يصلي الظهر في حومة الميدان حتى استفهم من أبي الضيم : أنه أدى أجر الرسالة ، ووفي بما أوجبه الله عليه ؛ فيموت جذلا برضى الرب تعالى ، أم هو التقصير فالخيبة والخسران؟ فطمأنه أبو عبد الله (ع) بنيل السعادة بالشهادة ، ولقاء الرسول (ص) قبله.
وما إن فرغ من خطابه حتى قام زهير بن القين البجلي ، يتلو على مسامع الأجيال تعاليم راقية في الدعوة إلى الدين ، أعقبت له الخلود إلى الأبد. فيقول للحسين (ع): والله لوددت أني قتلت ، ثم نشرت ، ثم قتلت حتى اقتل على هذه ألف مرة ، وإن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك ، وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك.
لا شك قي قبول الطاعة من العبد لو كان ما يأتي به من الأعمال بلحاظ الربح يوم الخلود ، ولكن هناك ما هو أبعد غورا وأسمى قصدا ، وهو طاعة أهل اليقين الذين لا يهمهم في أداء ما وجب عليهم ؛ إلا كون المولى سبحانه أهلا للعبادة. وزهير هذا هو وعاء اليقين والإيمان الخالص ، أقرأنا في هذا الموقف نظراته البعيدة ، وعقائده الحقة ، وغاياته السامية من حفظ شخص الإمامة الواجبة من قبل الله تعالى ، والنفوس العزيزة لرسول الله (ص). وإنه لا يريد بعبادته لله تعالى في جهاد أعدائه ، ثواب الآخرة ، والمجازات على الجهود يوم تقسم الاجور على الصالحات ، وإنما أراد بهذه العبادة دفع اليد العادية عما يسوء شخص الرسالة الممتزجة بشخصية حجة الوقت على حد تعبير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عنها.
«حسين مني ، وأنا من حسين» (1). فإن صاحب الشريعة لم يرد بهذا التعبير تعريف الامة بكون شهيد الطف بضعة منه ؛ لما فيه من الركاكة التي يأباها كلام سيد البلغاء ، لإن كل ولد بضعة من أبيه فلا امتياز للحسين (ع)، ولكنه أراد (ص) بهذه الجملة الذهبية ، الإشارة إلى ما ينوء به سيد الشهداء من توطيد اسس
Page 89