وإن كان النعيم والحور من مواهب أهل الجنة، فليس بينهما في النفوس تقارب. ولا لفظة) تراكم (مما يجمع بين) الحور (ولا) النعيم (.
ومثله قول بعضهم:
والله لولا أنيقال تغيّرَا ... وصبا وإنْ كان التصابي أجدرَا
لأعاد تُفَّاح الخدود بَنفسجًا ... لثمي وكافورَ الترائب عنبرَا
فالتفاح ليس من جنس البنفسج، لأن التفاح ثمرة والبنفسج زهرة. وقد أجاد في جمعه بين الكافور والعنبر، لأنهما من قبيل واحد. ولو قال:
لأعاد ورد الوَجنتين بنفسجًا ... لَثْمي وكافورَ الترائب عنبرَا
لأجاد الوصف، وأحسن الرصف، لكون الورد من قبيل البنفسج. فهذا النوع فافتقد، وهذا الشرع فاعتمد.
قال أبو الريان: ولفضلاء المولدين سقطات مختلفات في أشعارهم، أذاكرك منها في أشياء، لتستدل بها على أغراضك، لا لطلب الزلات، ولا لاقتفاء العثرات: كان بشار تتباين طبقات شعره، فيصعد] صغيرها [كبيرها، ويهبط قليلها كثيرها. وكذلك كان حبيب بن أوس الطائي. فإذا سمعت جيدهما، كذبت أن رديهما لهما؛ وإذا صح عندك أن ذلك الردي لهما، أقسمت أن جيدهما لغيرهما.
قال: ومما يعاب من الشعر الافتتاحات الثقيلة. مثل قول حبيب أول قصيدة:
هُنَّ عوادي يوسفٍ وصواحبُه ... فعزمًا فَقدْمًا أدرك الشأوَطالبُه
ومثل قول ديك الجنّ أولَ قصيدة:
كأَنها يا كأنه خللَ الخلّة ... وقف الهلوك إذْ بغَمَا
فابتدأ هو وحبيب بُمضمرات على غير مظهرات قبلها، وهو رديء.
قال: ويعاب أيضًا الافتتحات المتطير بها، والكلام المضاد للغرض، كابتداء قصيدة أبي نواس التي أنشدها الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي يهنئه ببنيانه الدار الجديدة، فدخل إليه عند كمالها وقد جلس للهناء والدعاء، وعنده وجوه الناس، فأنشده:
أرَبعَ البِلى إنَّ الخُشوع لبادِي ... عليك وإنّي لم أَخُنك ودادي
فتطير الفضلُ من ذلك ونكس رأسه، وتناظر الناس بعضهم إلى بعض، ثم تمادى فختم الشعر بقوله:
سلامٌ على الدُّنيا إذا ما فُقدتُم ... بنى بَرمك مِن رائحين وغادِي
فكمل جهله، وتم خطؤه؛ وزاد القلوب المتوقعة للخطوب سرعة توقع، واضاف للنفوس المتوجعة بذكر الموت شدة توجع؛ وأراد أن يمدح فهجا، ودخل ليسر فشجا.
قال: وقريب من هذا ما وقع للمتنبي في أول شعر أنشده كافورا:
كفى بكَ داءً أن ترى الموتَ شافيًا ... وحسبُ المنايا أن يكنَّ أمانيَا
فهذا خطاب بالكاف بفتح ولا سيما في أول لقيه، وفي ابتداء واستعطاف ورقية. وفي هذا البيت غير هذا من العيوب سنذكره بعد.
ووق مثل هذا من قبح الاستفتاح في عصرنا، وذلك أن بعض الشعراء أنشد بعض الأمراء في يوم المهرجان فقال:
لا تَقُل بُشْرَى ولكن بُشْرَيَان ... وجهُ من أهوى ووجه المِهْرَجان
فأمر بإخراجه، واستطار بافتتاحه، وحَرمه إحسانه.
قال أبو الريّان: ولو كان هذا الشاعر حاذقًا لكان إصلاح هذا الفساد أيسر الأشياء عليه، وذلك بأن يعكس البيت فيقول:
وجه من أهوى ووجه المِهرجان ... أي بُشرى هي لا بل بُشريان
قال: ويقبح جدًا الإتيان بكلمة القافية معجمة لا ترتبط بما قبلها من الكلام، وإنما هي مفردة لحشو القافية، كقول بعضهم:
فَبُلّغْتَ المنى برغم أعادي ... ك وأبقالك سالمًا ربُّ هود
فأنت ترى غثاثة هذه القافية، والله تعالى رب جميع الخلق وكل شيء، فخص هودًا ﵇ وحده لضعف نقده وعجزه عن الإتيان بقافية تليق وتحسن.
قال: ويقبح أيضا الجفاء في النسب على الحبيب والتضجر ببعده، وغلظة العتاب على صده، كقول أبي نواس:
أجارة بيتينا أبوك غَيورُ ... ومَيْسورُ ما يُرجى لديك عَسيرُ
فإن كنتِ لا خلاّ ولا أنت زوجةٌ ... فلا بَرحت منّا عليك سُتور
وجاورتِ قومًا لا تَزَاورَ بينهم ... ولا قُربَ إلا أن يكون نُشور
1 / 10