Mazid Fath al-Bari Bisharh al-Bukhari - Manuscript
مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط
Maison d'édition
عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري
Lieu d'édition
https
Genres
المعنى بعينه مقصودًا في أمر آخر وبأنَّه ليس في الخبر نصَّ على أنَّ كلًّا من الطائفتين أكثر عملًا؛ لصدقَ أنَّ كلَّهم مجتمعين أكثر عملًا من المسلمين، وباحتمال أن يكون أطلق ذلك تغليبًا، وباحتمال أن يكون ذلك قول اليهود خاصَّة، فيندفع الاعتراض من أصله كما جزم به بعضهم، ويكون نسبة ذلك للجميع في الظَّاهر غيرَ مرادةٍ، بل هو عموم أريد به الخصوص، وبأنه لا يلزم من كونهم أكثر عملًا أن يكونوا أكثر زمانًا؛ لاحتمال كون العمل في زمهم كان أشقَّ، ويؤيده قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]. انتهى.
في حديث الباب تفضيل هذه الأمَّة وتوقير أجرها مع قلَّة العمل، وإنَّما فُضِّلت لقوَّة يقينها ومراعاة أصل دينها، فإن زلَّت فأكثر زلَلِها في الفروع بخلاف من كان قبلهم، كقولهم: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا﴾ [الأعراف: ١٣٨] وكامتناعهم من أخذ الكتاب حين نتق الجبل فوقهم، و﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا﴾ [المائدة: ٥٤].
قال شيخنا: ومما يؤيِّد كون المراد كثرة [العمل] (^١) وقلَّته لا بالنسبة إلى طول الزَّمان وقصره، كون أهل الأخبار متفقين على أنَّ المدَّة الَّتي بين عيسى ونبينا ﵇ دون المدَّة الَّتي بين نبينا وقيام [السَّاعة] (^٢) لأنَّ جمهور أهل المعرفة قالوا: إنَّ مدَّة الفترة بين عيسى ونبيِّنا ستمائة سنة وسيأتي الخلاف فيه، وهذه مدَّة المسلمين بالمشاهدة أكثر من ذلك، فلو تمسَّكنا بأن المراد التمثل بطول الزمانين وقصرهما للزم أن يكون وقت العصر أطول من وقت الظُّهر ولا قائل به، فدلَّ على المراد كثرة العمل وقلَّته، والله أعلم. انتهى.
وفيه ما استنبطه بعضهم: أنَّ مدَّة المسلمين من حين ولد سيدنا رسول الله ﷺ إلى قيام السَّاعة ألف سنة، وذلك أنَّه جعل النَّهار نصفين، الأوَّل لليهود فكانت مدَّتهم ألف سنة وستمائة سنة وزيادة في قول ابن عبَّاس رواية أبي صالح عنه، وفي قول ابن إِسْحاق ألف سنة وتسعمائة سنة وتسع عشرة سنة، وللنصارى كذلك، فكانت مدَّة النصارى الَّتي لا يختلف النَّاس إنَّه كان بين عيسى ونبيِّنا ﵇ ستمائة سنة، فبقي للمسلمين ألف سنة وزيادة.
قال شيخنا: قال جمهور أهل المعرفة بالأخبار: إنَّ مدَّة الفترة بين عيسى ونبيِّنا ﵈ ستمائة سنة، وثبت ذلك في صحيح البخاري عن سلمان، وقيل: إنَّها دون ذلك، حتَّى جاء عن بعضهم: إنَّه مائة وخمس وعشرون سنة. انتهى.
قال العَيني: وفيما قاله: أي من قوله: (التي لا تختلف الناس) إلى آخره، نظر من حيث إنَّ الخلاف في مدَّة الفترة، فذكر الحاكم في «الإكليل»: إنَّها مائة وخمس وعشرون سنة، وذكر: إنَّها أربعمائة سنة، وقيل: خمسمائة وأربعون سنة، وعن الضَّحَّاك: أربعمائة وبضع وثلاثون سنة، وقد ذكر السُّهَيلي أنَّ جعفر بن عبد الواحد الهاشمي حدَّث بحديث مرفوع: «إنْ أحسنَت أمَّتي فبقاؤها يومٌ من أيَّام الدُّنْيا وذلك ألف سنة، وإنْ أساءت فنصف يوم»، وفي حديث زمل الخزاعي قال: «رأيتك يا رسول الله على منبر له سبع
(^١) العمل: ليس في الأصل، وإنما أثبتت من فتح الباري. (^٢) الساعة: ليس في الأصل، وإنما أثبتت من فتح الباري.
درجات، إلى جنبك ناقة عجفاء كأنَّك تبعتَها، ففسَّر له النَّبِيُّ ﷺ الناقة بقيام السَّاعة الَّتي أنذر بها، ودرجات المنبر عدة الدُّنْيا سبعة آلاف سنة، بعُث في آخرها ألفًا» قال السُّهَيلي: والحديث وإن كان ضعيف الإسناد فقد روي موقوفًا على ابن عبَّاس من طرقٍ صحاح إنَّه قال: «الدنيا سبعة أيَّام كلُّ يوم ألف سنة»، وصحح الطَّبَري هذا الأصل وعضده بآثار.
قال العَيني: وفيه ما استدلَّ به بعض أصحابنا على أنَّ آخر وقت الظُّهر ممتد إلى أن يصير ظلُّ كلِّ شيء مثليه، وذلك إنَّه جعل لنا من الزَّمان من الدُّنْيا في مقابلة مَن كان قبلنا من الأمم بقدر ما بين صلاة العصر إلى غروب الشَّمس، وهو يدُّل أنَّ بينهما أقل من ربع النَّهار؛ لأنَّه لم يبق من الدُّنْيا ربع الزمان؛ لقوله ﵇: «بُعِثْتُ أَنَا والسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ» وأشار بالسبَّابة والوسطى، فشبَّه ما بقي من الدُّنْيا إلى قيام السَّاعة مع ما انقضى بقدر ما بين السبَّابة والوسطى من التفاوت، قال السُّهَيلي: وبينهما نصف سبع؛ لأنَّ الوسطى ثلاثة أسباع، كلُّ مفصل منها سبع، وزيادتها على السبَّابة نصف سبع، والدُّنْيا على ما قدَّمناه عن ابن عبَّاس سبعة آلاف سنة، فلكل سبع ألفا سنة، وفضلت الوسطى على السبَّابة بنصف الأَنملة، وهو ألف سنة فيما ذكره أبو جعفر الطَّبَري وغيره، وزَعَمَ السُّهَيلي أنَّ بحساب الحروف المقطَّعة أوائل السور تكون تسعمائة سنة وثلاث سنين، وهل هي من مبعثه أو هجرته أو وفاته؟ والله أعلم.
٥٥٨ - قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ) أي بضمِّ الكاف، واسمه محمَّد بن العلاء، ترجمته في باب فضل من عَلِمَ وعَلَّمَ.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ) أي حمَّاد بن أسامة، ترجمته في الباب أيضًا.
قوله: (عَنْ بُرَيْدٍ) أي بضمِّ الباء الموحدة، ابن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري الكوفي، يكنَّى أبا بردة، ترجمته في باب أيُّ الإسلام أفضل.
قوله: (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ) أي عامر، وهو جدُّ بريد المذكور، ترجمته في الباب أيضًا.
قوله: (عَنْ أَبِي مُوْسَى) أي عبد الله بن قيس ﵁، ترجمته في الباب أيضًا.
في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في أربع مواضع، وفيه القول، وفيه رواية الرجل عن جدِّه ورواية الابن عن أبيه، وفيه أنَّ رواته ما بين كوفي وبصري، وفيه ثلاثة بالكُنى.
قوله: (عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: مَثَلُ المُسلِمِينَ، وَاليَهُودِ، وَالنَّصَارَى، كَمَثَلِ رَجُلٍ استَأجَرَ قَومًا يَعمَلُونَ عَمَلًا إِلَى اللَّيْلِ، فَعَمِلُوا إِلَى نِصْفِ النَّهار، وقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ، فاسْتَأجَرَ آخَرِيْنَ، فَقَالَ: أَكْمِلُوا بقيَّة يَومِكُمْ وَلَكُمُ الَّذِي شَرَطْتُ، فَعَمِلُوا حتَّى إِذَا كَانَ حِينُ صَلَاةِ العَصْرِ، قَالُوا: لَكَ مَا عَمِلْنَا، فاسْتَأجَرَ قَومًا عَمَلُوا بقيَّة يَومِهِم، حتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الفَرِيْقَيْنِ).
مطابقة هذا الحديث للترجمة بطريق الإشارة لا بالتصريح، بيان ذلك: أنَّ وقت العمل ممتد إلى غروب الشمس، وأقرب الأعمال المشهورة بهذا الوقت صلاة العصر، وإنما قلنا: بطريق الإشارة؛ لأن هذا الحديث قصد
1 / 79