وجودِهِ يكونُ نفيُهُ عنهُ حقًّا، ووجوبُ وجودِهِ يَنفي أنْ يكونَ وجودُهُ مفتقِرًا إلى شيءٍ، مَع أنَّ ذلكَ الشَّيءَ مستغنٍ عنهُ، فإنّا إذا قدَّرْنا شيئًا مُستغنِيًا عنهُ وهوَ لا يوجَدُ إلَّا بهِ لم يكُنْ وجودُهُ بنفسِهِ فقَط، بَلْ وبذلكَ الغير، أمّا إذا قدَّرْنا ما هوَ مفتقِرٌ إلى الواجبِ لا تَستغني عنهُ ألبتّةَ، والواجبُ بنفسِهِ مستلزِمٌ لهُ لم يكُنْ وجوبُ الوجودِ مانعًا لذلكَ، فإنَّ وجودَهُ بنفسِهِ لكِنَّ نفسَهُ استلزمَتْ أُمورًا لا يوجدُ إلَّا بها، بَلْ هؤلاءِ المتفلسِفةُ المشّاؤُونَ يزعمونَ أنَّ العالَمَ لازمٌ لهُ لا ينفَكُّ عنهُ، ولا يمكنُ وجود بدونِ وجودِ العالَم، ومَع هذا فهوَ واجبٌ بنفسِه، فإذا جعلُوهُ مُستلزِمًا لأمورٍ منفصلةٍ عنهُ، ولم يقدَحْ ذلكَ في وجوبِ وجودٍ عندَهم فكيفَ يقدَحُ في وجوبِ وجودِهِ أنْ يكونَ مُستلزِمًا لِما لا ينفصلُ عنهُ، وإنْ جازَ أنْ يُقالَ: هوَ فقيرٌ إلى لوازمِهِ فليكُنْ فقيرًا إلى العالم، وتلكَ اللَّوازمُ إذا سُمِّيَتْ شروطًا أو صفاتٍ أو أجزاءً أو أغيارًا كانَتْ هذهِ كُلُّها عباراتٍ، وإذا عُرفتِ الحقائقُ العقليّةُ لَم يبالِ العاقلُ بكثرةِ العِبارات، وأهلُ الضَّلالةِ أكثرُ ما يلبسونَ على الجُهّالِ بعباراتٍ مُشتبهةٍ هائلةٍ، فإذا حقَّقَها العارفُ وجدَها فارغةً مِنَ المعنى تستحقُّ أنْ يُقالَ لها: "أسمعُ جَعْجعةً ولا أرى طِحْنًا"، وإذا كانَ كذلكَ وقيلَ: إنَّ وجودَهُ مستلزِم لماهيَّتِهِ أو لصفاتٍ لهُ أو نحوِ ذلكَ مِنَ اللَّوازم لم يكُنْ وجوبُ الوجودِ مانِعًا مِنْ ذلكَ، لأنَّ هذهِ الأُمورَ ليسَتْ مستغنيةً عنهُ، ولا عِلّةً فاعلةً لهُ، ووجوبُ وجودِهِ بنفسِهِ يَنفي أنْ يكونَ لهُ فاعلٌ أو عِلّةٌ فاعلةٌ، سواءٌ كانَتْ تلكَ العِلّةُ أو الفاعلُ معلولًا لهُ، أو لم تكُنْ، فإذا لم تكُنْ معلولًا لهُ، فالأمرُ ظاهرٌ، فمَنْ كانَ لهُ فاعلٌ مستغنٍ عنهُ كانَ ممكنًا بنفسِه، ليسَ لهُ مِنَ الوجوبِ بنفسِهِ شيءٌ، وهذا حالُ الممكِناتِ كُلِّها معَهُ ﷾؛ فإنَّ
1 / 63