كتاب الإيمان. في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في ثلاث مواضع، وفيه العنعنة في موضع واحد، وفيه أنَّ شيخ البخاري من أفراده. قوله: (كَانَ إِذا دَخَلَ الكَعبَةَ مَشَى قِبَلَ وَجهِهِ حِينَ يَدخُلُ جَعَلَ البابَ قِبَلَ ظَهرِهِ، فَمَشَى حتَّى يَكُونَ بَينَهُ وَبَينَ الِجدارِ الَّذِيِ قِبَلَ وَجهِهِ قَريبًا مِن ثَلاثَةِ أَذرُعٍ صلَّى يَتَوَخَّى المكَانَ الَّذِي أَخبَرَهُ بِهِ بِلالٌ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى فِيْهِ، قَالَ: وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَأسٌ إِنْ صَلَّى فِي أَيِّ نَواحِي البَيتِ شَيئًا). مطابقته للترجمة بطريق الاستلزام، وهو أنَّ الموضع المذكور من كونه مقابلًا للباب قريبًا من الجدار يستلزم كون صلاته بين السَّواري. قوله: (قِبَلَ وَجْهِهِ) -بكسر القاف وفتح الباء الموحَّدة- أي مقابل وجهه، وكذلك الكلام في (قِبَلَ ظَهْرِهِ) وفي (قِبَلَ وَجهِهِ) الذي بعده. قوله: (قَرِيْبًا) كذا وَقَعَ بالنصب، ويروى بالرَّفع، وهو الأصل؛ لأنَّه اسم كان، ووجه النَّصب أن يكون اسمه محذوفًا، والتقدير: يكون القدر أو المكان قريبًا من ثلاثة أذرع، ولفظة: (ثَلاثَةِ) بالتأنيث في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذرٍّ: <مِنْ ثَلَاثِ أَذْرُعٍ> بلا تاء، فإن قلت: الذِّراع مذكَّر، فما وجه ترك التَّاء؟ قال العَيني: أجاب بعضهم: أنَّ الذِّراع يُذكَّر ويُؤنَّث، وليس كذلك على الإطلاق بل الذِّراع الذي يذرع به يذكر وذراع اليد يُذكَّر ويُؤنَّث، وههنا شبَّهه بذراع اليد. قوله: (صَلَّى) جملة استئنافيَّة. قوله: (يَتَوَخَّى) أي يتحرَّى (^١)، يقال: توخَّيت مرضاتِك، أي تحرَّيت وقصدتُ. قوله: (قَالَ) أي ابن عُمَر ﵄. قوله: (إِنْ صَلَّى) بكسر الهمزة، و(صَلَّى) بلفظ الماضي، وفي رواية الكُشْمِيهَني: <أَنْ يُصَلِّي> بفتح الهمزة ولفظِ المضارع، والتقدير: ولا بأس مِن أن يصلِّي، وحذفُ حرفِ الجرِّ سائغٌ. قال شيخنا: ومراد ابن عُمَر: إنَّه لا يشترط في صحَّة الصَّلاة في البيت موافقةُ المكان الذي فيه النَّبِيُّ ﷺ، بل موافقة ذلك أولى وإن كان يحصل الغرض بغيره. انتهى. فيه جواز الصَّلاة في نفس البيت، وفيه الدُّنو من السترة، وقد أمر الشَّارع بالدُّنوِّ منها؛ لئلَّا يتخلَّل الشَّيطان ذلك. وفيه أنَّ السترة بين المصلِّي والقبلة ثلاثة أذرع، وادعى ابن بطَّال: أنَّ الذي واظب عليه الشَّارع في مقدار ذلك (ممُرُّ الشَّاةِ) كما جاء في الآثار. وفيه إنَّه لا يشترط، وقد ذكرنا: أنَّ الحديث لا يدلُّ صريحًا على الصَّلاة بين السَّواري، وإنَّما دلالته على ذلك بطريق الاستلزام، وقد بيَّناه. وقد اختلف السَّلف في الصَّلاة بين السَّواري: فكرهه أَنَس بن مالك؛ لورود النَّهي بذلك، رواه الحاكم وصحَّحه، وقال ابن مسعود: لا تصفُّوا بين الأساطين وأتمُّوا الصُّفوف. وأجازه الحسن وابن سيرين، وكان سعيد بن جُبَير وإبراهيمُ التَّيمي وسُوَيد بن غَفَلَة يؤمُّون قومَهم بين الأساطين، وهو قول الكوفيين. وقال مالك في «المدونة»: لا بأس بالصَّلاة بينها لضيق المسجد. وقال ابن حبيب: ليس النَّهي عن تقطيع الصُّفوف إذا ضاق المسجد، وإنما نُهي عنه _________ (^١) في المخطوط: «يتحرك» والصَّواب ما أثبت.
مولى ابن عمر، ترجمته في بابِ العلم والفتيا في المسجد. قوله: (أَنَّ عَبْدَ اللهِ) أي ابن عُمَر ﵄، ترجمته في كتاب الإيمان. في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في ثلاث مواضع، وفيه العنعنة في موضع واحد، وفيه أنَّ شيخ البخاري من أفراده. قوله: (كَانَ إِذا دَخَلَ الكَعبَةَ مَشَى قِبَلَ وَجهِهِ حِينَ يَدخُلُ جَعَلَ البابَ قِبَلَ ظَهرِهِ، فَمَشَى حتَّى يَكُونَ بَينَهُ وَبَينَ الِجدارِ الَّذِيِ قِبَلَ وَجهِهِ قَريبًا مِن ثَلاثَةِ أَذرُعٍ صلَّى يَتَوَخَّى المكَانَ الَّذِي أَخبَرَهُ بِهِ بِلالٌ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى فِيْهِ، قَالَ: وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَأسٌ إِنْ صَلَّى فِي أَيِّ نَواحِي البَيتِ شَيئًا). مطابقته للترجمة بطريق الاستلزام، وهو أنَّ الموضع المذكور من كونه مقابلًا للباب قريبًا من الجدار يستلزم كون صلاته بين السَّواري. قوله: (قِبَلَ وَجْهِهِ) -بكسر القاف وفتح الباء الموحَّدة- أي مقابل وجهه، وكذلك الكلام في (قِبَلَ ظَهْرِهِ) وفي (قِبَلَ وَجهِهِ) الذي بعده. قوله: (قَرِيْبًا) كذا وَقَعَ بالنصب، ويروى بالرَّفع، وهو الأصل؛ لأنَّه اسم كان، ووجه النَّصب أن يكون اسمه محذوفًا، والتقدير: يكون القدر أو المكان قريبًا من ثلاثة أذرع، ولفظة: (ثَلاثَةِ) بالتأنيث في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذرٍّ: <مِنْ ثَلَاثِ أَذْرُعٍ> بلا تاء، فإن قلت: الذِّراع مذكَّر، فما وجه ترك التَّاء؟ قال العَيني: أجاب بعضهم: أنَّ الذِّراع يُذكَّر ويُؤنَّث، وليس كذلك على الإطلاق بل الذِّراع الذي يذرع به يذكر وذراع اليد يُذكَّر ويُؤنَّث، وههنا شبَّهه بذراع اليد. قوله: (صَلَّى) جملة استئنافيَّة. قوله: (يَتَوَخَّى) أي يتحرَّى (^١)، يقال: توخَّيت مرضاتِك، أي تحرَّيت وقصدتُ. قوله: (قَالَ) أي ابن عُمَر ﵄. قوله: (إِنْ صَلَّى) بكسر الهمزة، و(صَلَّى) بلفظ الماضي، وفي رواية الكُشْمِيهَني: <أَنْ يُصَلِّي> بفتح الهمزة ولفظِ المضارع، والتقدير: ولا بأس مِن أن يصلِّي، وحذفُ حرفِ الجرِّ سائغٌ. قال شيخنا: ومراد ابن عُمَر: إنَّه لا يشترط في صحَّة الصَّلاة في البيت موافقةُ المكان الذي فيه النَّبِيُّ ﷺ، بل موافقة ذلك أولى وإن كان يحصل الغرض بغيره. انتهى. فيه جواز الصَّلاة في نفس البيت، وفيه الدُّنو من السترة، وقد أمر الشَّارع بالدُّنوِّ منها؛ لئلَّا يتخلَّل الشَّيطان ذلك. وفيه أنَّ السترة بين المصلِّي والقبلة ثلاثة أذرع، وادعى ابن بطَّال: أنَّ الذي واظب عليه الشَّارع في مقدار ذلك (ممُرُّ الشَّاةِ) كما جاء في الآثار. وفيه إنَّه لا يشترط، وقد ذكرنا: أنَّ الحديث لا يدلُّ صريحًا على الصَّلاة بين السَّواري، وإنَّما دلالته على ذلك بطريق الاستلزام، وقد بيَّناه. وقد اختلف السَّلف في الصَّلاة بين السَّواري: فكرهه أَنَس بن مالك؛ لورود النَّهي بذلك، رواه الحاكم وصحَّحه، وقال ابن مسعود: لا تصفُّوا بين الأساطين وأتمُّوا الصُّفوف. وأجازه الحسن وابن سيرين، وكان سعيد بن جُبَير وإبراهيمُ التَّيمي وسُوَيد بن غَفَلَة يؤمُّون قومَهم بين الأساطين، وهو قول الكوفيين. وقال مالك في «المدونة»: لا بأس بالصَّلاة بينها لضيق المسجد. وقال ابن حبيب: ليس النَّهي عن تقطيع الصُّفوف إذا ضاق المسجد، وإنما نُهي عنه _________ (^١) في المخطوط: «يتحرك» والصَّواب ما أثبت.
1 / 12
إذا كان المسجد واسعًا. وقال القُرْطُبي: وسبب الكراهة بين الأساطين: إنَّه رُوي: إنَّه مُصلَّى الجنّ المؤمنين.
(٩٨) (بَابُ الصَّلاة إِلى الرَّاحِلَةِ وَالبَعِيرِ وَالشَّجَرِ وَالرَّحْلِ) أي هذا بابٌ في بيان حكم الصَّلاة بالتوجُّه إلى الراحلة... إلى آخره، والراحلة: الناقة الَّتي يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة وتمام الخلق وحسن المنظر، فإذا كانت في جماعة الإبل عُرِّفت، والهاء فيه للمبالغة كما يقال: رجل داهية وراوية، وقيل: إنَّما سُمِّيت راحلة؛ لأنَّها ترحل، كما قال الله تعالى: ﴿في عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٢١] أي مرضيَّة، والبعير من الإبل بمنزلة الإنسان من النَّاس، يقال للجمل: بعير، وللناقة: بعير، وبنو تميم يقولون: بِعير وشِعير بكسر الباء والشين، والفتح هو الفصيح، وإنما يقال له: بعيرٌ إذا أجذع، أي دخل في السنة الخامسة، والجمع: أَبعِرةٌ في أدنى العدد، وأَباعِرُ في الكثير، وأَباعِير وبعران، وهذه عن الفرَّاء.
فإن قلت: إذا أُطلق البعير على الناقةِ والراحلةُ هي الناقة، فما فائدة ذكر البعير؟ قال العَيني: ذهب بعضهم إلى أنَّ الرَّاحلة لا تقع إلَّا على الأنثى، ولأجل ذلك أردفه بالبعير؛ فإنَّه يقع عليهما.
قوله: (وَالشَّجَرُ) هو المعروف، وفي حديث علي ﵁ قال: «لقدْ رأيتُنا يومَ بدرٍ وما فينا إنسانٌ إلَّا نائمٌ، إلَّا رسولَ اللهِ ﷺ، فإنَّهُ كَانَ يصلِّي إلى شجرةٍ يدعو حتَّى أصبحَ» رواه النَّسائي بإسناد حسن.
قوله: (وَالرَّحْلُ) -بفتح الرَّاء وسكون الحاء المهملة- وهو للبعير أصغر من القتب، وهو الذي يُركَب عليه، وهو الكُور -بضمِّ الكاف-.
فإن قلت: حديث الباب لا يدلُّ على الصَّلاة إلى البعير والشَّجر؟ قال العَيني: كأنَّه وضع الترجمة على أنَّه يأتي لكلِّ جزء منها بحديث، فلم يجد على شرطه إلَّا حديث الباب، وهو يدلُّ على الصَّلاة إلى الرَّاحلة والرَّحل، واكتفى به عن بقيَّة ذلك بالقياس على الرَّاحلة، وقد روى غيره في الصَّلاة إلى البعير والشَّجر.
أمَّا الصَّلاة إلى البعير فرواه أبو داود عن عُثْمان بن أبي شَيْبَة ووهبِ بن منبِّه وعبدِ الله بن سعيد، قال عثمانُ: أخبرنا أبو خالد قال: أخبرنا عُبَيْد الله عن نافع عن ابن عُمَر: «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ يصلِّي إلى بعيرِه»، وأمَّا الصَّلاة إلى الشَّجر فقد ذكرناه الآن من حديث علي ﵁ في النَّسائي.
قال شيخنا: المذكور في حديث الباب الرَّاحلةُ والرَّحل، وكأنَّه ألحق البعير بالرَّاحلة للمعنى الجامع بينهما، ويحتمل أن يكون أشار إلى ما ورد في بعض طرقه، فقد رواه أبو خالد الأحمر عن عبد الله بن عُمَر عن نافع بلفظ: «كانَ يصلِّي إلى بعيرِه». انتهى. فإن كان هذا حديثًا آخر حصل المقصود، وإن كان مختصرًا من الأوَّل كأن يكون المرادُ: يصلِّي إلى مؤخِّرة رحل بعيره، اتَّجه الاحتمال الأوَّل، ويؤيِّد الاحتمال الثاني: ما أخرجه عبد الرزَّاق: أنَّ ابن عُمَر كان يكره أن يصلِّي إلى بعير إلَّا وعليه رَحل، ذكره بعدُ. وأَلحق بالشجر الرحل بطريق الأولويَّة، ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى حديث علي، أي المتقدِّم. انتهى.
٥٠٧ - قوله: (حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ أَبي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ البَصْرِيُّ) ترجمته في باب المساجد الَّتي على طرق المدينة.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ بنُ سُلَيْمَانَ) ترجمته في باب مَنْ خصَّ بالعلم قومًا.
قوله: (عَنْ عُبَيدِ اللهِ عَنْ نافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ) تقدَّم التنبيه عليهم في السند السابق. في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، والعنعنة في ثلاث مواضع. قوله: (عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أنَّه كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إِلَيهَا، قُلْتُ: أَفرَأَيتَ إِذا هَبَّتِ الرِّكَابُ؟ قَالَ: كَانَ يَأخُذُ الرَّحْلَ فَيُعَدِّلَهُ لِيُصَلِّيَ إِلى آخِرَتِهِ، أَوْ قَالَ: مُؤَخِّرَتِهِ، وَكَانَ ابنُ عُمَر يَفعَلُهُ). مطابقته للترجمة في قوله: (يُعَرِّضُ (^١) رَاحِلَتَه فَيُصَلِّي إِلَيْهَا) وفي قوله: (كَانَ يَأْخُذُ الرَّحْلَ...) إلى آخره، وأمَّا ذكر البعير والشَّجر في الترجمة فقد ذكرنا وجهه آنفًا. والحديث أخرجه مسلم أيضًا في الصَّلاة عن أحمد بن حنبل ولفظه: «آخِرَةَ الرَّحْلِ»، وأخرجه أيضًا من حديث أبي ذرٍّ وأبي هريرة، وأخرج النَّسائي من حديث عائشة: «سُئِلَ رسولُ اللهِ ﷺ في غزوة تبوك عن سُترة المصلِّي فقال: مِثلُ مُؤخِّرة الرَّحْلِ». قوله: (يُعَرِّضُ) -بتشديد الرَّاء- من التعريض، أي يجعلها عرضًا. قوله: (قُلْتُ: أَفَرَأَيْتَ) هكذا هو في روايتنا وشرح شيخنا لكن وَقَعَ في خطِّ العيني: «أَفَرَأَيْتَ» بدون قول الرَّاوي، قلت: وهو قال: «فيُصَلِّي إليها، أَفَرَأَيْتَ» ثمَّ قال: الفاء عاطفة على مقدَّر بعد الهمزة، أي أرأيت في تلك الحالة، فرأيت في هذه الحالة الأخرى، والمعنى: أخبرني عن هذه، وفي بعض النُّسخ: «أَرَأَيْتَ» بدون الفاء. فإن قلت: من السَّائل هنا ومن المسؤولُ؟ أُجيبَ: الذي يدلُّ عليه الظَّاهر إنَّه كلام نافع وهو السَّائل، والمسؤول عنه هو ابن عُمَر، ولكن وَقَعَ في رواية الإسماعيلي من طريق عُبَيْدَة بن حُمَيْد عن عُبَيْد الله بن عُمَر: إنَّه كلام عُبَيْد الله، والمسؤول نافع، فعلى هذا يكون هذا مرسلًا؛ لأنَّ فاعل (يَأْخُذُ) هو النَّبِيُّ ﷺ، ولم يدركه نافع. قوله: (إِذَا هَبَّتِ الرِّكَابُ) هَبَّت بمعنى: هاجت وتحرَّكت، يقال: هَبَّ الفَحل إذا هاج وتحرَّك، وَهْب البعير في السير إذا نشط، وقال ابن بطَّال: هَبَّت، أي زالت عن موضعها وتحرَّكت، يقال: هَبَّ النَّائم من نومه إذا قام. وقيَّده الأَصِيلي بضمِّ الهاء، قال العَيني: والفتح أصوب. والرِّكَابُ -بكسر الرَّاء وتخفيف الكاف- الإبل الَّتي يُسار عليها، والواحدة الراحلة، ولا واحد لها من لفظها، والجمع: الرُّكُبُ مثل الكتب. قوله: (فَيُعَدِّلُهُ) من التعديل: وهو تقويم الشيء، يقال: عدَّلته فاعتدل، أي قوَّمته فاستقام، والمعنى: يقيمه تلقاء وجهه؛ لأنَّ الإبل إذا هاجت شوَّشت على المصلِّي لعدم استقرارها، فحينئذ كان ﵇ يعدل عنها إلى الرحل فيجعله سترة. قال شيخنا: (فَيَعْدِلُهُ) بفتح أوَّله وسكون العين وكسر الدال، أي يقيمه تلقاء وجهه، ويجوز التشديد. قال العَيني: الصَّواب ما ذكرناه؛ لأنَّه من باب فَعَّل بالتشديد، لكنَّه يأتي بمعنى فَعَل بالتخفيف، كما يقال: زِلْتُه وزَيَّلتُه، وكلاهما بمعنى: فَرَّقْتُه. قوله: (إِلى آخِرَتِهِ) بفتح الهمزة والخاء والراء بلا مد، أي يصلِّي إلى آخرةِ الرحل، ويجوز المدُّ في الهمزة ولكن بكسر الخاء، وهي الخشبة الَّتي يستند إليها الراكب. قوله: _________ (^١) في المخطوط: «فيعرض» والمثبت هو الموافق لما في الحديث.
قوله: (عَنْ عُبَيدِ اللهِ عَنْ نافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ) تقدَّم التنبيه عليهم في السند السابق. في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، والعنعنة في ثلاث مواضع. قوله: (عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أنَّه كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إِلَيهَا، قُلْتُ: أَفرَأَيتَ إِذا هَبَّتِ الرِّكَابُ؟ قَالَ: كَانَ يَأخُذُ الرَّحْلَ فَيُعَدِّلَهُ لِيُصَلِّيَ إِلى آخِرَتِهِ، أَوْ قَالَ: مُؤَخِّرَتِهِ، وَكَانَ ابنُ عُمَر يَفعَلُهُ). مطابقته للترجمة في قوله: (يُعَرِّضُ (^١) رَاحِلَتَه فَيُصَلِّي إِلَيْهَا) وفي قوله: (كَانَ يَأْخُذُ الرَّحْلَ...) إلى آخره، وأمَّا ذكر البعير والشَّجر في الترجمة فقد ذكرنا وجهه آنفًا. والحديث أخرجه مسلم أيضًا في الصَّلاة عن أحمد بن حنبل ولفظه: «آخِرَةَ الرَّحْلِ»، وأخرجه أيضًا من حديث أبي ذرٍّ وأبي هريرة، وأخرج النَّسائي من حديث عائشة: «سُئِلَ رسولُ اللهِ ﷺ في غزوة تبوك عن سُترة المصلِّي فقال: مِثلُ مُؤخِّرة الرَّحْلِ». قوله: (يُعَرِّضُ) -بتشديد الرَّاء- من التعريض، أي يجعلها عرضًا. قوله: (قُلْتُ: أَفَرَأَيْتَ) هكذا هو في روايتنا وشرح شيخنا لكن وَقَعَ في خطِّ العيني: «أَفَرَأَيْتَ» بدون قول الرَّاوي، قلت: وهو قال: «فيُصَلِّي إليها، أَفَرَأَيْتَ» ثمَّ قال: الفاء عاطفة على مقدَّر بعد الهمزة، أي أرأيت في تلك الحالة، فرأيت في هذه الحالة الأخرى، والمعنى: أخبرني عن هذه، وفي بعض النُّسخ: «أَرَأَيْتَ» بدون الفاء. فإن قلت: من السَّائل هنا ومن المسؤولُ؟ أُجيبَ: الذي يدلُّ عليه الظَّاهر إنَّه كلام نافع وهو السَّائل، والمسؤول عنه هو ابن عُمَر، ولكن وَقَعَ في رواية الإسماعيلي من طريق عُبَيْدَة بن حُمَيْد عن عُبَيْد الله بن عُمَر: إنَّه كلام عُبَيْد الله، والمسؤول نافع، فعلى هذا يكون هذا مرسلًا؛ لأنَّ فاعل (يَأْخُذُ) هو النَّبِيُّ ﷺ، ولم يدركه نافع. قوله: (إِذَا هَبَّتِ الرِّكَابُ) هَبَّت بمعنى: هاجت وتحرَّكت، يقال: هَبَّ الفَحل إذا هاج وتحرَّك، وَهْب البعير في السير إذا نشط، وقال ابن بطَّال: هَبَّت، أي زالت عن موضعها وتحرَّكت، يقال: هَبَّ النَّائم من نومه إذا قام. وقيَّده الأَصِيلي بضمِّ الهاء، قال العَيني: والفتح أصوب. والرِّكَابُ -بكسر الرَّاء وتخفيف الكاف- الإبل الَّتي يُسار عليها، والواحدة الراحلة، ولا واحد لها من لفظها، والجمع: الرُّكُبُ مثل الكتب. قوله: (فَيُعَدِّلُهُ) من التعديل: وهو تقويم الشيء، يقال: عدَّلته فاعتدل، أي قوَّمته فاستقام، والمعنى: يقيمه تلقاء وجهه؛ لأنَّ الإبل إذا هاجت شوَّشت على المصلِّي لعدم استقرارها، فحينئذ كان ﵇ يعدل عنها إلى الرحل فيجعله سترة. قال شيخنا: (فَيَعْدِلُهُ) بفتح أوَّله وسكون العين وكسر الدال، أي يقيمه تلقاء وجهه، ويجوز التشديد. قال العَيني: الصَّواب ما ذكرناه؛ لأنَّه من باب فَعَّل بالتشديد، لكنَّه يأتي بمعنى فَعَل بالتخفيف، كما يقال: زِلْتُه وزَيَّلتُه، وكلاهما بمعنى: فَرَّقْتُه. قوله: (إِلى آخِرَتِهِ) بفتح الهمزة والخاء والراء بلا مد، أي يصلِّي إلى آخرةِ الرحل، ويجوز المدُّ في الهمزة ولكن بكسر الخاء، وهي الخشبة الَّتي يستند إليها الراكب. قوله: _________ (^١) في المخطوط: «فيعرض» والمثبت هو الموافق لما في الحديث.
1 / 13
(أَوْ قَالَ: مُؤَخِّرَتِهِ) في ضبطه وجوه، الأوَّل: بضمِّ الميم وكسر الخاء وهمزة ساكنة، قاله النَّوَوي. والثاني: بفتح الهمزة وفتح الخاء المشدَّدة. والثالث: إسكان الهمزة وتخفيف الحاء. وقال أبو عُبَيْد: يجوز كسر الخاء وفتحها. وأنكر ابن قُتَيْبَة الفتح، وقال ابن مكِّي: لا يقال مُقدِّم ومُؤخِّر بالكسر إلَّا في العِير خاصَّة، وأما في غيرها فلا يقال إلَّا بالفتح فقط. وقال الجَوْهَري: مؤخِّرة الرَّحل لغة في آخرته. وقال ابن التِّين: رُوِّيناه بفتح الهمزة وتشديد الخاء وفتحها. وقال القُرْطُبي: مؤخِّرة الرَّحل هو العود الذي يكون في آخر الرَّحل، بضمِّ الميم وكسر الخاء. والرابع: روى بعضهم بفتح الهمزة وتشديد الخاء.
قوله: (وَكَانَ ابنُ عُمَر يَفعَلُهُ) مقول نافع، والضَّمير المنصوب في (يَفْعَلُهُ) يرجع إلى كلِّ واحد من التَّعريض والتَّعديل اللذين يدلُّ عليهما قوله: (يُعَرِّضُ)، وقوله: (فَيُعْدِّلَهُ) من قبيل قوله تعالى: ﴿اعدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٨] أي العدل أقرب للتَّقوى، فافهم.
قال الخطَّابيُّ: فيه دليل على جواز السترة بما يثبت من الحيوان. وقال ابن بطَّال: وكذلك تجوز الصَّلاة إلى كلِّ شيء طاهر. وقال القُرْطُبي: في هذا الحديث دليل على جواز الستر بالحيوان، ولا يعارضه النَّهي عن الصَّلاة في معاطن الإبل؛ لأنَّ المعاطن مواضع إقامتها عند الماء، وكراهة الصَّلاة حينئذ عندها إما لشدَّة نتنها، وإما لأنَّهم كانوا يتخلَّون بها متسترين بها. وقيل: علَّة النَّهي في ذلك كون الإبل خلقت من الشياطين. قال شيخنا: تقدَّم ذلك، فيحمل على ما وَقَعَ منه في السَّفر في الصَّلاة إليها على حالة الضرورة، ونظير صلاته إلى السَّرير الذي عليه المرأة لكون البيت كان ضيقًا، وعلى ذلك فقول الشَّافعي في «البُوَيطي»: لا يستتر بامرأة ولا دابة، أي في حال الاختيار، وروى عبد الرزَّاق عن ابن عُيَيْنَة عن عبد الله بن دينار: أنَّ ابن عُمَر كان يكره أن يصلِّي إلى بعير إلَّا وعليه رحل، وكأنَّ الحكمة في ذلك: إنَّها في حال شدِّ الرحل عليها أقرب إلى السُّكون من حال تجريدها.
تكملة: اعتبر الفقهاء مؤخِّرة الرَّحل في مقدار أقلِّ السترة، واختلفوا في تقديرها بفعل ذلك، فقيل: ذراع، وقيل: ثلثا ذراع وهو أشهر، لكن في «مصنَّف عبد الرزَّاق» عن نافع: أنَّ مؤخِّرة رحل ابن عُمَر كانت قدر ذراع. انتهى. وقد مرَّ الكلام فيه مستوفى في باب الصَّلاة في مواضع الإبل.
(٩٩) (بَابُ الصَّلاة إِلَى السَّرِيْرِ) أي هذا باب في بيان حكم الصَّلاة إلى السرير، ومراده: على السَّرير؛ لأنَّ لفظ الحديث: (فَيَتَوَسَّطُ السَّرير فَيُصَلِّي) فهذا يدلُّ على أنَّه يصلِّي على السَّرير، على أنَّ في بعض النُّسخ: «بَابُ الصَّلاة عَلَى السَّرِيْرِ» نبَّه عليه الكِرْماني وقال: حروف الجرِّ يقام بعضها مقام البعض، فإن قلت: قوله: (فَيَتَوَسَّطُ السَّرِيْرَ) يشمل ما إذا كان فوقه أو أسفل منه؟ قلت: لا نسلِّم ذلك؛ لأنَّ معنى قوله: (فَيَتَوَسَّطُ السَّرِيْرَ): يجعل نفسه في وسط السَّرير، فإن قلت: ذكر البخاري في الاستئذان حديث الأَعْمَش عن مسلم
عن مَسْروق عن عائشة: «كَانَ يصلِّي والسَّرير بَيْنَه وَبَيْنَ القِبْلَةِ» فهذا يبيِّن أنَّ المراد من حديث الباب: أسفل السَّرير؟ قلت: لا نسلِّم ذلك؛ لاختلاف العبارتين مع احتمال كونهما في الحالتين، فإذا علمت هذا علمت أنَّ قول الإسماعيلي: بأنَّه دالٌّ على الصَّلاة على السَّرير لا إلى السَّرير غيرُ وارد، يظهر ذلك بالتأمُّل، قاله العَيني. وقال شيخنا: ولا حاجة إلى الحمل المذكور؛ فإنَّ قولها: (فَيَتَوَسَّطُ السَّرِيْرَ) يشمل ما إذا كان فوقه أو أسفل منه، وقد بان من رواية مَسْروق عنها أنَّ المراد الثَّاني. ٥٠٨ - قوله: (حَدَّثَنا عُثْمان بنُ أَبي شَيْبَةَ) أي عُثْمان بن محمَّد بن أبي شَيْبَة، واسم أبي شَيْبَة: إبراهيم بن عثمان، أبو الحسن العَبْسي الكوفي، أخو أبي بكر بن أبي شيْبَة، مات في المحرَّم سنة تسع وثلاثين ومائتين، وهو أكبر من أبي بكر بثلاث سنين، قلت: أعاد العَيني ترجمة عُثْمان هذا، وقد تقدَّمت في باب مَن جعل لأهل العلم يومًا معلومًا. قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيْرٌ) أي -بفتح الجيم- ابن عبد الحميد الرَّازي، كوفي الأصل، ترجمته في باب من جعل لأهل العلم أيَّامًا أيضًا. قوله: (عَنْ مَنْصُورٍ) أي ابن المُعتَمِر السُّلَمي الكوفي، ترجمته في الباب أيضًا. قوله: (عَنْ إِبرَاهِيْمَ) أي ابن يزيد النَّخَعي الكوفي، ترجمته في باب ظلم دون ظلم، في كتاب الإيمان. قوله: (عَنِ الأَسْوَدِ) أي ابن يزيد النَّخَعي الكوفي، خال إبراهيم المذكور، ترجمته في باب من ترك بعض الاختيار في كتاب العلم. قوله: (عَنْ عَائِشَةَ) أي أمُّ المؤمنين ﵂، ترجمتها في بدء الوحي. في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، والعنعنة في أربع مواضع، وفيه القول، وفيه أنَّ رواته كوفيُّون، وفيه رواية التَّابعي عن التَّابعي عن الصحابية. قوله: (قَالَتْ: أَعَدَلْتُمُوْنَا بِالكَلْبِ والحِمَارِ؟! لَقَد رَأَيْتُني مُضْطَجِعَةً عَلى السَّريرِ، فَيَجِيءُ النَّبِيُّ ﷺ فَيَتَوسَّطُ السَّرير فَيُصَلِّي، فَأَكرَهُ أَنْ أَسْنَحَهُ، فَأَنْسَلُّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيِ السَّرِيرِ حتَّى أَنْسَلَّ مِنْ لِحَافِي). وجه مطابقته للترجمة قد ذكرناه الآن، وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا بعد خمسة أبواب عن عُمَر بن حَفْص بن غياث عن أبيه عن الأَعْمَش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، وأخرجه مسلم في الصَّلاة أيضًا عن إِسْحاق بن إبراهيم عن جرير، وأخرجه أيضًا فيه عن عَمْرو الناقد وأبي سعيد الأشج وعمر بن حَفْص بن غياث به. قوله: (أَعَدَلْتُمُوْنَا) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار، أي لِمَ عدلتمونا؟ وقالت ذلك حيث قالوا: يقطع الصَّلاة الكلب والحمار والمرأة. قوله: (لَقَدْ رَأَيْتُنِي) -بضمِّ التَّاء المُثَنَّاة من فوق- وقال الكِرْماني: «رَأَيْتَني» بلفظ المتكلِّم، وكون ضميري الفاعل والمفعول عبارتين عن شيء واحد من جملة خصائص أفعال القلوب، قال العَيني: المعنى: رأيت نفسي، حتَّى لا يقال: فيه كون الفاعل والمفعول
عن مَسْروق عن عائشة: «كَانَ يصلِّي والسَّرير بَيْنَه وَبَيْنَ القِبْلَةِ» فهذا يبيِّن أنَّ المراد من حديث الباب: أسفل السَّرير؟ قلت: لا نسلِّم ذلك؛ لاختلاف العبارتين مع احتمال كونهما في الحالتين، فإذا علمت هذا علمت أنَّ قول الإسماعيلي: بأنَّه دالٌّ على الصَّلاة على السَّرير لا إلى السَّرير غيرُ وارد، يظهر ذلك بالتأمُّل، قاله العَيني. وقال شيخنا: ولا حاجة إلى الحمل المذكور؛ فإنَّ قولها: (فَيَتَوَسَّطُ السَّرِيْرَ) يشمل ما إذا كان فوقه أو أسفل منه، وقد بان من رواية مَسْروق عنها أنَّ المراد الثَّاني. ٥٠٨ - قوله: (حَدَّثَنا عُثْمان بنُ أَبي شَيْبَةَ) أي عُثْمان بن محمَّد بن أبي شَيْبَة، واسم أبي شَيْبَة: إبراهيم بن عثمان، أبو الحسن العَبْسي الكوفي، أخو أبي بكر بن أبي شيْبَة، مات في المحرَّم سنة تسع وثلاثين ومائتين، وهو أكبر من أبي بكر بثلاث سنين، قلت: أعاد العَيني ترجمة عُثْمان هذا، وقد تقدَّمت في باب مَن جعل لأهل العلم يومًا معلومًا. قوله: (حَدَّثَنَا جَرِيْرٌ) أي -بفتح الجيم- ابن عبد الحميد الرَّازي، كوفي الأصل، ترجمته في باب من جعل لأهل العلم أيَّامًا أيضًا. قوله: (عَنْ مَنْصُورٍ) أي ابن المُعتَمِر السُّلَمي الكوفي، ترجمته في الباب أيضًا. قوله: (عَنْ إِبرَاهِيْمَ) أي ابن يزيد النَّخَعي الكوفي، ترجمته في باب ظلم دون ظلم، في كتاب الإيمان. قوله: (عَنِ الأَسْوَدِ) أي ابن يزيد النَّخَعي الكوفي، خال إبراهيم المذكور، ترجمته في باب من ترك بعض الاختيار في كتاب العلم. قوله: (عَنْ عَائِشَةَ) أي أمُّ المؤمنين ﵂، ترجمتها في بدء الوحي. في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، والعنعنة في أربع مواضع، وفيه القول، وفيه أنَّ رواته كوفيُّون، وفيه رواية التَّابعي عن التَّابعي عن الصحابية. قوله: (قَالَتْ: أَعَدَلْتُمُوْنَا بِالكَلْبِ والحِمَارِ؟! لَقَد رَأَيْتُني مُضْطَجِعَةً عَلى السَّريرِ، فَيَجِيءُ النَّبِيُّ ﷺ فَيَتَوسَّطُ السَّرير فَيُصَلِّي، فَأَكرَهُ أَنْ أَسْنَحَهُ، فَأَنْسَلُّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيِ السَّرِيرِ حتَّى أَنْسَلَّ مِنْ لِحَافِي). وجه مطابقته للترجمة قد ذكرناه الآن، وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا بعد خمسة أبواب عن عُمَر بن حَفْص بن غياث عن أبيه عن الأَعْمَش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، وأخرجه مسلم في الصَّلاة أيضًا عن إِسْحاق بن إبراهيم عن جرير، وأخرجه أيضًا فيه عن عَمْرو الناقد وأبي سعيد الأشج وعمر بن حَفْص بن غياث به. قوله: (أَعَدَلْتُمُوْنَا) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار، أي لِمَ عدلتمونا؟ وقالت ذلك حيث قالوا: يقطع الصَّلاة الكلب والحمار والمرأة. قوله: (لَقَدْ رَأَيْتُنِي) -بضمِّ التَّاء المُثَنَّاة من فوق- وقال الكِرْماني: «رَأَيْتَني» بلفظ المتكلِّم، وكون ضميري الفاعل والمفعول عبارتين عن شيء واحد من جملة خصائص أفعال القلوب، قال العَيني: المعنى: رأيت نفسي، حتَّى لا يقال: فيه كون الفاعل والمفعول
1 / 14
واحدًا.
قوله: (مُضْطَجِعَةً) نصب على الحال؛ لأنَّ الرؤية ههنا من رؤية العين.
قوله: (أَنْ أَسْنَحَهُ) -بفتح النُّون والحاء المهملة- وقال الخطَّابيُّ: هو من قولك: سنح لي الشيء إذا عرض، تريد: إني أكره أن أستقبله ببدني في صلاته، ومن هذا: سوانح الظباء، وهو ما يعترض المسافرين فيجيء عن مياسرهم، ويجوز إلى ميامنهم، وقال ابن الجَوْزي وغيره: السَّانح عند العرب ما يمرُّ بين يديك عن يمينك وكانوا يتيمنون به، ومنهم من قال: عن يسارك إلى يمينك؛ لأنَّه أمكن للرَّمي، والبارح عكسه، والعرب تتطيَّر به، وقال صاحب «العين»: أسنحه، أي أظهر له، وكل ما عرض لك فهو سنح.
قوله: (فَأَنْسَلُّ) بصيغة المتكلِّم من المضارع عطفًا على (أَكْرَهُ) أي أخرج بخفية أو برفق.
قوله: (مِنْ قِبَلِ) -بكسر القاف- قوله: (رِجْلَيِ السَّرِيْرِ) بلفظ التثنية مضافًا إلى السَّرير.
في الحديث: جواز الصَّلاة على السَّرير، وفيه دلالة على أنَّ مرور المرأة بين يدي المصلِّي لا يقطع صلاته؛ لأنَّ انسلالها من لحافها كالمرور بين يدي المصلِّي، وقد استوفينا الكلام فيه فيما مضى.
(١٠٠) (بَابٌ يَرُدُّ المُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَينَ يَدَيِهِ) أي هذا بابٌ ترجمتُه: يَرُدُّ المُصَلِّي مَنْ مرَّ بين يديه، وسنبيِّن هل الرد إذا مرَّ بين يديه في موضع سجوده، أو يردُّه مطلقًا، أو له حدٌّ معلوم، وأنَّ الردَّ واجب أم سنَّة؟ - قال العَيني: أم مستحبٌّ؟ - وإنَّه مقيَّد بمكان مخصوص أو في جميع الأمكنة، على ما نذكره مفصَّلًا إن شاء الله تعالى.
قال شيخنا: يردُّ من مرَّ بين يديه، سواء كان آدميًا أم غيره.
قوله: (وَرَدَّ ابنُ عُمَرَ) أي عبد الله بن عُمَر بن الخطَّاب ﵄، ترجمته في كتاب الإيمان.
قوله: (في التَّشَهُّدِ وفِي الكَعْبَةِ، وَقالَ: إِنْ أَبَى إلَّا أَنْ تُقَاتِلَهُ قَاتِلْهُ) الكلام فيه على أنواع:
الأوَّل: في وجه مطابقته للترجمة، وهي ظاهرة؛ لأنَّ ابن عُمَر ردَّ المارَّ بين يديه وهو في الصلاة.
الثاني: في معنى التركيب، فقوله: (وَرَدَّ ابنُ عُمَرَ) أي ردَّ عبد الله بن عُمَر المارَّ بين يديه حال كونه في التشهُّد، وكان هذا المارَّ هو عَمْرو بن دينار، نبَّه عليه عبد الرزَّاق وابن أبي شَيْبَة في «مصنَّفيهما»، قوله: «وَفِي الكَعْبَةِ» أي وردَّ أيضًا في الكعبة، وقال الكِرْماني: هو عطف على مقدَّر، أي ردَّ المارَّ بين يديه عند كونه في الصَّلاة وفي غير الكعبة وفي الكعبة أيضًا، ويحتمل أن يُراد به كونُ الردِّ في حالة واحدة جمعه بين كونه في التشهد وفي الكعبة، فلا حاجة إلى مقدَّر، وقال أبو محمَّد الإشبيلي في كتابه «الجمع بين الصحيحين» كذا وقع: «وفي الكعبةِ» وقال ابن قرقول: «وَرَدَّ ابنُ عُمَر فِي التَّشَهُّدِ وَفِي الكَعْبَةِ». وقال القابسي: «وَفِي الرَّكْعَةِ» بدلًا من: (الكَعْبَةِ) أشبه، وكذا وَقَعَ في بعض الأصول: «الرَّكْعَةِ»، وقال صاحب «التلويح»: والظاهر أنَّه: «وَفِي الكَعْبَةِ» وهو الصَّواب؛ لما في كتاب «الصَّلاة» لأبي نُعَيم: حدَّثنا عبد العزيز بن الماجِشُون عن صالح بن كَيْسان قال: «رَأيْتُ ابنَ عُمَر يصلِّي في الكعبةِ، فلا يدع أحدًا يمرُّ بين يديهِ
يبادِره. قال: يردُّه». حدَّثنا فطر بن خليفة حدَّثنا عَمْرو بن دينار قال: مررت بابن عُمَر بعدما جلس في آخر صلاة حتَّى أنظر ما يصنع، فارتفع من مكانه فدفع في صدري. وقال ابن أبي شَيْبَة: أخبرنا ابن فضيل عن فطر عن عَمْرو بن دينار قال: مررت بين يدي ابن عُمَر وهو في الصَّلاة، فارتفع من قعوده ثمَّ دفع في صدري. وفي كتاب «الصلاة» لأبي نُعَيم: فانتهزني بتسبيحة. قال شيخنا: ورواية الجمهور متَّجهة، وتخصيص الكعبة بالذِّكر؛ لئلَّا يُتخيَّل أنَّه يُغْتَفَرُ فيها المرور لكونها محل المزاحمة. انتهى. قال العَيني: الواقع في نفس الأمر عن ابن عُمَر في الردِّ في غير الكعبة وفي الكعبة أيضًا، فلا يقال فيه: التخصيص والتعليل فيه بكون الكعبة محلَّ المزاحمة غير موجَّه؛ لأنَّ في غير الكعبة أيضًا توجد المزاحمة، سيَّما في أيَّام الجمع في الجوامع ونحو ذلك، قال شيخنا في «انتقاض الاعتراض» ما حاصله: إنَّ العَيني لا يزال يأخذ كلامه ويضعه في شرحه، فإذا عثر بما يظنُّه ساقطًا فيبالغ في التشنيع، وهذا مبلغ علمه، والسَّلام. انتهى. قلت: لكن التخصيص على الردِّ في الكعبة لا بدَّ له من نكتة، والذي يظهر لي: أنَّ المصلِّي في الكعبة قد يصلِّي لبابها فيُظنُّ لهذا أنَّه لا يردُّ من أراد المرور بين يدي هذا المصلِّي للباب، للدُّخُول إليها أو الخروج منها، فذكرها لدفع هذا الظنّ، والله أعلم. قوله: (وَإِنْ أَبَى) أي المارُّ إن امتنع بكلِّ وجه إلَّا بأن يُقاتل المصلِّي المارَّ قاتله. قوله: (إِلَّا أَنْ يُقَاتِلَهُ) وقوله: (قَاتَلَهُ) على وجهين: أحدهما: أن يكون لفظ (قَاتَلَهُ) بصيغة الفعل الماضي، وهذا عند كون لفظ: (إِلَّا أَنْ يُقَاتِلَهُ) بصيغة الفعل المضارع المعلوم، والضمير المرفوع فيه يرجع إلى المارِّ الذي هو فاعل لفظة (أَبَى)، والمنصوب يرجع إلى المصلِّي، والضمير المرفوع في (قَاتَلَهُ) يرجع إلى المصلِّي، والمنصوب يرجع إلى المارِّ. والوجه الآخر: أن تكون لفظة (إلَّا أَنْ تُقَاتِلَهُ) بصيغة المخاطب، أي <إِلَّا أَنْ تُقَاتِلَ المارَّ فَقَاتِلْهُ>، بكسر التَّاء وسكون اللَّام على صيغة الأمر للحاضر، وهذه رواية الكُشْمِيهَني، والأوَّل رواية الأكثرين، قال شيخنا: وهذه الجملة الأخيرة من كلام ابن عُمَر، وقد وصلها عبد الرزاق، ولفظه عن ابن عُمَر قال: «لا تدعْ أحدًا يمرُّ بينَ يديكَ وأنتَ تُصلِّي، فإنْ أَبَى إلَّا أنْ تقاتلَهُ فقاتلْهُ» وهذا أمر موافق لسياق الكُشْمِيْهَني. انتهى. فإن قلت: لفظة (قَاتِلْهُ) في الوجه الثَّاني جملة أمريَّة، والجملة الأمريَّة إذا وقعت جزاء للشرطيَّة فلا بدَّ فيها من الفاء، قال العَيني: تقدير الكلام: فأنت قاتله، قال الكِرْماني: ويجوز حذف الفاء منها، نحو: مَن يفعلِ الحسناتِ اللهُ يشكرُها، قال العَيني: حذف الفاء منها لضرورة الوزن فلا يُقاس عليه، ويروى: (فَقَاتِلْهُ) بالفاء على الأصل. النوع الثالث: في أنَّ المروي عن ابن عُمَر ههنا على سبيل التعليق ثلاثة أشياء: الأوَّل: ردُّه المارَّ في التشهُّد، وقد وصله أبو نُعَيم وابن أبي شَيْبَة كما ذكرناه عن قريب. الثاني: ردُّه في الكعبة، وقد وصله أبو نُعَيم أيضًا كما ذكرناه، وفي حديث يزيد الفقير: صلِّيتُ إلى جنب ابن عُمَر بمكَّة، فلم أرَ رجلًا أكره أن يمرَّ بين يديه منه. الثالث: أمرُه بالمقاتلة عند عدم امتناع
يبادِره. قال: يردُّه». حدَّثنا فطر بن خليفة حدَّثنا عَمْرو بن دينار قال: مررت بابن عُمَر بعدما جلس في آخر صلاة حتَّى أنظر ما يصنع، فارتفع من مكانه فدفع في صدري. وقال ابن أبي شَيْبَة: أخبرنا ابن فضيل عن فطر عن عَمْرو بن دينار قال: مررت بين يدي ابن عُمَر وهو في الصَّلاة، فارتفع من قعوده ثمَّ دفع في صدري. وفي كتاب «الصلاة» لأبي نُعَيم: فانتهزني بتسبيحة. قال شيخنا: ورواية الجمهور متَّجهة، وتخصيص الكعبة بالذِّكر؛ لئلَّا يُتخيَّل أنَّه يُغْتَفَرُ فيها المرور لكونها محل المزاحمة. انتهى. قال العَيني: الواقع في نفس الأمر عن ابن عُمَر في الردِّ في غير الكعبة وفي الكعبة أيضًا، فلا يقال فيه: التخصيص والتعليل فيه بكون الكعبة محلَّ المزاحمة غير موجَّه؛ لأنَّ في غير الكعبة أيضًا توجد المزاحمة، سيَّما في أيَّام الجمع في الجوامع ونحو ذلك، قال شيخنا في «انتقاض الاعتراض» ما حاصله: إنَّ العَيني لا يزال يأخذ كلامه ويضعه في شرحه، فإذا عثر بما يظنُّه ساقطًا فيبالغ في التشنيع، وهذا مبلغ علمه، والسَّلام. انتهى. قلت: لكن التخصيص على الردِّ في الكعبة لا بدَّ له من نكتة، والذي يظهر لي: أنَّ المصلِّي في الكعبة قد يصلِّي لبابها فيُظنُّ لهذا أنَّه لا يردُّ من أراد المرور بين يدي هذا المصلِّي للباب، للدُّخُول إليها أو الخروج منها، فذكرها لدفع هذا الظنّ، والله أعلم. قوله: (وَإِنْ أَبَى) أي المارُّ إن امتنع بكلِّ وجه إلَّا بأن يُقاتل المصلِّي المارَّ قاتله. قوله: (إِلَّا أَنْ يُقَاتِلَهُ) وقوله: (قَاتَلَهُ) على وجهين: أحدهما: أن يكون لفظ (قَاتَلَهُ) بصيغة الفعل الماضي، وهذا عند كون لفظ: (إِلَّا أَنْ يُقَاتِلَهُ) بصيغة الفعل المضارع المعلوم، والضمير المرفوع فيه يرجع إلى المارِّ الذي هو فاعل لفظة (أَبَى)، والمنصوب يرجع إلى المصلِّي، والضمير المرفوع في (قَاتَلَهُ) يرجع إلى المصلِّي، والمنصوب يرجع إلى المارِّ. والوجه الآخر: أن تكون لفظة (إلَّا أَنْ تُقَاتِلَهُ) بصيغة المخاطب، أي <إِلَّا أَنْ تُقَاتِلَ المارَّ فَقَاتِلْهُ>، بكسر التَّاء وسكون اللَّام على صيغة الأمر للحاضر، وهذه رواية الكُشْمِيهَني، والأوَّل رواية الأكثرين، قال شيخنا: وهذه الجملة الأخيرة من كلام ابن عُمَر، وقد وصلها عبد الرزاق، ولفظه عن ابن عُمَر قال: «لا تدعْ أحدًا يمرُّ بينَ يديكَ وأنتَ تُصلِّي، فإنْ أَبَى إلَّا أنْ تقاتلَهُ فقاتلْهُ» وهذا أمر موافق لسياق الكُشْمِيْهَني. انتهى. فإن قلت: لفظة (قَاتِلْهُ) في الوجه الثَّاني جملة أمريَّة، والجملة الأمريَّة إذا وقعت جزاء للشرطيَّة فلا بدَّ فيها من الفاء، قال العَيني: تقدير الكلام: فأنت قاتله، قال الكِرْماني: ويجوز حذف الفاء منها، نحو: مَن يفعلِ الحسناتِ اللهُ يشكرُها، قال العَيني: حذف الفاء منها لضرورة الوزن فلا يُقاس عليه، ويروى: (فَقَاتِلْهُ) بالفاء على الأصل. النوع الثالث: في أنَّ المروي عن ابن عُمَر ههنا على سبيل التعليق ثلاثة أشياء: الأوَّل: ردُّه المارَّ في التشهُّد، وقد وصله أبو نُعَيم وابن أبي شَيْبَة كما ذكرناه عن قريب. الثاني: ردُّه في الكعبة، وقد وصله أبو نُعَيم أيضًا كما ذكرناه، وفي حديث يزيد الفقير: صلِّيتُ إلى جنب ابن عُمَر بمكَّة، فلم أرَ رجلًا أكره أن يمرَّ بين يديه منه. الثالث: أمرُه بالمقاتلة عند عدم امتناع
1 / 15
المارِّ من المرور بين يدي المصلِّي، وقد وصله عبد الرزَّاق كما ذكرناه أيضًا.
٥٠٩ - قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ) -أي بفتح الميم- واسمه: عبد الله بن عَمْرو بن أبي الحجَّاج المقعد البصري، مات بالبصرة سنة أربع وعشرين ومائتين، وقد تقدَّم في باب قول النَّبِيِّ ﷺ: اللهمَّ علِّمه الكتاب.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا عَبدُ الوَارِثِ) أَي ابن سعيد، تقدَّم أيضًا في الباب.
قوله: (حَدَّثَنا يُوْنُسُ) أي ابن عُبَيْد بالتصغير، ابن دينار، أبو عبد الله البصري، مات سنة تسع وثلاثين ومائة.
قوله: (عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلَالٍ) أي -بضمِّ الحاء تصغير الحمد، وكسر الهاء وتخفيف اللَّام- ابن هلال العدوي، بفتح العين والدَّال المهملتين، التَّابعي الجليل.
قوله: (عَنْ أَبي صَالحٍ) أي ذكوان السَّمَّان، وقد تكرر ذكره، ترجمته في باب أمور الإيمان.
قوله: (أَنَّ أَبا سَعِيدٍ) أي الخدري.
قوله: (ح: وَحَدَّثَنا آدَمُ) أي ابن أبي إِياس، ترجمته في بابٍ يتلو باب أمور الإيمان.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ) أي ابن المغيرة القَيسي البصري، ترجمته في باب القراءة والعرض على العالم.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بنُ هِلالٍ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالحٍ السَّمَّانُ، قَالَ: رَأيْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الخُدْرِيَّ).
فيه التَّحديث بصيغة الجمع في سبع مواضع، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه القول والرؤية، وفيه رواية التَّابعي عن التَّابعي عن الصحابي، وفيه أنَّ رواته كلَّهم بصريُّون إلَّا أبا صالح فإنَّه مدني، وآدم فإنه عسقلاني، وفيه أنَّ آدم من أفراد البخاري، وفيه أنّض البخاري لم يخرِّج لسُلَيمان بن المغيرة شيئًا موصولًا إلَّا هذا الحديث ذكره أبو مسعود وغيره، وفيه التحويل من إسناد إلى إسناد آخر قبل ذكر الحديث، وعلامته حرف الحاء المفردة، وفيه في الإسناد الأوَّل: حُمَيْد عن أبي صالح أنَّ أبا سعيد، وفي الثَّاني رأيت أبا سعيد والثَّاني أقوى، وفيه أنَّ في الثَّاني ذكر قصَّة ليست في الأوَّل.
وقد ساق البخاري هذا الحديث في كتاب بدء الخلق بالإسناد الذي ساقه هنا من رواية يُونُس بعينه، وههنا من لفظ سُلَيمان بن المغيرة لا من لفظ يُوُنس، قال شيخنا: وقد قرن البخاري رواية يُونُس برواية سُلَيمان بن المغيرة، وبَيِّنٌ من إيراده: أنَّ القصَّة المذكورة في رواية سُلَيمان لا في رواية يونس، ولفظ المتن الذي ساقه هنا هو لفظ سُلَيمان أيضًا لا لفظ يونس، وإنما ظهر لنا ذلك من المُصَنِّف حيث ساق الحديث في بدء الخلق بالإسناد الذي ساقه هنا من رواية يُونُس بعينه، ولفظ المتن مغاير للفظ الذي ساقه هنا من رواية يُونُس، وليس فيه تقييد الدفع بما إذا كان المصلِّي يصلِّي إلى سترة، وذكر الإسماعيلي: أنَّ سُلَيم بن حبَّان تابع يُونُس عن حُمَيْد على عدم التقييد، والمطلق في هذا محمول على المقيَّد؛ لأنَّ الذي يصلِّي إلى غير سترة مقصِّر بتركها، ولا سيَّما إن صلَّى في مشارع المشاة، وقد روى عبد الرزَّاق عن عُمَر التفرقةَ بين من يصلِّي إلى سترة أو إلى غير سترة، وفي «الرَّوضة» تبعًا لأصلها: ولو صلَّى إلى غير سترة، أو كانت وتباعد منها، فالأصحُّ: إنَّه
ليس له الدفع لتقصيره، ولا يحرُم المرور حينئذ بين يديه، ولكن الأَولى تركُه. انتهى. قوله: (في يَوْمِ جُمُعَةٍ يُصَلِّي إِلى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاس، فَأَرادَ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبي مُعَيط أَنْ يَجتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَدَفَعَ أَبُو سَعِيْدٍ في صَدْرِهِ، فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَم يَجِد مَسَاغًا إلَّا بَينَ يَدَيهِ، فَعَادَ لِيَجْتَازَ فَدَفَعَهُ أَبُو سَعِيْدٍ أَشَدَّ مِنَ الأُوْلَى، فَنَالَ مِن أَبي سَعِيْدٍ، ثمَّ دَخَلَ عَلَى مَرَوَانَ، فَشَكَا إِلَيهِ مَا لَقِيَ مِن أَبي سَعِيْدٍ، وَدَخَلَ أَبُو سَعيْدٍ خَلْفَهُ عَلَى مَرَوَانَ، فَقَالَ: مَا لَكَ وَلِابنِ أَخِيْكَ يَا أَبا سَعيْدٍ؟ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقولُ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاس، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجتَازَ بَينَ يَدَيهِ فَليَدفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَليُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ). مطابقته للترجمة ظاهرة. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا عن أبي مَعْمَر في صفة إبليس، وأخرجه مسلم في الصَّلاة أيضًا عن شَيْبان بن فرُّوخ، وأخرجه أبو داود فيه عن موسى بن إسماعيل. قوله: (فَأَرادَ شَابٌّ مِنْ بَني أَبي مُعَيْطٍ) ووَقَعَ في كتاب «الصلاة» لأبي نُعيم الفَضْل بن دُكَين، قال: حدَّثنا عبد الله بن عامر عن زيد بن أسلم قال: بينما أبو سعيد قائم يصلِّي في المسجد، فأقبل الوليد بن عُقْبَة بن أبي مُعَيط، فأراد أن يمرَّ بين يديه فدرأه، فأبى إلَّا أن يمرَّ فدفعه ولَكَمَه. فهذا يدلُّ على أنَّ هذا الشاب هو الوليد بن عُقْبَة. وفي «المصنَّف» لابن أبي شَيْبَة: حدَّثنا أبو معاوية عن عاصم عن ابن سيرين قال: كان أبو سعيد قائمًا يصلِّي، فجاء عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يمرُّ بين يديه فمنعه، فأبى إلَّا أن يجيء، فدفعه أبو سعيد فطرحه، فقيل له: تصنع هذا بعبد الرحمن؟! فقال: والله لو أبى إلَّا أن آخذ شعره لأخذت. وروى عبد الرزَّاق حديث الباب عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه، فقال فيه: إذ جاء شابٌّ، ولم يسمِّه، وعن مَعْمَر عن زيد بن أسلم فقال فيه: فذهب ذو قرابة لمروان. ومن طريق أبي العلانية عن أبي سعيد فقال فيه: مرَّ رجل بين يديه من بني مروان، وللنَّسائي من وجه آخر: فمرَّ ابن لمروان، وسمَّاه عبد الرزَّاق من طريق سُلَيمان بن موسى: داود بن مروان، ولفظه: أراد داود بن مروان أن يمرَّ بين يدي أبي سعيد، ومروان يومئذ أمير بالمدينة، فذكر الحديث، وبه جزم ابن الجَوْزي. قال العَيني: وهذا كما رأيت الاختلاف في تسمية المبهم الذي في الصحيح، والأحسنُ: أن يقال بتعدُّد الواقعة لأبي سعيد مع غير واحد؛ لأنَّ في تعيين واحد من هؤلاء مع كون اتَّحاد الواقعة نظر لا يخفى. انتهى. قال شيخنا: وفي تفسير الذي وَقَعَ في «الصحيح» بأنَّه الوليد، نظرٌ؛ لأنَّ فيه: أنَّه دخل على مروان، زاد الإسماعيلي: ومروان يومئذ على المدينة. انتهى قول الإسماعيلي. قال شيخنا: ومروان إنَّما كان أميرًا على المدينة في خلافة معاوية، ولم يكن الوليد حينئذ بالمدينة؛ لأنَّه لما قُتِلَ عُثْمان تحوَّل إلى الجزيرة فسكنها حتَّى مات في خلافة معاوية، ولم يحضر شيئًا من الحروب الَّتي كانت بين علي ومن خالفه، وأيضًا فلم يكن الوليد يومئذ شابًّا، بل كان في عشر الخمسين، فلعلَّه كان فيه
ليس له الدفع لتقصيره، ولا يحرُم المرور حينئذ بين يديه، ولكن الأَولى تركُه. انتهى. قوله: (في يَوْمِ جُمُعَةٍ يُصَلِّي إِلى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاس، فَأَرادَ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبي مُعَيط أَنْ يَجتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَدَفَعَ أَبُو سَعِيْدٍ في صَدْرِهِ، فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَم يَجِد مَسَاغًا إلَّا بَينَ يَدَيهِ، فَعَادَ لِيَجْتَازَ فَدَفَعَهُ أَبُو سَعِيْدٍ أَشَدَّ مِنَ الأُوْلَى، فَنَالَ مِن أَبي سَعِيْدٍ، ثمَّ دَخَلَ عَلَى مَرَوَانَ، فَشَكَا إِلَيهِ مَا لَقِيَ مِن أَبي سَعِيْدٍ، وَدَخَلَ أَبُو سَعيْدٍ خَلْفَهُ عَلَى مَرَوَانَ، فَقَالَ: مَا لَكَ وَلِابنِ أَخِيْكَ يَا أَبا سَعيْدٍ؟ قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقولُ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاس، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجتَازَ بَينَ يَدَيهِ فَليَدفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَليُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ). مطابقته للترجمة ظاهرة. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا عن أبي مَعْمَر في صفة إبليس، وأخرجه مسلم في الصَّلاة أيضًا عن شَيْبان بن فرُّوخ، وأخرجه أبو داود فيه عن موسى بن إسماعيل. قوله: (فَأَرادَ شَابٌّ مِنْ بَني أَبي مُعَيْطٍ) ووَقَعَ في كتاب «الصلاة» لأبي نُعيم الفَضْل بن دُكَين، قال: حدَّثنا عبد الله بن عامر عن زيد بن أسلم قال: بينما أبو سعيد قائم يصلِّي في المسجد، فأقبل الوليد بن عُقْبَة بن أبي مُعَيط، فأراد أن يمرَّ بين يديه فدرأه، فأبى إلَّا أن يمرَّ فدفعه ولَكَمَه. فهذا يدلُّ على أنَّ هذا الشاب هو الوليد بن عُقْبَة. وفي «المصنَّف» لابن أبي شَيْبَة: حدَّثنا أبو معاوية عن عاصم عن ابن سيرين قال: كان أبو سعيد قائمًا يصلِّي، فجاء عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يمرُّ بين يديه فمنعه، فأبى إلَّا أن يجيء، فدفعه أبو سعيد فطرحه، فقيل له: تصنع هذا بعبد الرحمن؟! فقال: والله لو أبى إلَّا أن آخذ شعره لأخذت. وروى عبد الرزَّاق حديث الباب عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه، فقال فيه: إذ جاء شابٌّ، ولم يسمِّه، وعن مَعْمَر عن زيد بن أسلم فقال فيه: فذهب ذو قرابة لمروان. ومن طريق أبي العلانية عن أبي سعيد فقال فيه: مرَّ رجل بين يديه من بني مروان، وللنَّسائي من وجه آخر: فمرَّ ابن لمروان، وسمَّاه عبد الرزَّاق من طريق سُلَيمان بن موسى: داود بن مروان، ولفظه: أراد داود بن مروان أن يمرَّ بين يدي أبي سعيد، ومروان يومئذ أمير بالمدينة، فذكر الحديث، وبه جزم ابن الجَوْزي. قال العَيني: وهذا كما رأيت الاختلاف في تسمية المبهم الذي في الصحيح، والأحسنُ: أن يقال بتعدُّد الواقعة لأبي سعيد مع غير واحد؛ لأنَّ في تعيين واحد من هؤلاء مع كون اتَّحاد الواقعة نظر لا يخفى. انتهى. قال شيخنا: وفي تفسير الذي وَقَعَ في «الصحيح» بأنَّه الوليد، نظرٌ؛ لأنَّ فيه: أنَّه دخل على مروان، زاد الإسماعيلي: ومروان يومئذ على المدينة. انتهى قول الإسماعيلي. قال شيخنا: ومروان إنَّما كان أميرًا على المدينة في خلافة معاوية، ولم يكن الوليد حينئذ بالمدينة؛ لأنَّه لما قُتِلَ عُثْمان تحوَّل إلى الجزيرة فسكنها حتَّى مات في خلافة معاوية، ولم يحضر شيئًا من الحروب الَّتي كانت بين علي ومن خالفه، وأيضًا فلم يكن الوليد يومئذ شابًّا، بل كان في عشر الخمسين، فلعلَّه كان فيه
1 / 16
فأقبل ابن الوليد بن عُقْبَة فيُتَّجَهُ، وجزم ابن الجَوْزي ومن تبعه: بأنَّه داود بن مروان، وفيه نظر؛ لأنَّ فيه: إنَّه من بني أبي معيط، وليس مروان من بنيه، بل أبو مُعَيط ابن عم والد مروان؛ لأنَّه أبو مُعَيط بن أبي عَمْرو بن أميَّة، ووالد مروان هو الحكم بن أبي العاص بن أميَّة، وليست أمُّ داود ولا أمُّ مروان ولا أمُّ الحكم من ولد أبي مُعَيط، فيحتمل أن يكون داود نسب إلى أبي مُعَيط من جهة الرضاعة، أو لكون جدِّه لأمِّه عُثْمان بن عفَّان كان أخًا للوليد بن عُقْبَة بن أبي مُعَيط لأمِّه فنُسب داود إليه مجازًا، وفيه والأقرب الواقعة تعدَّدت، وأيضًا فعبد الرحمن مخزومي ما له من أبي مُعَيط نسبةٌ، والله أعلم. انتهى.
قوله: (مُعَيْطٍ) -بضمِّ الميم وفتح العين المهملة، وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره طاء مهملة- تصغير أمعط، وهو الذي لا شعر عليه، فالأمعط والأمرط سواء، وأبو مُعَيط في قُرَيش، واسمه: أبان بن أبي عمر، وذكوان بن أميَّة الأكبر هو والد عُقْبَة بن أبي مُعَيط الذي قتله رسول الله ﷺ صبرًا.
قوله: (أَن يَجْتَازَ) بالجيم من الجواز.
قوله: (فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا) -بفتح الميم وبالغين المعجمة- أي طريقًا عليه المرور منها، يقال: ساغ الشراب في الحلق إذا نزل من غير الضَّرر، وساغ الشيء طابَ.
قوله: (مِنَ الأُوْلَى) أي من المرَّة الأولى، أو الدفعة الأولى.
قوله: (فَنَالَ مِنْ أَبي سَعِيدٍ) بالنُّون، أي أصاب من عِرضه بالشَّتم، وهو من النَّيل وهو الإصابة.
قوله: (ثُمَّ دَخَلَ عَلى مَرْوَانَ) وهو مروان بن الحكم -بفتح الكاف- الأموي أبو عبد الملك، يقال: إنَّه رأى النَّبِيَّ ﷺ، قاله الواقدي، ولم يحفظ عنه شيئًا، وتوفِّي النَّبِيُّ ﷺ وهو ابن ثمان سنين، مات بدمشق لثلاث خلون من رمضان سنة خمس وستين وهو ابن ثلاث وستين سنة، وقد تقدَّم ذكره في باب البصاق والمخاط ونحوه في الثَّوب.
قوله: (فَقَالَ مَا لَكَ وَلِابنِ أَخِيْكَ) أي فقال مروان، فكلمة (مَا) مبتدأ، و(لَكَ) خبره، (وَلِابنِ أَخِيْكَ) عطف عليه بإعادة الخافض، وأطلق الأخوَّة باعتبار أنَّ المؤمنين إخوة، وفيه تأييد لقول من قال: إنَّ المارَّ بين يدي أبي سعيد الذي دفعه غير الوليد؛ لأنَّ أباه عُقْبَة قُتل كافرًا، واستدلَّ الرافعيُّ بهذه القصَّة على مشروعيَّة الدفع ولو لم يكن هناك مسلك غيره خلافًا لإمام الحرمين، ولابن الرِّفعة فيه بحث سنشير إليه في الحديث الذي بعده إن شاء الله تعالى، فإن قلت: لم يقل: ولأخيك، بحذف الابن. قال العَيني: نظرًا إلى إنَّه كان شابًّا أصغر منه.
قوله: (فَليَدْفَعْهُ) وفي رواية مسلم: «فليدفع في نحره». قال القُرْطُبي: أي بالإشارة ولطيف المنع.
قوله: (فَليُقاتِلْهُ) بكسر اللام الجازمة وبسكونها.
قوله: (فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ) هذا من باب التشبيه حُذف منه أداة التشبيه للمبالغة، أي إنَّما هو كشيطان، أو يُراد به شيطان الإنس، وإطلاق الشَّيطان على المارد من الإنس سائغ شائع، وقد جاء في القرآن قوله تعالى: ﴿شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنَّ﴾ [الأنعام: ٢١١] وقال الخطَّابيُّ: معناه أنَّ الشَّيطان يحمله على ذلك ويحرِّكه إليه، وقد يكون أراد بالشَّيطان المارُّ بين يديه نفسه، وذلك أنَّ الشَّيطان هو المارد الخبيث من الجنِّ والإنس. وقال القُرْطُبي: ويحتمل أن يكون معناه الحامل له على ذلك الشيطانُ، يؤيِّده حديث ابن عُمَر عند مسلم: «لا يدعْ أحدًا يمرُّ بينَ يدَيهِ، فإنْ
أَبى فليُقاتِلْهُ؛ فإنَّ مَعَهُ القَرِيْنَ»، وعند ابن ماجه: «فإنَّ مَعَهُ القَرِيْنَ»، وقال المُنْكَدِري: «فإنَّ مَعَهُ العُزَّى»، وقيل: معناه: إنَّما هو فعل الشَّيطان؛ لشغل قلب المصلِّي كما يخطر الشَّيطان بين المرء ونفسه. وقال ابن بطَّال: في هذا الحديث جواز إطلاق لفظ الشَّيطان على من يفتن في الدِّين، وأنَّ الحكم للمعاني دون الأسماء؛ لاستحالة أن يصير المارُّ شيطانًا بمجرَّد مروره. قال شيخنا: وهذا مبنيٌّ على لفظ الشَّيطان، يُطلق حقيقة على الجنِّي ومجازًا على الإنسي، وفيه بحث واستنبط ابن أبي جمرة من قوله: (فإنَّما هو شَيْطَانٌ) أنَّ المراد بقوله: (فَلْيُقَاتِلْهُ) المدافعةُ اللطيفة، لا حقيقة القتال، قال: لأنَّ مقاتلة الشَّيطان إنَّما هي بالاستعاذة والتستر عنه بالتسمية ونحوها، وإنما جاز الفعل اليسير في الصَّلاة للضرورة، فلو قاتله حقيقة المقاتلة لكان أشدّ على صلاته من المارِّ، قال: وهل المقاتلة لخلل يقع في صلاة المصلِّي من المرور، أو لدفع الإثم عن المارِّ؟ الظَّاهر الثاني. انتهى. وقال غيره: بل الأوَّل أظهر؛ لأنَّ إقبال المصلِّي على صلاته أولى له من اشتغاله بدفع الإثم عن غيره، وقد روى ابن أبي شَيْبَة عن ابن مسعود: «أنَّ المرورَ بينَ يَدَي المصلِّي يَقطَع نِصفَ صَلاتِه»، وروى أبو نُعَيم عن عمر: «لَو يعلمُ المصلِّي ما ينقُصُ مِنْ صلاتِه بالمرورِ بينَ يَدَيهِ ما صلَّى إلَّا إلى شَيءٍ يَستُرهُ مِنَ الناسِ»، فهذان الأثران يقتضيان أن الدفع لخلل يتعلَّق بصلاة المصلِّي ولا يختص بالمارِّ، وهما وإن كانا موقوفين لفظًا فحكمهما حكم الرفع؛ لأنَّ مثلهما لا يقال بالرأي. انتهى. قلت: وما المانع من أن يكون الدفع لخلل يقع في صلاته ولدفع الإثم عن المارِّ؟ لأنَّه ورد أنَّ عليه إثم كما ورد أنَّ المرور يقطع نصف الصَّلاة. انتهى. فيه اتِّخاذ السترة للمصلِّي وزَعَمَ ابن العربيِّ أنَّ النَّاس اختلفوا في وجوب وضع السترة بين يدي المصلِّي على ثلاثة أقوال: الأوَّل: إنَّه واجب، فإن لم يجد وضع خطًّا، وبه قال أحمد، كأنَّه اعتمد حديث ابن عُمَر الذي صححه الحاكم: «لا تصلُّوا إلَّا إلى سترةٍ، ولا تدعْ أحدًا يمرُّ بينَ يديكَ»، وعند أبي نُعَيم في كتاب «الصَّلاة»: حدَّثنا سُلَيمان - أظنُّه عن حُمَيْد بن هلال - قال عُمَر بن الخطَّاب: «لو يعلمُ المصلِّي ما ينقصُ» الحديثَ المتقدِّم. الثاني: إنَّها مستحبَّة، ذهب إليه أبو حنيفة ومالك والشافعي. والثالث: جواز تركها، روي ذلك عن مالك، قال العَيني: قال أصحابنا - أي الحنفيَّة -: الأصل في السترة إنَّها مستحبَّة، وقال إبراهيم النخعيُّ: كانوا يستحبُّون إذا صلَّوا في الفضاء أن يكون بين أيديهم ما يسترهم، وقال عطاء: لا بأس بترك السترة، وصلَّى القاسم وسالم في الصَّحراء إلى غير سترة، ذكر ذلك كلَّه ابن أبي شَيْبَة في «مصنَّفه»، واعلم أنَّ الكلام في هذا على عشرة أنواع: الأوَّل: أنَّ السترة واجبة أو لا، وقد مرَّ الكلام فيها الآن. والثاني: مقدار موضع يكره المرور فيه قيل موضع سجوده، وهو اختيار شمس الأئمَّة السرخسي وشيخ الإسلام وقاضي خان، وقيل: مقدار صفَّين أو ثلاثة، وقيل: بثلاثة أذرع، وقيل: بخمسة أذرع، وقيل: بأربعين ذراعًا، وقدَّر الشَّافعي وأحمد بثلاثة أذرع، ولم يحدَّ مالك في ذلك حدًّا، إلَّا أنَّ ذلك بقدر ما يركع فيه ويسجد
أَبى فليُقاتِلْهُ؛ فإنَّ مَعَهُ القَرِيْنَ»، وعند ابن ماجه: «فإنَّ مَعَهُ القَرِيْنَ»، وقال المُنْكَدِري: «فإنَّ مَعَهُ العُزَّى»، وقيل: معناه: إنَّما هو فعل الشَّيطان؛ لشغل قلب المصلِّي كما يخطر الشَّيطان بين المرء ونفسه. وقال ابن بطَّال: في هذا الحديث جواز إطلاق لفظ الشَّيطان على من يفتن في الدِّين، وأنَّ الحكم للمعاني دون الأسماء؛ لاستحالة أن يصير المارُّ شيطانًا بمجرَّد مروره. قال شيخنا: وهذا مبنيٌّ على لفظ الشَّيطان، يُطلق حقيقة على الجنِّي ومجازًا على الإنسي، وفيه بحث واستنبط ابن أبي جمرة من قوله: (فإنَّما هو شَيْطَانٌ) أنَّ المراد بقوله: (فَلْيُقَاتِلْهُ) المدافعةُ اللطيفة، لا حقيقة القتال، قال: لأنَّ مقاتلة الشَّيطان إنَّما هي بالاستعاذة والتستر عنه بالتسمية ونحوها، وإنما جاز الفعل اليسير في الصَّلاة للضرورة، فلو قاتله حقيقة المقاتلة لكان أشدّ على صلاته من المارِّ، قال: وهل المقاتلة لخلل يقع في صلاة المصلِّي من المرور، أو لدفع الإثم عن المارِّ؟ الظَّاهر الثاني. انتهى. وقال غيره: بل الأوَّل أظهر؛ لأنَّ إقبال المصلِّي على صلاته أولى له من اشتغاله بدفع الإثم عن غيره، وقد روى ابن أبي شَيْبَة عن ابن مسعود: «أنَّ المرورَ بينَ يَدَي المصلِّي يَقطَع نِصفَ صَلاتِه»، وروى أبو نُعَيم عن عمر: «لَو يعلمُ المصلِّي ما ينقُصُ مِنْ صلاتِه بالمرورِ بينَ يَدَيهِ ما صلَّى إلَّا إلى شَيءٍ يَستُرهُ مِنَ الناسِ»، فهذان الأثران يقتضيان أن الدفع لخلل يتعلَّق بصلاة المصلِّي ولا يختص بالمارِّ، وهما وإن كانا موقوفين لفظًا فحكمهما حكم الرفع؛ لأنَّ مثلهما لا يقال بالرأي. انتهى. قلت: وما المانع من أن يكون الدفع لخلل يقع في صلاته ولدفع الإثم عن المارِّ؟ لأنَّه ورد أنَّ عليه إثم كما ورد أنَّ المرور يقطع نصف الصَّلاة. انتهى. فيه اتِّخاذ السترة للمصلِّي وزَعَمَ ابن العربيِّ أنَّ النَّاس اختلفوا في وجوب وضع السترة بين يدي المصلِّي على ثلاثة أقوال: الأوَّل: إنَّه واجب، فإن لم يجد وضع خطًّا، وبه قال أحمد، كأنَّه اعتمد حديث ابن عُمَر الذي صححه الحاكم: «لا تصلُّوا إلَّا إلى سترةٍ، ولا تدعْ أحدًا يمرُّ بينَ يديكَ»، وعند أبي نُعَيم في كتاب «الصَّلاة»: حدَّثنا سُلَيمان - أظنُّه عن حُمَيْد بن هلال - قال عُمَر بن الخطَّاب: «لو يعلمُ المصلِّي ما ينقصُ» الحديثَ المتقدِّم. الثاني: إنَّها مستحبَّة، ذهب إليه أبو حنيفة ومالك والشافعي. والثالث: جواز تركها، روي ذلك عن مالك، قال العَيني: قال أصحابنا - أي الحنفيَّة -: الأصل في السترة إنَّها مستحبَّة، وقال إبراهيم النخعيُّ: كانوا يستحبُّون إذا صلَّوا في الفضاء أن يكون بين أيديهم ما يسترهم، وقال عطاء: لا بأس بترك السترة، وصلَّى القاسم وسالم في الصَّحراء إلى غير سترة، ذكر ذلك كلَّه ابن أبي شَيْبَة في «مصنَّفه»، واعلم أنَّ الكلام في هذا على عشرة أنواع: الأوَّل: أنَّ السترة واجبة أو لا، وقد مرَّ الكلام فيها الآن. والثاني: مقدار موضع يكره المرور فيه قيل موضع سجوده، وهو اختيار شمس الأئمَّة السرخسي وشيخ الإسلام وقاضي خان، وقيل: مقدار صفَّين أو ثلاثة، وقيل: بثلاثة أذرع، وقيل: بخمسة أذرع، وقيل: بأربعين ذراعًا، وقدَّر الشَّافعي وأحمد بثلاثة أذرع، ولم يحدَّ مالك في ذلك حدًّا، إلَّا أنَّ ذلك بقدر ما يركع فيه ويسجد
1 / 17
ويتمكَّن من دفع من يمرُّ بين يديه.
والثالث: إنَّه يستحبُّ لمن يصلِّي في الصحراء أن يتخذ أمامه سترة، وروى أبو داود من حديث أبي هريرة ﵁ أنَّ رسول الله ﷺ قال: «إذا صلَّى أحدُكم فليجعلْ تلقاءَ وجهِهِ شيئًا، فإنْ لمْ يجدْ فلينصبْ عصًا، فإنْ لمْ يكنْ معهُ عصًا فليخطَّ خطًّا، ولا يضرُّه ما مرَّ أمامَه»، وخرَّجه ابن حبَّان في «صحيحه»، وذكر عبد الحقِّ: أنَّ ابن المديني وأحمد بن حنبل صحَّحاه، وقال عياض: هذا الحديث ضعيف وإن كان قد أخذ به أحمد، وقال سُفْيان بن عيينة: لم نجد شيئًا نَشُدُّ به هذا الحديث. وكان إسماعيل بن أميَّة إذا حدَّث بهذا الحديث يقول: عندكم شيء تشدُّون به، وأشار الشَّافعي إلى ضعفه، وقال النَّوَوي: فيه ضعف واضطراب، وقال البَيْهَقي: ولا بأس به في مثل هذا الحكم.
الرابع: مقدار السترة قدر ذراع، وقد ذكرنا الكلام فيه مستوفى فيما مضى عن قريب.
الخامس: ينبغي أن تكون في غلظ الإصبع؛ لأنَّ ما دونه لا يبدو للناظر من بعيد.
السادس: يقرب من السترة، وقد مرَّ الكلام فيه مستوفى في باب سترة الإمام سترة لمن خلفه.
السابع: أن يجعل السترة على حاجبه الأيمن أو على الأيسر، وأخرج أبو داود من حديث المقداد بن الأسود قال: «ما رأيتُ رسولَ اللهِ ﷺ يصلِّي إلى عودٍ ولا عمودٍ ولا شجرةٍ إلَّا جعلَهُ على حاجبِهِ الأيمنَ أو الأيسرَ ولا يصمدُ لهُ صمدًا» يعني: لم يقصده قصدًا بالمواجهة، والصَّمْد: القصد في اللغة.
الثامن: أنَّ سترة الإمام سترة للقوم، وقد مرَّ الكلام فيه.
التاسع: ذكر أصحابنا - أي الحنفيَّة - أنَّ المعتبر الغرز دون الإلقاء والخطِّ؛ لأنَّ المقصود هو الدرء، فلا يحصل بالإلقاء ولا بالخطِّ، وفي «مبسوط» شيخ الإسلام: إنَّما يغرز إذا كانت الأرض رخوة، فأما إذا كانت صلبة لا يمكنه فيضع وضعًا؛ لأنَّ الوضع قد روي كما روي الغرز، لكن يضع طولًا لا عرضًا، وروى أبو عصمة عن محمَّد: إذا لم يجد سترة قال: لا يخطُّ بين يديه؛ فإنَّ الخطَّ وتركه سواء؛ لأنَّه لا يبدو للناظر من بعيد، وقال الشَّافعي بالعراق - أي في القول القديم-: إن لم يجد ما يغرز يخطُّ خطًّا طولًا، وبه أخذ بعض المتأخِّرين، وفي «المحيط» للحنفيَّة: الخطُّ ليس بشيء، وفي «الذخيرة» للقرافيِّ من المالكيَّة: الخطُّ باطل، وهو قول الجمهور، وجوَّزه أَشْهَب في «العتبية» وهو قول سعيد بن جُبَير والأوزاعيُّ والشافعيُّ بالعراق، ثمَّ قال بمصر - أي في القول الجديد -: لا يخطُّ، والمانعون أجابوا عن حديث أبي هريرة المذكور: إنَّه ضعيف، وقال عبد الحقِّ: ضعَّفه جماعة، وقال ابن حزم في «المحلَّى»: لم يصحَّ في الخطِّ شيء، ولا يجوز القول به.
العاشر: أنَّ السترة إذا كانت مغصوبة فهي معتبرة عندنا - أي الحنفيَّة - وعن أحمد: تبطل صلاته، ومثله الصَّلاة في الثَّوب المغصوب عنده. انتهى. قلت: وعند الشَّافعي تصحُّ الصَّلاة في الثَّوب والدَّار المغصوبين. انتهى.
وفيه: أنَّ الدرء، وهو دفع المارِّ بين يدي المصلِّي، هل هو واجبٌ أم نَدْبٌ؟ فقال النَّوَوي: هذا الأمر أعني قوله: (فَلْيَدْفَعْهُ) أمرُ نَدْبٍ
متأكّد، ولا أعلم أحدًا من الفقهاء أوجبه. قال العَيني: قال أهل الظَّاهر بوجوبه لظاهر الأمر، فكأن النَّوَوي ما اطلع على هذا، أو ما اعتدَّ بخلافهم. وقال ابن بطَّال: اتفقوا على دفع المارِّ إذا صلَّى إلى سترة، فأمَّا إذا صلَّى إلى غير السترة فليس له؛ لأنَّ التصرف والمشي مباح لغيره في ذلك الموضع الذي يصلِّي فيه، فلم يستحق أن يمنعه إلَّا ما قام الدليل عليه، وهي السترة الَّتي وردت السنَّة بمنعها. وفيه: إنَّه لا يجوز له المشي إليه من موضعه ليردَّه، وإنَّما يدافعه ويردُّه من موضعه؛ لأنَّ مفسدة المشي في الصَّلاة أعظم من مروره بين يديه، وإنَّما أبيح له قدر ما يناله من موقفه، وإنَّما يردُّه إذا كان بعيدًا منه بالإشارة والتَّسبيح ولا يجمع بينهما، وقال إمام الحرمين: لا ينتهي دفع المارِّ إلى منع محقق، بل يُومئ ويشير برفق في صدر من يمرُّ به. وفي «الكافي» للرُّويانيِّ: يدفعه ويصبر على ذلك وإن أدَّى إلى قتله، وقيل: يدفعه دفعًا شديدًا أشدّ من الدرء، ولا ينتهي إلى ما يفسد صلاته، وهذا هو المشهور عند مالك وأحمد، وقال أشهب في «المجموعة»: إن قرب منه درأه ولا ينازعه، فإن مشى له ونازعه لم تبطل صلاته، وإن تجاوزه لا يردُّه؛ لأنَّه مرور ثانٍ. وكذا رواه ابن القاسم من أصحاب مالك، وبه قال الشَّافعي وأحمد، وقال ابن مسعود وسالم: يردُّه من حيث جاء، وإذا مرَّ بين يديه ما لا تؤثر فيه الإشارة كالهرَّة قالت المالكية: دفعه برجله أو ألصقه إلى السُّترة. وفيه: فإن أبى فليقاتله، قال عياض: أجمعوا على أنَّه لا يلزمه مقاتلته بالسلاح ولا بما يؤدِّي إلى هلاكه، فإن دفعه بما يجوز فهلك من ذلك فلا قَوَد عليه باتِّفاق العلماء، وهل تجب ديَّته أم يكون هدرًا؟ فيه مذهبان للعلماء، وهما قولان في مذهب مالك، قال ابن سُفْيان: عليه الدية في ماله كاملة، وقيل: هي على عاقلته، وقيل: هدر. ذكره ابن التِّين. واختلفوا في معنى: (فَلْيُقَاتِلْهُ) والجمهور على أنَّ معناه: الدفع بالقهر، لا جواز القتل، والمقصود: المبالغة في كراهة المرور، وأطلق جماعة من الشافعيَّة: أنَّ له أن يقاتله حقيقةً، وردَّ ابن العربيِّ ذلك وقال: المراد بالمقاتلة المدافعة، وقال بعضهم: معنى (فَلْيُقَاتِلْهُ): فليلعنه، قال الله تعالى: ﴿قُتِلَ الخَرَّاصُوْنَ﴾ [الذاريات: ١٠] أي لعنوا، وأنكره بعضهم، وقال ابن المنذر: يدفع في نحره أوَّل مرَّة، ويقاتله في الثانية وهي المدافعة وقيل: المقاتلة بعد الثالثة، وقيل: يؤاخذه على ذلك بعد إتمام الصَّلاة ويؤنِّبه، وقيل: يدفعه دفعًا أشدّ من الردِّ مُنْكِرًا عليه، وفي «التَّمهيد»: العمل القليل في الصَّلاة جائز، نحوَ قتل البرغوث، وحكِّ الجسد، وقتل العقرب بأخفِّ من الضرب، ما لم تكن المتابعة والطول والمشي إلى الفُرَج إذا كان ذلك قريبًا، ودرء المصلِّي، وهذا كلُّه ما لم يكثر، فإن كثر فسد، قلت: إذا قتل برغوثًا في صلاته بطلت إذا كان قتله على شيء من جسده أو ثيابه. انتهى. وفيه: أنَّ المارَّ كالشَّيطان في إنَّه شغل قلبه عن مناجاة ربِّه. وفيه: إنَّه يجوز أن يقال للرجل إذا
متأكّد، ولا أعلم أحدًا من الفقهاء أوجبه. قال العَيني: قال أهل الظَّاهر بوجوبه لظاهر الأمر، فكأن النَّوَوي ما اطلع على هذا، أو ما اعتدَّ بخلافهم. وقال ابن بطَّال: اتفقوا على دفع المارِّ إذا صلَّى إلى سترة، فأمَّا إذا صلَّى إلى غير السترة فليس له؛ لأنَّ التصرف والمشي مباح لغيره في ذلك الموضع الذي يصلِّي فيه، فلم يستحق أن يمنعه إلَّا ما قام الدليل عليه، وهي السترة الَّتي وردت السنَّة بمنعها. وفيه: إنَّه لا يجوز له المشي إليه من موضعه ليردَّه، وإنَّما يدافعه ويردُّه من موضعه؛ لأنَّ مفسدة المشي في الصَّلاة أعظم من مروره بين يديه، وإنَّما أبيح له قدر ما يناله من موقفه، وإنَّما يردُّه إذا كان بعيدًا منه بالإشارة والتَّسبيح ولا يجمع بينهما، وقال إمام الحرمين: لا ينتهي دفع المارِّ إلى منع محقق، بل يُومئ ويشير برفق في صدر من يمرُّ به. وفي «الكافي» للرُّويانيِّ: يدفعه ويصبر على ذلك وإن أدَّى إلى قتله، وقيل: يدفعه دفعًا شديدًا أشدّ من الدرء، ولا ينتهي إلى ما يفسد صلاته، وهذا هو المشهور عند مالك وأحمد، وقال أشهب في «المجموعة»: إن قرب منه درأه ولا ينازعه، فإن مشى له ونازعه لم تبطل صلاته، وإن تجاوزه لا يردُّه؛ لأنَّه مرور ثانٍ. وكذا رواه ابن القاسم من أصحاب مالك، وبه قال الشَّافعي وأحمد، وقال ابن مسعود وسالم: يردُّه من حيث جاء، وإذا مرَّ بين يديه ما لا تؤثر فيه الإشارة كالهرَّة قالت المالكية: دفعه برجله أو ألصقه إلى السُّترة. وفيه: فإن أبى فليقاتله، قال عياض: أجمعوا على أنَّه لا يلزمه مقاتلته بالسلاح ولا بما يؤدِّي إلى هلاكه، فإن دفعه بما يجوز فهلك من ذلك فلا قَوَد عليه باتِّفاق العلماء، وهل تجب ديَّته أم يكون هدرًا؟ فيه مذهبان للعلماء، وهما قولان في مذهب مالك، قال ابن سُفْيان: عليه الدية في ماله كاملة، وقيل: هي على عاقلته، وقيل: هدر. ذكره ابن التِّين. واختلفوا في معنى: (فَلْيُقَاتِلْهُ) والجمهور على أنَّ معناه: الدفع بالقهر، لا جواز القتل، والمقصود: المبالغة في كراهة المرور، وأطلق جماعة من الشافعيَّة: أنَّ له أن يقاتله حقيقةً، وردَّ ابن العربيِّ ذلك وقال: المراد بالمقاتلة المدافعة، وقال بعضهم: معنى (فَلْيُقَاتِلْهُ): فليلعنه، قال الله تعالى: ﴿قُتِلَ الخَرَّاصُوْنَ﴾ [الذاريات: ١٠] أي لعنوا، وأنكره بعضهم، وقال ابن المنذر: يدفع في نحره أوَّل مرَّة، ويقاتله في الثانية وهي المدافعة وقيل: المقاتلة بعد الثالثة، وقيل: يؤاخذه على ذلك بعد إتمام الصَّلاة ويؤنِّبه، وقيل: يدفعه دفعًا أشدّ من الردِّ مُنْكِرًا عليه، وفي «التَّمهيد»: العمل القليل في الصَّلاة جائز، نحوَ قتل البرغوث، وحكِّ الجسد، وقتل العقرب بأخفِّ من الضرب، ما لم تكن المتابعة والطول والمشي إلى الفُرَج إذا كان ذلك قريبًا، ودرء المصلِّي، وهذا كلُّه ما لم يكثر، فإن كثر فسد، قلت: إذا قتل برغوثًا في صلاته بطلت إذا كان قتله على شيء من جسده أو ثيابه. انتهى. وفيه: أنَّ المارَّ كالشَّيطان في إنَّه شغل قلبه عن مناجاة ربِّه. وفيه: إنَّه يجوز أن يقال للرجل إذا
1 / 18
فتن في الدين: إنَّه شيطان، كما مرَّ عن ابن بطَّال.
وفيه: أنَّ الحكم للمعاني لا للأسماء؛ لأنَّه يستحيل أن يصير المارُّ شيطانًا بمروره بين يديه، وقد علمت ما فيه مما مرَّ.
وفيه: دفع الأمور إنَّما هو بالأسهل فالأسهل.
وفيه: أنَّ في المنازعات لا بدَّ من الرَّفع إلى الحاكم، ولا ينتقم الخصم بنفسه.
وفيه: أنَّ رواية العدل مقبولة وإن كان الرَّاوي له منتفعًا به.
قلت: وفيه سؤال الحاكم من المدَّعى عليه برفق وإن كان الكلام الفاحش في المجاوزة لا يُؤاخذ به إذا لم يعلم المتكلِّم أنَّ الحقَّ غيره. انتهى.
(١٠١) (بَابُ إِثمِ المَارِّ بَينَ يَدَي المُصَلِّي) أي هذا بابٌ في بيان إثم المارِّ بين يدي المصلِّي، وأصل المارٍّ: مارِرٌ، فأسكنت الرَّاء الأولى وأُدغمت في الثَّانية، والإدغام في مثله واجب.
٥١٠ - قوله: (حَدَّثَنَا عَبدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ) أي التَّنِّيسي.
قوله: (أَخْبَرَنا مَالِكٌ) أي الإمام، ترجمتهما في بدء الوحي.
قوله: (عَنْ أَبي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَر بنِ عُبَيْدِ اللهِ) -أي بفتح النُّون وسكون الضَّاد المعجمة- اسمه: سالم، ترجمته في باب المسح على الخفَّين.
قوله: (عَن بُسْرِ بنِ سَعِيْدٍ) أي -بضمِّ الباء الموحَّدة وسكون السين المهملة- الحضرمي المدني الزَّاهد، مات ولم يخلِّف كفنًا.
قوله: (إِنَّ زَيْدَ بنَ خَالِدٍ) أي الجُهَني الصَّحابي، ترجمته في باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره.
قوله: (أَرْسَلَهُ إِلى أَبِي جُهَيْمٍ) أي عامر بن حُذَيفة العدوي القُرَشي، ترجمته في باب إذا صلَّى في ثوب لها أعلام ونظر إلى علمها. قوله: (يَسْأَلُهُ).
وفي هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في موضع واحد، والإخبار كذلك، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه تابعي وصحابيان، وفيه أبو جُهَيم بالتصغير، مرَّ في باب التيمم في الحضر، وقال ابن عبد البرِّ: راوي حديث المرور هو غير راوي حديث التيمم، وقيل غير ذلك، وقد تقدَّم ذلك كلُّه.
قوله: (مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ في المارِّ بَينَ يَدَي المُصَلِّي؟ فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ: قَالَ رَسُولِ اللهِ ﷺ: لَوْ يَعْلَمُ المارُّ بَينَ يَدَي المُصَلِّي مَاذَا عَلَيهِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَربَعِيْنَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَينَ يَدَيْهِ. قالَ أَبو النَّضْرِ: لَا أَدْرِي أَقَالَ: أَربَعِيْنَ يَوْمًا أَو شَهْرًا أَوْ سَنَةً). مطابقته للترجمة ظاهرة.
وهذا الحديث أخرجه بقيَّة الستَّة، وقال ابن ماجه: حدَّثنا هشام بن عمَّار حدَّثنا ابن عُيَيْنَة عن أبي النَّضْر عن بُسر قال: أرسلوني إلى زيد بن خالد أسأله عن المرور بين يدي المصلِّي فأخبرني عن النَّبِيِّ ﷺ قال: «لَأَنْ يقومَ أربعينَ خيرًا لَهُ مِنْ أنْ يمرَّ بينَ يديهِ»، قال سفيان: ولا أدري أربعين سنة أو شهرًا أو صباحًا أو ساعةً.
وفي «مسند البزَّار»: أخبرنا أحمد بن عَبْدَة حدَّثنا سُفْيان به، وفيه: أرسلني أبو جُهَيم إلى زيد بن خالد فقال: «لأنْ يقومَ أربعينَ خريفًا خيرٌ لهُ مِنْ أنْ يقومَ بينَ يديهِ»، وقال أبو عُمَر في «التَّمهيد»: رواه ابن عُيَيْنَة مقلوبًا، والقول عندنا قول مالك ومَن تابعه. وقال
ابن القطَّان في حديث البزَّار: خَطِئ فيه ابن عُيَيْنَة، وليس خطؤه بمتعين؛ لاحتمال أن يكون أبو جُهيم بعث بُسرًا إلى زيد، وزيد بعثه إلى أبي جُهَيم يستثبت كلُّ واحد ما عند الآخر، فأخبر كلٌّ منهما بمحفوظه، فشكَّ أحدُهما وجزم الآخر، واجتمع ذلك كلُّه عند أبي النَّضْر. انتهى. قال شيخنا: تعليل الأئمَّة للأحاديث مبني على غلبة الظنِّ، فإذا قالوا: أخطأ فلان في كذا، لم يتعيَّن خطؤه في نفس الأمر، بل هو راجح الاحتمال فيُعتمد، ولولا ذلك لما اشترطوا انتفاء الشاذِّ، وهو ما يخالف الثقةُ فيه من هو أرجحُ منه في حدِّ الصحيح. انتهى. قال العَيني: قول مالك في «الموطأ»: لم يُختلف عليه فيه أنَّ المرسل هو زيد، وأنَّ المرسل إليه هو أبو جُهيم. وتابعه سُفْيان الثَّوْري عن أبي النَّضْر عند مسلم وابن ماجَهْ وغيرهما، وخالفهما ابن عُيَيْنَة عن أبي النَّضْر فقال: عن بُسر بن سعيد قال: أرسلني أبو جُهَيم إلى زيد بن خالد أسأله، فذكر هذا الحديث. قلت: هذا عكس متن «الصحيحين»؛ لأنَّ المسؤول فيهما هو أبو الجُهَيم، وهو الرَّاوي عن النَّبِيِّ ﷺ، وعند البزَّار: المسؤول زيد بن خالد. انتهى. قوله: (مَاذَا عَلَيْهِ) أي من الإثم والخطيئة، وفي رواية الكُشْمِيهَني: <مَاذَا عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ> وليس هذه الزيادة في شيء من الروايات غيره، وكذا في «الموطأ» ليست هذه الزيادة وكذا في سائر المسندات والمستخرجات، غير أنَّه وَقَعَ في «مصنَّف ابن أبي شَيْبَة»: «ماذا عليه» يعني: من الإثم. انتهى. قال شيخنا: فيحتمل أن يكون ذكرت حاشية فظنَّها الكُشْمِيْهَني أصلًا؛ لأنَّه لم يكن من أهل العلم ولا من الحفَّاظ، وقد عزاها المحبُّ الطَّبَري في «الأحكام» للبخاريِّ وأطلق، فعيب ذلك عليه وعلى صاحب «العمدة» في إيهامه إنَّها في «الصحيحين»، وأنكر ابن الصَّلاح في «مشكل الوسيط» على من أثبتها في الخبر فقال: لفظ الإثم ليس في الحديث صريحًا، ولما ذكره النَّوَوي في «شرح المهذب» بدونها قال: وفي رواية رُوِّيناها في «الأربعين» لعبد القادر الرَّهاوي: «ماذا عليه من الإثم». انتهى. قال العَيني: قوله: (مَاذَا عَلَيْهِ) كلمة (ما) استفهام، ومحلُّه الرَّفع على الابتداء، وكلمة (ذا) إشارة خبره، والأَولى أن تكون (ذا) موصولة بدليل افتقاره إلى شيء بعده؛ لأنَّ تقديره: ماذا عليه من الإثم، ثمَّ إن (مَاذَا عَلَيْهِ) في محلِّ النَّصب على أنَّه سدَّ مسدَّ المفعولين لقوله: (لَوْ يعْلَم) وقد عُلِّق عمله بالاستفهام. قوله: (بَيْنَ يَدَي المُصَلِّي) أي أمامه بالقرب منه، وعبر باليدين لكون أكثر الشغل يقع بينهما، وقد تقدَّم حدُّ ذلك، فقيل: إذا مرَّ بينَه وبين مقدار سجوده، وقيل: بينَه وبين مقدار ثلاثة أذرع، وقيل: بينَه وبين قدر رميةٍ بحجر. قوله: (لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَربَعِيْنَ) وقد ذكرنا: أنَّ في رواية ابن ماجه: «أربعين سنة أو شهرًا أو صباحًا أو ساعةً»، وفي رواية البزَّار: «أربعين خريفًا»، وفي «صحيح ابن حبَّان» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «لو يعلمُ أحدُكم ما لهُ في أن يمرَّ بين يدي أخيه معترضًا
ابن القطَّان في حديث البزَّار: خَطِئ فيه ابن عُيَيْنَة، وليس خطؤه بمتعين؛ لاحتمال أن يكون أبو جُهيم بعث بُسرًا إلى زيد، وزيد بعثه إلى أبي جُهَيم يستثبت كلُّ واحد ما عند الآخر، فأخبر كلٌّ منهما بمحفوظه، فشكَّ أحدُهما وجزم الآخر، واجتمع ذلك كلُّه عند أبي النَّضْر. انتهى. قال شيخنا: تعليل الأئمَّة للأحاديث مبني على غلبة الظنِّ، فإذا قالوا: أخطأ فلان في كذا، لم يتعيَّن خطؤه في نفس الأمر، بل هو راجح الاحتمال فيُعتمد، ولولا ذلك لما اشترطوا انتفاء الشاذِّ، وهو ما يخالف الثقةُ فيه من هو أرجحُ منه في حدِّ الصحيح. انتهى. قال العَيني: قول مالك في «الموطأ»: لم يُختلف عليه فيه أنَّ المرسل هو زيد، وأنَّ المرسل إليه هو أبو جُهيم. وتابعه سُفْيان الثَّوْري عن أبي النَّضْر عند مسلم وابن ماجَهْ وغيرهما، وخالفهما ابن عُيَيْنَة عن أبي النَّضْر فقال: عن بُسر بن سعيد قال: أرسلني أبو جُهَيم إلى زيد بن خالد أسأله، فذكر هذا الحديث. قلت: هذا عكس متن «الصحيحين»؛ لأنَّ المسؤول فيهما هو أبو الجُهَيم، وهو الرَّاوي عن النَّبِيِّ ﷺ، وعند البزَّار: المسؤول زيد بن خالد. انتهى. قوله: (مَاذَا عَلَيْهِ) أي من الإثم والخطيئة، وفي رواية الكُشْمِيهَني: <مَاذَا عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ> وليس هذه الزيادة في شيء من الروايات غيره، وكذا في «الموطأ» ليست هذه الزيادة وكذا في سائر المسندات والمستخرجات، غير أنَّه وَقَعَ في «مصنَّف ابن أبي شَيْبَة»: «ماذا عليه» يعني: من الإثم. انتهى. قال شيخنا: فيحتمل أن يكون ذكرت حاشية فظنَّها الكُشْمِيْهَني أصلًا؛ لأنَّه لم يكن من أهل العلم ولا من الحفَّاظ، وقد عزاها المحبُّ الطَّبَري في «الأحكام» للبخاريِّ وأطلق، فعيب ذلك عليه وعلى صاحب «العمدة» في إيهامه إنَّها في «الصحيحين»، وأنكر ابن الصَّلاح في «مشكل الوسيط» على من أثبتها في الخبر فقال: لفظ الإثم ليس في الحديث صريحًا، ولما ذكره النَّوَوي في «شرح المهذب» بدونها قال: وفي رواية رُوِّيناها في «الأربعين» لعبد القادر الرَّهاوي: «ماذا عليه من الإثم». انتهى. قال العَيني: قوله: (مَاذَا عَلَيْهِ) كلمة (ما) استفهام، ومحلُّه الرَّفع على الابتداء، وكلمة (ذا) إشارة خبره، والأَولى أن تكون (ذا) موصولة بدليل افتقاره إلى شيء بعده؛ لأنَّ تقديره: ماذا عليه من الإثم، ثمَّ إن (مَاذَا عَلَيْهِ) في محلِّ النَّصب على أنَّه سدَّ مسدَّ المفعولين لقوله: (لَوْ يعْلَم) وقد عُلِّق عمله بالاستفهام. قوله: (بَيْنَ يَدَي المُصَلِّي) أي أمامه بالقرب منه، وعبر باليدين لكون أكثر الشغل يقع بينهما، وقد تقدَّم حدُّ ذلك، فقيل: إذا مرَّ بينَه وبين مقدار سجوده، وقيل: بينَه وبين مقدار ثلاثة أذرع، وقيل: بينَه وبين قدر رميةٍ بحجر. قوله: (لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَربَعِيْنَ) وقد ذكرنا: أنَّ في رواية ابن ماجه: «أربعين سنة أو شهرًا أو صباحًا أو ساعةً»، وفي رواية البزَّار: «أربعين خريفًا»، وفي «صحيح ابن حبَّان» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «لو يعلمُ أحدُكم ما لهُ في أن يمرَّ بين يدي أخيه معترضًا
1 / 19
في الصَّلاة، كان لَأَن يقيمَ مائةَ عامٍ خيرٌ لهُ مِنَ الخطوةِ الَّتي خطَا»، وفي «الأوسط» للطبرانيِّ عن عبد الله بن عَمْرو مرفوعًا: «إن الذي يمرُّ بين يدي المصلِّي عمدًا يتمنَّى يومَ القيامةِ إنَّه شجرةٌ يابسةٌ»، وفي «المصنَّف» عن عبد الحميد عاملِ عُمَر بن عبد العزيز ﵁ قال ﵇: «لوْ يعلمِ المارُّ بينَ يدي المصلِّي ما عليهِ، لَأَحبَّ أنْ تنكسرَ فخذَه ولا يمرَّ بينَ يديه»، وقال ابن مسعود: المارُّ بين يدي المصلِّي أبغض من الممرِّ عليه. وكان إذا مرَّ أحد بين يديه التزمه حتَّى يردَّه. وقال ابن بطَّال: قال عُمَر ﵁: لكان يقوم حولًا خير له من مروره. وقال كعب الأحبار: لكان أن يخسف به خير له من أنْ يمرَّ بين يديه.
قال العَيني: قوله: (لكان) جواب لو، وكلمة (أن) مصدريَّة، والتقدير: لو يعلم المارُّ ما الذي عليه من الإثم من مروره بين يدي المصلِّي، لكان وقوفه أربعين خيرًا له من أن يمرَّ، أي من مروره بين يديه. وقال الكِرْماني: جواب لو ليس هو المذكور؛ إذ التقدير: لو يعلم ماذا عليه لوقف أربعين، ولو وقف أربعين لكان خيرًا له. قال العَيني: لا ضرورة إلى هذا التقدير، وهو تصرف فيه تعسُّف، وحقُّ التركيب ما ذكرناه. انتهى.
قال شيخنا: قوله: (خَيْرًا لَهُ) في روايتنا بالنَّصب على أنَّه خبر كان، ولبعضهم: «خَيْرٌ» بالرفع، وهي رواية الترمذي، وأعربها ابن العربيِّ على إنَّها اسم كان، وأشار إلى أنَّ تسويغ الابتداء بالنكرة لكونها موصوفة، ويحتمل أن يقال: إنَّ اسمها ضمير الشأن، والجملة خبرها. انتهى.
قوله: (قَالَ أَبُو النَّضْرِ) قال الكِرْماني: إما من كلام مالك فهو مسند، وإما تعليق من البخاري، قال شيخنا: هو كلام مالك، وليس من تعليق البخاري؛ لأنَّه ثابت في «الموطأ» من جميع الطرق، وكذا ثبت في رواية النَّوَوي وابن عُيَيْنَة كما ذكرنا.
قوله: (أَقَالَ) الهمزة فيه للاستفهام، وفاعله بُسرٌ أو رسول الله ﷺ، كذا قاله الكِرْماني، وقال العَيني: الظَّاهر إنَّه بُسر بن أبي أميَّة.
قوله: (لَا أَدْرِي أَقَالَ أَربَعِينَ يَومًا أَو شَهرًا أَو سَنَةً) لأنَّه ذكر العدد - أعني أربعين- ولا بدَّ له من مميِّز؛ لأنَّه لا يخلو عن هذه الأشياء، وقد أبهم ذلك ههنا، فإن قلت: ما الحكمة فيه؟ قال الكِرْماني: وأبهم الأمر؛ ليدلَّ على الفخامة، وإنَّه مما لا يُقادَر قَدْره ولا يدخل تحت العبارة. قال العَيني: الإبهام ههنا من الراوي، وفي نفس الأمر العدد معيَّن، ألا ترى كيف تعيَّن فيما رواه ابن ماجَهْ من حديث أبي هريرة: «لكانَ أنْ يقفَ مائةَ عامٍ» الحديث كما ذكرنا؟ وكذا عين في «مسند البزَّار» من طريق سُفْيان بن عُيَيْنَة: «لكان أن يقف أربعين خريفًا»، وقال الكِرْماني: فإن قلت: هل للتخصيص بالأربعين حكمة معلومة؟ قلت: أسرار أمثالها لا يعلمها إلَّا الشَّارع، ويحتمل أن يكون ذلك؛ لأنَّ الغالب في أطوار الإنسان أنَّ كمال كلِّ طور بأربعين كأطوار النطفة، فإنَّ كلَّ طور منها بأربعين، وكمال عدل الإنسان في أربعين سنة، ثمَّ الأربعة
أصل جميع الأعداد؛ لأنَّ أجزاءه هي عشرة، ومن العشرات المئات، ومنها الألوف، فلما أُريد التكثير ضُوعف كلٌّ إلى عشرة أمثاله. انتهى. قال العَيني: غفل الكِرْماني عن رواية المائة حيث قصر في بيان الحكمة. قال بعضهم: في التنكيت على الكِرْماني: بأن هذه الرواية تشعر بأن إطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر، لا لخصوص عدد معين. قال العَيني: لا ينافي رواية المائة عن بيان وجه الحكمة في الأربعين، بل ينبغي أن يطلب وجه الحكمة في كلِّ منهما؛ لأنَّ لقائل أن يقول: لم أطلق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر ولِمَ لَمْ يذكر الخمسين أو ستين أو نحو ذلك؟ والجواب الواضح الشافي في ذلك: أنَّ تعيين الأربعين للوجه الذي ذكره الكِرْماني، وأمَّا وجه ذكر المائة فما ذكره الطَّحاوي: إنَّه قيد بالمائة بعد التقييد بالأربعين لزيادة تعظيم الأمر على المار؛ لأنَّ المقام مقام زجر وتخويف وتشديد. فإن قلت: من أين علم أنَّ التقييد بالمائة بعد التقييد بالأربعين؟ قال العَيني: وقوعها معًا مستبعد؛ لأنَّ المائة أكثر من الأربعين، وكذا وقوع الأربعين بعد المائة؛ لعدم الفائدة، وكلام الشَّارع كلُّه حكمة وفائدة، والمناسبة أيضًا تقتضي تأخير المائة عن الأربعين. قال شيخنا: ومميز الأربعين إن كان هو السنة ثبت المدعى، أو ما دونها من باب إطلاق الأولى. انتهى. فإن قلت: قد علم فيما مضى وجه الحكمة في الأربعين، فما وجه الحكمة في تعيين المائة؟ قال العَيني: المائة وسط بالنسبة إلى العشرات والألوف، وخير الأمور أوساطها، وهذا مما تفرَّد به العَيني كما قاله. قال النَّوَوي: فيه دليل على تحريم المرور؛ فإنَّ معنى النَّهي الأكيد والوعيد الشديد يدلُّ على ذلك. انتهى. ومقتضى ذلك: أن يعدَّ المرور من الكبائر. وفيه أخذ القرين على قرينه ما فاته واستثباته فيما سمع معه. وفيه الاعتماد على خبر الواحد؛ لأنَّ زيدًا اقتصر على النزول مع القدرة على العلو اكتفاء برسوله المذكور. وفيه استعمال لو في باب الوعيد، ولا يدخل ذلك في النهي؛ لأنَّ محلَّ النهي: أن يشعر بما يعاند المقدور كما سيأتي حيث أورده المصنِّف إن شاء الله تعالى. تنبيهات: أحدها: استنبط ابن بطَّال من قوله: (لَوْ يَعْلَمُ) أنَّ الإثم يختصُّ بمن يعلم بالنَّهي وارتكبه، قال شيخنا: وأخذه من ذلك فيه بعدٌ، لكن هو معروف من أدلَّة أخرى. قال العَيني: ليس فيه بعد؛ لأنَّ لو للشرط، فلا يترتب الحكم المذكور إلَّا عند وجوده. ثانيها: ظاهر الحديث أنَّ الوعيد المذكور يختصُّ بمن مرَّ، لا بمن وقف عامدًا بين يدي المصلِّي أو قعد أو رقد، إن كانت العلَّة فيه التشويش على المصلِّي فهم في معنى المارَّ. ثالثها: ظاهر عموم النَّهي في كلِّ مصلِّي، وخصَّه بعض المالكيَّة بالإمام والمنفرد؛ لأنَّ المأموم لا يضرُّه من مرَّ بين يديه؛ لأنَّ سترة إمامه له سترة له، أو إمامه سترة له. انتهى. قال شيخنا: والتعليل المذكور لا يطابق المدَّعى؛ لأنَّ السترة تفيد رفع الحرج عن المصلِّي لا عن
أصل جميع الأعداد؛ لأنَّ أجزاءه هي عشرة، ومن العشرات المئات، ومنها الألوف، فلما أُريد التكثير ضُوعف كلٌّ إلى عشرة أمثاله. انتهى. قال العَيني: غفل الكِرْماني عن رواية المائة حيث قصر في بيان الحكمة. قال بعضهم: في التنكيت على الكِرْماني: بأن هذه الرواية تشعر بأن إطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر، لا لخصوص عدد معين. قال العَيني: لا ينافي رواية المائة عن بيان وجه الحكمة في الأربعين، بل ينبغي أن يطلب وجه الحكمة في كلِّ منهما؛ لأنَّ لقائل أن يقول: لم أطلق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر ولِمَ لَمْ يذكر الخمسين أو ستين أو نحو ذلك؟ والجواب الواضح الشافي في ذلك: أنَّ تعيين الأربعين للوجه الذي ذكره الكِرْماني، وأمَّا وجه ذكر المائة فما ذكره الطَّحاوي: إنَّه قيد بالمائة بعد التقييد بالأربعين لزيادة تعظيم الأمر على المار؛ لأنَّ المقام مقام زجر وتخويف وتشديد. فإن قلت: من أين علم أنَّ التقييد بالمائة بعد التقييد بالأربعين؟ قال العَيني: وقوعها معًا مستبعد؛ لأنَّ المائة أكثر من الأربعين، وكذا وقوع الأربعين بعد المائة؛ لعدم الفائدة، وكلام الشَّارع كلُّه حكمة وفائدة، والمناسبة أيضًا تقتضي تأخير المائة عن الأربعين. قال شيخنا: ومميز الأربعين إن كان هو السنة ثبت المدعى، أو ما دونها من باب إطلاق الأولى. انتهى. فإن قلت: قد علم فيما مضى وجه الحكمة في الأربعين، فما وجه الحكمة في تعيين المائة؟ قال العَيني: المائة وسط بالنسبة إلى العشرات والألوف، وخير الأمور أوساطها، وهذا مما تفرَّد به العَيني كما قاله. قال النَّوَوي: فيه دليل على تحريم المرور؛ فإنَّ معنى النَّهي الأكيد والوعيد الشديد يدلُّ على ذلك. انتهى. ومقتضى ذلك: أن يعدَّ المرور من الكبائر. وفيه أخذ القرين على قرينه ما فاته واستثباته فيما سمع معه. وفيه الاعتماد على خبر الواحد؛ لأنَّ زيدًا اقتصر على النزول مع القدرة على العلو اكتفاء برسوله المذكور. وفيه استعمال لو في باب الوعيد، ولا يدخل ذلك في النهي؛ لأنَّ محلَّ النهي: أن يشعر بما يعاند المقدور كما سيأتي حيث أورده المصنِّف إن شاء الله تعالى. تنبيهات: أحدها: استنبط ابن بطَّال من قوله: (لَوْ يَعْلَمُ) أنَّ الإثم يختصُّ بمن يعلم بالنَّهي وارتكبه، قال شيخنا: وأخذه من ذلك فيه بعدٌ، لكن هو معروف من أدلَّة أخرى. قال العَيني: ليس فيه بعد؛ لأنَّ لو للشرط، فلا يترتب الحكم المذكور إلَّا عند وجوده. ثانيها: ظاهر الحديث أنَّ الوعيد المذكور يختصُّ بمن مرَّ، لا بمن وقف عامدًا بين يدي المصلِّي أو قعد أو رقد، إن كانت العلَّة فيه التشويش على المصلِّي فهم في معنى المارَّ. ثالثها: ظاهر عموم النَّهي في كلِّ مصلِّي، وخصَّه بعض المالكيَّة بالإمام والمنفرد؛ لأنَّ المأموم لا يضرُّه من مرَّ بين يديه؛ لأنَّ سترة إمامه له سترة له، أو إمامه سترة له. انتهى. قال شيخنا: والتعليل المذكور لا يطابق المدَّعى؛ لأنَّ السترة تفيد رفع الحرج عن المصلِّي لا عن
1 / 20