والحجة التي لا تعارض ولا تدافع إنما هي فيما قاله الله ورسوله، وما كان عليه المسلمون في عصر الخلفاء الراشدين والأئمة المهتدين، قبل حدوث البدع وتشعب الأهواء واختلاف الآراء، قال الله -تعالى-: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ ١.
[حماية النبي للتوحيد الخالص]
ولا يخفى على من له دين وإلمام بالعلم النافع أن رسول الله ﷺ حمى حِمى التوحيد، وسد كل طريق يوصل إلى الشرك الأكبر والأصغر، فقد ثبت عنه أنه لما قال له رجل: ما شاء الله وشئت. قال:"أجعلتني لله ندا؟ بل ما شاء الله وحده" ٢.
وفي المسند عن عمران بن حصين ﵁:"أن النبي ﷺ رأى رجلا في يده حلقة من صفر. فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة. فقال: انزعها؛ فإنها لا تزيدك إلا وهنا، وإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا" ٣ فانظر إلى هذه العقوبة العظيمة لمن علق قلبه بحلقة دون الله.
وثبت عنه ﷺ أنه قال:"من تعلق شيئا وكل إليه" ٤ أخرجه النسائي من حديث أبي هريرة. ولأحمد عن عقبة بن عامر:"من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له" ٥، وفي رواية:"من تعلق تميمة فقد أشرك" ٦.
[التمسك بالتوحيد وعدم التعلق بأرواح الأموات]
ومن المعلوم أن التعلق بأرواح الأموات أعظم شركا من تعليق التمائم، وهذا لا يخفى على من له بصيرة في الدين، فإن الفتنة بها أعظم، والتعلق بها أشد. والعبادة عبادة حيثما صرفت: فإن قصرت على المستحق لها وهو الله فهو التوحيد، وإن صرف منها نوع فأكثر لغير الله فهو شرك بالله، قال الله -تعالى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ ٧.
والصحابة ﵃ قد تمسكوا بما علموه من حال نبيهم ﷺ من تحقيق التوحيد وحمايته عن الشرك. فقد ثبت عن حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله ﷺ أنه رأى رجلا في يده خيط من
_________
١ سورة الأنعام آية: ١١٦، ١١٧.
٢ أحمد ١/٢١٤.
٣ ابن ماجه: الطب ٣٥٣١، وأحمد ٤/٤٤٥.
٤ الترمذي: الطب ٢٠٧٢.
٥ أحمد ٤/١٥٤.
٦ أحمد ٤/١٥٦.
٧ سورة النساء آية: ٤٨.
1 / 398