حفظت أحاديث الهوى وتضوعت ... نشرًا فيا لله ما أذكاها
وقال بدر الدين بن الصاحب:
أسكرتم ريح الصبا بالشذا ... حتى أذاعت سمرنا بالبطاح
لاتعتبوها إن أذاعت هوى ... فما على السكرى بهذا جناح
وقال بدر الدين حسن العربي (ومولده سنة ست وسبعمائة، ووفاته سنة خمس وخمسين وسبعمائة):
سرت من بعيد الدار لي نسمة الصبا ... فقد أصبحت حسرى من اليسر ظالعه
ومن عرق مبلولة الجيب بالندا ... ومن تعب أنفاسها متتابعة
ولما أنشدتهما السيد القاضي صدر الدين بن الأدمي فسح الله في أجله (مولده سنة ثمان وستين وسبعمائة) قال: لو قال الشيخ بدر الدين: *فقد أصبحت معتلة وهي ظالعة * لكان أحسن من قوله حسرى، ولعمري صدق فيما قاله.
وما ألطف القاضي أمين الدين عثمان بن عطايا في قوله:
أنا أهوى غصن النقا وهولاه ... وفؤادي بحبه في التيه
يا نسيم الصبا ترفق عليه ... وتلطف به ولا تؤذيه
وتحمل رسالة ليس إلا ... كأمين في حملها ارتضيه
وغذا لم يكن رسولي نسيم ... نحو غصن النقا فمن يثنيه
وللشيخ شمس الدين الواسطي، من متأخري شعراء الديار المصرية من موشحه: نسائم الأسحار * بنشرها الفواح * تحرك الأغصان * لأنها أرواح فقم بنا نسعى * لمربع يانع * للماء والمرعى * فيه غدا جامع قد أطرب السمعا *قمرية الساجع كأنما تكرار * غناه في الأدواح * ضرب من العيدان * لمن غدا أو راح ولمؤلف الكتاب لطف الله به:
إن هبت الأرواح من نحوهم ... فانتشتت الأشباح من راحها
لاتعتبونا في الهوى وأسكنوا ... اشباحنا حنت لأرواحها
ولم أر أحدًا وصف الريح غير الأديب أبي القاسم أسعد بن علي الكاتب المترسل في قوله:
كأن شكل الهلال قرط ... أو عطفه النون أو قلامه
كأن لون الهواء ماء ... أو سندس رق أو غمامة
حكي أن نور الدين علي بن سعيد صاحب المرقص والمطرب مر مع جماعة من الأدباء المصريين ومنهم أبو الحسين الجزار فمروا في طريقهم بمليح نائم تحت شجرة وقد هب الهوى فكشف ثيابه عنه، فقال أبو الحسين الجزار قفوا لينظم كل واحد منا في هذا شيئًا، قال فما لبث ان قال نور الدين:
الريح أقود ما يكون لأنها ... تبدي خبايا الردف والأعكان
وتميل بالأغصان عند هبوبها ... حتى تقبل أوجه الغدران
وكذلك العشاق يتخذونها ... رسلًا إلى الأحباب والأوطان
فقال أبو الحسين ما بقي أحد منا يأتي بمثل هذا سيروا بنا.
وقال النور الأسعردي (ووفاته سنة ست وخمسين وستمائة):
تميل الريح بالأغصان لطفًا ... كما مالت بشاربها العقار
وتجمع بينها من بعد بعدٍ ... وأوراق الغصون لها آزار
وتخفق غيرة عند التلاقي ... فهل أبصرت قوادًا يغار
وما أحسن قوله وإن كان في غير ما نحن فيه:
أعدي سقام جفونه ... جسمي وأعدمني الكرا
حتى اعتللت بسرعة ... مثل النسيم إذا سرى
وأنشدني من لفظه لنفسه الشيخ العلامة عز الدين أبي الخير علي ابن أبي الشيخ بهاء الدين الحسين الموصلي تغمده الله بالرحمة:
تغمده الله بالرحمة:
ربَّ نسيم قد سرى ... تحدو سحابا ممطرًا
أذياله بليلة ... تخبرنا بما جرى
وأنشدني من لفظه لنفسه سيدي الشيخ وأخي تقي الدين أبي بكر بن حجة الحموي فسح الله في أجله، من قصيدة تنبوية اولها:
شدت بكم العشاق لما ترنموا ... فغنوا وقد طاب المقام وزمزم
وضاع شذاكم بين سلع وحاجز ... فكان دليل الظاعنين إليكم
ولما روى أخبار نشر ثغوركم ... أراك الحمى جاء الهوى يبتسم
وقال القاضي مجير الدين بن عبد الظاهر:
شكر النسمة أرضهم ... كم بلغت عني تحية
كم قد أطالت بل أطا ... بت في رسائلها الزكية
لا غرو أن حفظت أحا ... ديث الهوى فهي الذكية
ومن هنا أخذ صلاح الدين الصفدي قوله وهو حسن عندي:
يا طيب نشر هب لي من أرضكم ... فآثار كامن لوعتي وتهتكي
أهدي تحيتكم وأشبه لطفكم ... وروى شذاكم إن ذا نشر ذكي
وقال شهاب الدين أبي حجلة مخاطبًا صلاح الدين:
1 / 23