فأغلى الله سومه، حتى يَرِدَه من قد أطال عليه حومه، ثم قال:
لا تأمننَّ من الزّمان تقلُّبَا ... إنَّ الزّمانَ بأهلِهِ يتقلّبُ
ولقد أراني والليوث تخافني ... وأخافني من بعد ذاك الثعلبُ
حَسبُ الكريمِ مذلّةً ومهانةً ... ألاّ يزالُ إلى لئيمٍ يُطلَبُ
فلمّا بلغ المجلس جلس في آخره دون أن يسلّم على أحد، أو يومئ إليه بعين أو يد، فلمّا أخذ مجلسه تسرّع إليه الوزير محمد بن حَفص بن جابر فعنَّفه واستجفاه،
وأنكر عليه ترك السلام وجفاه، وجعفر معرض عنه، إلى أن كثر القول منه، فقال له: يا هذا، جهلتَ المبرّة، فاستجهلتَ معلّمها، وكفرت اليد فقصدت بالأذى ولم ترهب مقدّمها، ولو أتيتُ نكرًا لكان غَيرُك أدرى، وقد وقعتَ في أمر ما أظنك تخلص منه، ولا يسعك السكوت عنه، ونسيت الأيادي الجميلة، والمبرّات الجليلة، فلمّا سمع محمد بن حَفص ذلك من قوله، قال: هذا البَهَتُ بعينه، وأيّ أياديك الغرّ التي منَنت بها، وعنيتَ أداء واجبها؟ أيدُ كذا أم يدُ كذا؟ وعددَ أشياء أنكرها منه أيام إمارته، وتصرّف
1 / 164