Mazid Fath al-Bari Bisharh al-Bukhari - Manuscript

Ibrahim ibn Ali al-Nu'mani d. 898 AH
73

Mazid Fath al-Bari Bisharh al-Bukhari - Manuscript

مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط

Maison d'édition

عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري

Lieu d'édition

https

Genres

الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨] قال: تشهَّده ملائكة اللَّيل والنهار. وروى ابن مردويه من حديث أبي الدرداء مرفوعًا نحوه، قال ابن عبد البرِّ: ليس في هذا دفع للرواية الَّتي فيها ذكر العصر؛ إذ لا يلزم من عدم ذكر العصر في الآية والحديث الآخر عدمُ اجتماعهم في العصر؛ لأنَّ السكوت فيه قد يكون في حكم المذكور بدليل آخر، قال: ويحتمل أن يكون الاقتصار وَقَعَ في الفجر لكونها جهريَّة. قال شيخنا: وبحثه الأوَّل متَّجه؛ لأنَّه لا سبيل إلى ادعاء توهُّم الرَّاوي الثِّقة مع إمكان التوفيق بين الروايات، ولا سيَّما أنَّ الزيادة من العدل الضابط مقبولة، ولم لا يقال: إنَّ رواية من لم يذكر سؤال الذين أقاموا في النَّهار وَقَعَ من تقصير بعض الرواة، أو يحتمل قوله: (ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِيْنَ بَاتُوا) على ما هو أعمُّ من المبيت باللَّيل والإقامة بالنَّهار، فلا يختص ذلك بليل دون نهار ولا عكسه، بل كلُّ طائفة منهم إذا صعدت سئلت، وغاية ما فيه إنَّه استعمل لفظ (باتَ) في (أقامَ) مجازًا، ويكون قوله: (فيسألُهم) أي كلُّ من الطائفتين في الوقت الذي يصعد فيه، ويدلُّ على هذا الحمل رواية موسى بن عُقْبَة عن أبي الزناد عند النَّسائي ولفظه: «ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِيْنَ كَانُوا»، فعلى هذا لم يقع في المتن اختصار ولا اقتصار، وهذا أقرب الأجوبة. وقد وَقَعَ لنا هذا الحديث من طريق أخرى واضحًا، وفيه التصريح بسؤال كلٍّ من الطائفتين، وذلك فيما رواه ابن خُزَيمَة في «صحيحه» وأبو العبَّاس السراج جميعًا عن يوسف بن موسى عن جرير عن الأَعْمَش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «تجتمعُ ملائكةُ اللَّيلِ وملائكةُ النَّهار في صلاةِ الفجرِ وصلاةِ العصرِ، فيجتمعُونَ في صلاةِ الفجرِ، فتصعدُ ملائكةُ اللَّيلِ وتبيتُ ملائكةُ النهارِ، ويجتمعُونَ في صلاةِ العصرِ، فتصعدُ ملائكةُ النَّهار وتبيتُ ملائكةُ الليلِ، فيسألُهم ربهُّم: كيفَ تركْتُم عبادِي؟» الحديث، وهذه الرواية تزيل الإشكال وتغني عن كثير من الاحتمالات المتقدمة، فهي المعتمدة، ويحمل ما نقص منها على تقصير بعض الرواة. انتهى. قوله: (فَيَسْأَلُهُمْ) قيل الحكمة فيه: استدعاء شهادتهم لبني آدم بالخير، واستنطاقهم لما يقتضي التعطف عليهم بذلك، وذلك لإظهار الحكمة في خلق نوع الإنسان في مقابلة من قال من الملائكة: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٣٠] أي قد وجد فيهم من يسبِّح ويقدِّس مثلكم بنصِّ شهادتكم. وقال عياض: هذا السؤال على سبيل التعبُّد للملائكة كما أمروا أن يكتبوا أعمال بني آدم، وهو ﷾ أعلم من الجميع بالجميع. قوله: (كَيْفَ تَرَكْتُمْ) قال ابن أبي حمزة: وَقَعَ السؤال عن آخر الأعمال بخواتيمها، قال: والعباد المسؤول عنهم هم الذين ذكروا في قوله تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الإسراء: ٦٥]. انتهى. قلت: اعلم أنَّ العبد هو القائم إلى أوامر سيِّده على حدِّ النَّشاط حيث جعله محلَّ أمره وقد كثرت عبارات القوم في حدِّ العبد والعبوديَّة والعبودة بألفاظ مختلفة ومعاني متقاربة وقد أشبعت الكلام فيها في كتابي «السراج الوهَّاج في حقائق المعراج» فمن أراد تحقيقها فليراجعه. انتهى. قوله: (تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّوْنَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّوْنَ) قال شيخنا: لم يراعوا
الترتيب الوجودي؛ لأنَّهم بدؤوا بالترك قبل الإتيان، والحكمة فيه: أنَّهم طابقوا السؤال؛ لأنَّه قال: (كَيْفَ تَرَكْتُمْ) ولأن المُخبَر به صلاة العباد والأعمالُ بخواتيمها، فناسب ذلك إخبارهم عن آخر أعمالهم قبل أوَّله. قوله: (تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ) ظاهره أنَّهم فارقوهم عند شروعهم في الصلاة، سواء تمَّت أو منع مانعٌ من إتمامها، وسواء شرع الجميع فيها أم لا؛ لأنَّ المنتظر في حكم المصلِّي، ويحتمل أن يكون المراد بقولهم: (وَهُمْ يُصَلُّوْنَ) أي ينتظرون صلاة المغرب. وقال ابن التِّين: الواو في قوله: (وهم يصلُّون) واو الحال، أي تركناهم على هذه الحال، ولا يقال: يلزم منه أنَّهم فارقوهم قبل انقضاء الصَّلاة فلم يشهَّدوها معهم، والخبر ناطق بأنَّهم يشهَّدوها؛ لأنَّا نقول هو محمول على أنَّهم شهدوا الصَّلاة مع من صلَّاها في أوَّل وقتها، وشهِّدوا من دخل فيها بعد ذلك ومن شرع في أسباب ذلك. انتهى. فإن قيل: ما الفائدة في قولهم: (وَأَتَيْنَاهُمْ) وكأنَّ السؤال عن كيفية الترك؟ وأجيب بأنَّهم زادوا في الجواب إظهارًا لبيان فضيلتهم، وحرصًا على ذِكر ما يوجب مغفرتهم كما هو وظيفتهم فيما أخبر الله عنهم بقوله: ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر: ٧]. انتهى. قال شيخنا: ووَقَعَ في «صحيح ابن خُزَيمَة» من طريق الأَعْمَش عن أبي صالح عن أبي هريرة في آخر هذا الحديث: «فاغفرْ لهُمْ يوم الدين». نكتة: استنبط منه بعض الصُّوفيَّة: إنَّه يستحبُّ ألَّا يفارق الشخص شيئًا من أموره إلَّا وهو على طهارة؛ كشعره إذا حلقه، وظفره إذا قلَّمه، وثوبه إذا أبدله، ونحو ذلك. قال ابن خُزَيمَة: ويستفاد من الحديث أنَّ الصَّلاة أعلى العبادات؛ لأنَّها عليها وَقَعَ السؤال والجواب، وفيه الإشارة إلى عظم هاتين الصلاتين؛ لكونهما يجتمع فيهما كلا الطائفتين وفي غيرهما طائفة واحدة، وفيه الإشارة إلى شرف الوقتين المذكورين، وقد ورد: أنَّ الرزق يُقسم بعد صلاة الصُّبح، وأنَّ الأعمال تُرفع آخر النَّهار، فمن كان في طاعة بورك في رزقه وفي عمله، والله ﷾ أعلم. ويترتب عليه حكمة الأمر بالمحافظة عليهما والاهتمام بهما، وفيه تشريف هذه الأمَّة على غيرها، ويستلزم تشريف نبيها عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام على غيره من الأنبياء، وفيه الإخبار بالغيوب ويترتَّب عليه زيادة الإيمان وفيه الإخبار بما نحن فيه من ضبط أحوالنا حتَّى نتيقَّظ ونتحفَّظ في الأوامر والنَّواهي، ونفرح في هذه الأوقات بقدوم رسل ربِّنا وبسؤال ربِّنا عنَّا. قلت: وقد كنت أسمع شيخي وقدوتي السيِّد الشريف أحمد النُّعْماني ﵀ يقول عند صلاة الفجر: مرحبًا بملائكة النَّهار، مرحبًا برسل ربِّي، السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته. انتهى. وفيه إعلامنا بحبِّ ملائكة الله لنا؛ لنزداد فيهم حبًّا ونتقرَّب إلى الله بذلك، وفيه كلام الله تعالى مع ملائكته، وغير ذلك من الفوائد. قال شيخنا: استدلَّ بالحديث بعض الحنفيَّة على استحباب تأخير صلاة العصر؛ ليقع عروج الملائكة إذا فرغ منها آخر النَّهار، وتُعُقِّب بأن ذلك غير لازم؛ إذ ليس في الحديث ما يقتضي أنَّهم لا يصعدون إلَّا ساعة الفراغ من الصلاة، بل جائز أن تفرغ الصَّلاة ويتأخَّروا

1 / 73