فهذا علة المنع من القسمة والبيع، لأن غلة الأصل قد تنقص فلا يبقى منها إلا بقدر المقدر للوقف أو دونه فيستغرق الأصل.
وأما قولكم: فهي كالخراج في الأرض الخراجية إلى آخره.
فأقول: لا يقاس الوقف على أرض الخراج، وما علمت من العلماء أحدا سبق له مثل هذا القياس، وهو أيضا قياس مع الفارق، فإن الزكاة لا تجب في الوقف على غير معين بخلاف الخراجية، فإنه يجب فيها العشر والخراج ففارقها بذلك.
والخراج الذي وضعه عمررضي الله عنهلا ينقص الغلة، ولا يمنع من هي في يده استغلالها لقلة الخراج، وكل إمام عدل لا يضع على الأرض من الخراج إلا ما تطيقه، فلا يمنع أهلها من الاستغلال؛ فلذلك قال العلماء –رحمهم الله تعالى-: إنه لا يزاد فيه ولا ينقص إلا إذا تغير السبب. ففارقت مسألتنا هذه من هاتين الجهتين أيضا.
فتأمل، فإن هذا الوقف لا يزاد ولا ينقص، ولو لم يبق من المغل إلا قدره.
وقولكم: كما منعوا بيع أرض العَنْوَة لوقفها.
أقول: هذا مما يؤيد المنع من البيع والقسمة في هذه الصورة، وإن كنا نرى أن سبب المنع غير هذا.
وأما قولكم: الثانية: أنهم قد صرَّحوا بجواز قسمة الوقف على جهة واحدة على ما ظهر صاحب الفروع من كلام الأصحاب.
أقول: ما نقلته عن صاحب الفروع صحيح، لكن ذكر في الإنصاف عن القواعد ما يخالف ما في الفروع فقال: وقال في القواعد: هل يجوز قسمته؟ فيه طريقان:
أحدهما: أنه كإفراز الطلق من الوقف، وهو المجزوم به في المحرر.
والطريق الثاني: أنه لا يصح قسمته على الوجهين جميعا على الأصح، وهي طريقة صاحب الترغيب. وعلى القول بالجواز، فهو مختص بما إذا كان وقفا على جهتين، لا على جهة واحدة. صرح به الأصحاب، نقله الشيخ تقي الدين. انتهى.
1 / 377