الإسلام ، وكسح أشواك الباطل عن صراط شريعة العدل ، وتنبيه الامم على جرائم أعمال من يعبث بقداسة الدين. فكما أن النبي (ص) أول ناهض لنشر الدعوة الإلهية ، يكون الحسين آخر ناهض لتثبيت دعامتها :
قد أصبح الدين منه شاكيا سقما
وما إلى أحد غير الحسين شكا
ولولا هذه المصارحة من (ابن القين)، لما أمكننا استطلاع ما اختبأ بين جوانحه من الولاء الأكيد لمن وجبت لهم العصمة من المهيمن سبحانه ، وقيضهم أعلاما لعباده وحفظة لشرعه ، مع أن التاريخ لم يسجل له غير الموالاة (لعثمان بن عفان)، ومقت ابن الرسول الأطهر (ع).
أما موقف عابس بن أبي شبيب الشاكري يوم البيعة لمسلم بن عقيل بالكوفة ، ويوم الطف ، فيفسر فضله الكثير ، وعقيدته الراسخة بمحبة أهل البيت (عليهم السلام)، وإنه لا يهمه في سبيل حفظ الإمام (ع) ولو في بعض الأناة إزهاق نفسه ، وبذل كل ما لديه من نفيس. فيقول لمسلم بن عقيل حينما شاهد تلك النفوس الخائنة متداكة على البيعة له : إني لا اخبرك عن الناس ، ولا أعلم ما في نفوسهم وما أغرك منهم. ووالله إني احدثك عما أنا موطن نفسي عليه ؛ والله لأجيبنكم إذا دعوتم ، ولاقاتلن معكم عدوكم ، ولأضربن بسيفي دونكم حتى ألقى الله ، لا اريد بذلك إلا ما عند الله (2).
ففسر بهذه الكلمة الموجزة نوايا القوم وخور عزائمهم ، وأنهم مجبولون على الغدر والنفاق ومتابعة الأهواء ، وأنهم لم يرقهم المكاشفة في الميل عنه ؛ لئلا يعود ذلك فتا في عضد البيعة الواهية ، ومثارا للإحن. فأجملوا القول وهم ينتظرون نواجم العاقبة ، وإلا فلم لم يحصل لمسلم بن عقيل الواحد من هؤلاء الآلاف من يدله على الطريق يوم اظلمت عليه الآفاق ، فلم يدر إلى أين يتوجه؟!.
Page 90