Mazid Fath al-Bari Bisharh al-Bukhari - Manuscript

Ibrahim ibn Ali al-Nu'mani d. 898 AH
52

Mazid Fath al-Bari Bisharh al-Bukhari - Manuscript

مزيد فتح الباري بشرح البخاري - مخطوط

Maison d'édition

عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري

Lieu d'édition

https

Genres

لا يحتاج إلى تأويله، فحمله على حقيقته أولى. وقال النَّوَوي نحو ذلك ثمَّ قال: حمله على حقيقته هو الصواب. وقال نحو ذلك الشيخ التُّورِبِشتي، وقال ابن المنيِّر: حمله على الحقيقة هو المجاز؛ لصلاحيَّة القدرة لذلك، ولأنَّ استعارة الكلام للحال وإن عهدت وسمعت لكن الشَّكوى وتفسيرها والتَّعليل والإذن والقبول والتَّنفُّس وقصره على اثنين فقط بعيد من المجاز خارج عما أُلِفَ من استعماله، وقال العَيني: قدرة الله أعظم من ذلك؛ لأنَّه يخلق فيها آلة الكلام كما خلق لهُدهُد سُلَيمان ما خلق من العلم والإدراك كما أخبر الله تعالى عن ذلك في كتابه الكريم، وحكى عن النَّار حيث تقول: ﴿هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ [ق: ٣٠]، وورد: أنَّ الجنَّة إذا سألها عبد أمَّنت على دعائه، وكذا النَّار. انتهى. قلت: ويمكن أن يكون نطقها من غير خلق آلة للنطق، وقد اختلفوا في كيفيَّة نطق الحصى الَّتي سبَّحت في يده ﵇، وكذلك في نطق ذراع الشَّاة الَّتي سمَّتها اليهوديَّة، قال القاضي عياض: واختلف أئمَّة أهل النظر في هذا الباب، فمن قائل يقول: هو كلام يخلقه الله في الشَّاة الميتة أو الحجر أو الشجرة، وحروف وأصوات يُحْدِثُها الله تعالى فيها ويسمعها منها دون تعبير أشكالها ونقلها عن هيئتها، وهو مذهب الشيخ أبي الحسن والقاضي أبي بكر رحمهما الله تعالى وآخرون ذهبوا إلى إيجاد الحياة بها أولًا ثمَّ الكلام بعده، وحكي هذا أيضًا عن شيخنا أبي الحسن، وكلٌّ محتمل، والله أعلم، إذا لم يجعل الحياة شرطًا لوجود الحروف والأصوات؛ إذ لا يتخيَّل وجودها مع عدم الحياة بمجرَّدها، فأمَّا إذا كانت عبارة عن الكلام النَّفسي فلا بدَّ من شرط الحياة لها؛ إذ لا يوجد كلام النَّفس إلَّا من حيٍّ خلافًا للجَبَّائي من بين سائر متكلِّمي الفرق في إحالة وجود الكلام اللَّفظي والحروف والأصوات إلَّا من حيٍّ مركب تركيب من يصحُّ منه النطق بالحروف والأصوات، والتزم ذلك الحصا والجذع والذِّراع وقال: إنَّ الله خلق فيها حياة وخرق لها فمًا ولسانًا وآلة وأمكنها بها من الكلام، وهذا لو كان لكان نقله، والتهمُّم به آكد من التهمُّم بفعل تسبيحه أو حنينه، ولم ينقل أحد من أهل السير والرواية شيئًا من ذلك، فدلَّ على سقوط دعواه مع إنَّه لا ضرورة إليه في النظر، والله الموفق. انتهى. وقال الدَّاوُدي: وكلام النَّار يدلُّ على إنَّها تفهم وتعقل، وقد جاء: إنَّه ليس شيء أسمع من الجنَّة والنَّار، وقد ورد: أنَّ النَّار تخاطب سيَّدنا رسول الله ﷺ، وتخاطب المؤمن بقولها: جُز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي، ورجَّح البَيْضَاوي حمله على المجاز فقال: شكواها مجاز عن غليانها، وأكلها بعضها بعضًا مجاز عن ازدحام أجزائها، وتنفُّسها مجاز عن خروج ما يبرز منها، قال عنترة: وشكى إليَّ بعبرةٍ وتحمحُم وقال آخر: يشكي إليَّ جملي طول السُّرى... مهلًا [جميلًا] (^١) فكلانا مبتلى قوله: (بِنَفَسَينِ) تثنية نفس -بفتح الفاء- وهو ما يخرج من الجوف ويدخل فيه من الهواء. قوله: (نَفَسٍ) في الموضعين بالجرِّ على البدل أو البيان، ويجوز فيهما الرَّفع على أنَّه خبر مبتدأ محذوف والتقدير: أحدهما نفس في الشِّتاء والآخر نفس في الصَّيف، ويجوز

(^١) جميلًا: ليس في الأصل.

فيهما النَّصب على تقدير: أعني نفسًا في الشِّتاء ونفسًا في الصَّيف. قوله: (أَشَدِّ مَا تَجِدُونَ) بجرِّ (أشدِّ) على أنَّه بدل من نفس أو بيان، ويروى بالرَّفع على أنَّه خبر مبتدأ محذوف، أي هو (أَشَدُّ مَا تَجِدُوْنَ)، قال شيخنا: هو في روايتنا بالرَّفع، قال البَيْضَاوي: هو خبر مبتدأ محذوف تقديره: فذلك أشدُّ. وقال الطِّيبيُّ: جَعْلُ أشدُّ مبتدأ محذوف الخبر أولى والتقدير: أشدُّ ما تجدون من الحرِّ من ذلك النَّفس، ويؤيِّد رواية (^١) الوجه الأوَّل رواية الإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ: «فَهُوَ أَشَدُّ»، ويؤيِّد الوجه الثَّاني رواية النَّسائي من وجه آخر بلفظ: «فأشدُّ ما تجدُون مِنَ الحَرِّ مِنْ حَرِّ جهنَّم» وفي اللَّفظ الذي رواه البخاري لفٌ ونشرٌ على غير الترتيب، قلت: لأنَّه لو كان على الترتيب لقال: فأشدُّ ما تجدون من الزمهرير، وأشدُّ ما تجدون من الحرِّ. انتهى. قال شيخنا وهو مرتب في رواية النَّسائي. انتهى. قال العَيني: ولا مانع من حصول الزمهرير من نفس النَّار؛ لأنَّ المراد من النَّار محلُّها وهو جهنَّم وفيها طبقة زمهريريَّة. انتهى. قلت: يدلُّ على ذلك حديث مرفوع رواه عُثْمان الدَّارمي وغيره: «إذا كان يوم شديد الحرِّ فقال العبد: لا إله إلَّا الله ما أشدَّ حرَّ هذا اليوم! اللَّهمَّ أجرني من حرِّ جهنَّم، قال الله تعالى لجهنَّم: إنَّ عبدًا من عبادي قد استجار بي منك وقد أجرته، وإذا كان يوم شديد البرد فقال العبد: لا إله إلَّا الله ما أشدَّ برد هذا اليوم! اللَّهمَّ أجرني من زمهرير جهنَّم، قال الله تعالى لجهنَّم: إنَّ عبدًا من عبادي قد استجار بي من زمهريرك، وإنِّي أشهدك أني قد أجرته، قالوا: ما زمهرير جهنَّم؟ قال: بيت يلقى فيه الكافر فيتمزَّق من شدَّة برده». انتهى. ويقال: لا منافاة في الجمع بين الحرِّ والبرد في النَّار؛ لأنَّ النَّار عبارة عن جهنَّم، وقد ورد: أنَّ في بعض زواياها نارًا وفي أخرى الزمهرير، وليس محلًّا واحدًا يستحيل أن يجتمعا فيه. قال العَيني: الذي خلق الملك من ثلج ونار قادر على جمع الضدَّين في محلٍّ واحد، وأيضًا فالنَّار من أمور الآخرة، والآخرة لا تقاس على أمر الدنيا. انتهى. قلت: قد أرانا الله تعالى في الدُّنْيا من جمع النَّار والماء أنواعًا، منها الصَّواعق الَّتي تنزل مع المطر الشديد، وقد أحرقت هذه النَّار أماكن كثيرة مع نزولها مع الماء، وأيضًا ترى النَّار في الماء الحارِّ - أعني المالح - على هيئة السُّرُج على وجه الماء، وأيضًا إذا أخذ الماء من البحر المالح ونُثر تراه يطير شرارًا، وقد نبه الله تعالى على هذه القدرة بقوله: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا﴾ [يس: ٨٠]. انتهى. وفي «التَّوضيح» قال ابن عبَّاس: خلق الله النَّار على أربعة، فنار تأكل وتشرب، ونار لا تأكل ولا تشرب، ونار تشرب ولا تأكل، وعكسه، فالأولى منها الملائكة، والثانية الَّتي في الحجارة، وقيل: الَّتي رجعت لموسى ليلة المناجاة، والثالثة الَّتي في البحر، وقيل: الَّتي خُلقت منها الشَّمس، والرابعة نار الدُّنيا، ونار جهنَّم تأكل لحومهم وعظامهم ولا تشرب دموعهم ولا دماءهم، بل يسيل ذلك إلى عين الخبال، وأخبر الشارع: أنَّ عصارة أهل النَّار شراب من مات مُصرًّا على شرب الخمر، والذي في الصحيح: أنَّ نار الدُّنْيا خلقت من نار جهنَّم، وقال: قال ابن عبَّاس: ضربت بالماء سبعين مرَّة، ولولا ذلك ما انتفع بها الخلائق. وإنَّما خلقها الله تعالى؛ لأنَّها

(^١) كذا في الأصل، ولعلها زائدة.

1 / 52