فلَمْ يصدُرْ عنِ الواحدِ أُمور مختلفةٌ، وهكذا الأمرُ في أفرادِ النَّوع، كالإنسانِ مثلًا، فإنَّ النَّوعَ الواحدَ لا يصدرُ عنهُ أعيانٌ مختلفةٌ البتّةَ، بَلْ ولا يصدُرُ عنهُ معيَّنٌ بحالٍ، وأمّا الإنسانُ المعيَّنُ فلا يصدُرُ عنهُ إلّا واحدٌ معيَّنٌ، فلا يصدُرُ عَنِ الواحدِ بالنَّوعِ أُمورٌ معيَّنةٌ، ولا متَّحدةٌ ولا متعدِّدةٌ ولا متماثلةٌ، ولا مختلفة. وعلى هذا التَّقديرِ فإذا قيلَ: وجودُ كُلٍّ منهُما المعيَّنُ عِلّةٌ لصفاتٍ لهُ معيَّنةٍ لم يكُنْ ذلكَ ممتنِعًا، فإنْ كانَ ذلكَ عارضًا للذّات، بَلْ لو قيلَ: إنَّ وجودَهُ المعيَّنَ علة للماهيّةِ المعيَّنةِ بتقديرِ أنْ يكونَ وجودُهُ عينَ ماهيَّتِهِ لم يَمتنِعْ ذلكَ مِنْ هذا الوجه، وإذا قيلَ على هذا: إنَّ وجودَهُ المعيَّنَ عارضٌ لماهيَّتِهِ المعيَّنةِ لم يكُنِ امتناعه؛ لأنَّ الواحدَ لا يصدُرُ عنه أُمورٌ مختلفةٌ، إذِ الصَّادرُ عَنِ المعيَّنِ معيَّنٌ، لكِنْ إذا جعلَ الوجود الواجب عارضًا للماهيّةِ جازَ أنْ تكونَ موجودةً تارَةً ومعدومةً أُخرى، فتكونَ ممكنةً، وهذا باطل مِنْ تلك الجهة، لا مِنَ الجهةِ التي ذَكروها؛ فإنَّ ماهيّةَ واجبِ الوجودِ لا تكونُ ممكنةَ الوجودِ إذْ هوَ جمعٌ بينَ النَّقيضَينِ.
الوجهُ الرّابعُ: قولُهُ: ولا يجوزُ أنْ يكونَ عِلّةُ الأمرِ العارضِ غيرَهما؛ لأنَّهُ يلزمُ أنْ يكونَ واجبُ الوجودِ مفتقِرًا إلى غيرِهِ.
يقال: وهوَ محال؛ لأنَّ وجوبَ الوجودِ لا يَفتقِرُ إلى غيرِه، يقال لكَ: إذا كانَ عِلّةُ العارضِ غيرَ وجودِ الوجوبِ، وهما متَّفقانِ في وجودِ الوجوب، فمعلومٌ أنَّهما اتَّفَقا في المطلَق، لا في المعيَّنِ، فالعارضُ يكونُ معيَّنًا، لا مطلَقًا، وحينئذٍ فعلةُ المعيَّنِ فإنْ قيلَ: إذا كانَ الوجودُ الواجبُ مَوقوفًا على الماهيّة، صارَ محتاجًا إلى غيرِه، وهذا معنًى يكونُ بهِ معلولًا، قيلَ: الجوابُ عَنْ هذا مِنْ وجوهٍ:
1 / 57