وَحدتِهِ، ووَحدتُهُ مخصّصةٌ، وَتعيُّنُهُ مِنْ غيرِ أنْ يتمايزَ وجوبٌ عَنْ وجودٍ ووجودٌ عَنْ ماهيّةٍ وحقيقةٍ، فهذا توحيدُ الفلاسِفة، أعني الفلاسِفةَ المشّائينَ أتباعَ أرسطو الذينَ تبصَّرَ ابنُ سِينا وأمثالُهُ طريقَهم، وإلَّا فالفلاسِفةُ أنواعٌ مختلِفونَ اختلافًا كثيرًا أعظمَ مِنِ اختلافاتِ كُلِّ طائفةٍ، فما مِنْ مِلّةٍ، وإنْ بدَّلَتْ دِينَها كاليهودِ والنَّصارى ومُشرِكي العرَبِ إلّا واختلافُهم أقلُّ مِنِ اختلافِ الفلاسِفةِ. ثمَّ مع هذا التَّوحيدِ يُناقِضونَ بإثباتِ كثرةٍ وتعدُّدٍ، ويدَّعونَ مَع ذلكَ أنَّ ذلكَ كُلَّهُ يرجعُ إلى سلبِ أو إضافةٍ أو مركَّبٍ مِنْ سلبٍ وإضافةٍ، فيَجمعونَ بينَ النَّقيضَتينِ ويخالَفونَ العقلَ الصَّريحَ الذي لم يكَذِبْ قَطُّ مع مخالفتِهم الأنبياءَ والمرسلينَ، فيقولونَ: إنَّه عاقل ومعقول وعقل، وإنَّه عاشق ومعشوق لذيذ وملتذ، ويقولونَ: إنَّ لهُ عنايةً، بل قَد يقولونَ: إنَّهُ مريدٌ وقادرٌ وحيٌّ وعالمٌ وقديمٌ وباقٍ، ويقولونَ: موجودٌ وواجبٌ، وقد يقولونَ أيضًا: هوَ جوهرٌ، وقد لا يقولونَ ذلكَ، ويقولونَ: إنَّهُ جوَادٌ، ويقولونَ: إنَّهُ خير محضٌ، والمقصودُ هنا أنْ مستنَدَهم في كُلِّ ما ينفونَهُ عنهُ مِنْ حَقٍّ وباطلٍ إنَّما هوَ واجبُ الوجود، وقد يكونُ نفيُهم حقًّا، وقد يكونُ باطلًا، فهُم إذا نَفَوْا واجبينِ ضمنوا هذا الكلامَ أنَّهُ لا يكونُ لهُ صفاتٌ، وضمنوا أنَّهُ ليسَ للعالم فاعلٌ غيرُهُ، فهذا الثّاني حقٌّ، وهوَ توحيدُ الرُّبوبيّة، لكِنَّ دليلَهم عليهِ باطلٌ، وما بَنوهُ عليهِ مِنْ نفيِ الصِّفاتِ باطل، فهُم يلبسونَ الحقَّ بالباطل، فهُم إذا أثبَتُوا وجودًا واجبًا قالوا الحقَّ، بَلْ وأثبتوهُ بحَقٍّ، وإنْ كانَ قد نازعتْهم طائفةٌ في صِحّةِ طريقِهم فيه، وإذا قالوا: إنَّهُ ليسَ للعالَمِ مبدعانِ قالوا الحقَّ لكِنْ لمْ يثبتوهُ، وإذا نَفوا الصِّفاتِ قالوا الباطلَ، وتَناقَضوا في ذلكَ ولم يُثبتوهُ بحُجّةٍ، ولا ريبَ أنَّ كُلَّ ما يُنافي وجوبَ
1 / 62