فإن يكن ذا وذا عندي قد اجتمعا
لأنت أعظم من ذنبي ومن أملي
فبالله يا حميد الأوصاف، ويا محيي سنة الأشراف، إلا ما عفوت في هذه الكرة، عمن وسوس له أبو مرة.
أنا المذنب الخطاء والعفو واسع
ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو
فقال الغلام: اقطع من الحياة حبل الرجا، فليس لك بعد هذا سبيل إلى النجا، وامتشق خنجره وعليه صال، وكاد يجرعه كأس الوبال، لولا أن سيده أشار إليه بالكف، عن التعجيل عليه بالحتف، وقال: يا عدو نفسك، قد عفونا في هذه الدفعة عن جنايتك، وأغضينا عن خيانتك، فاذهب إلى حيث أردت من البلاد، وإياك والتعرض لضرر أحد من العباد، ثم أمر بإطلاقه من وثاقه، وقال له: إن عدت إلى سوء فعلك، ورجعت إلى خسة أصلك، محوت منك الأثر، وجعلتك عبرة لمن اعتبر، فقبل بين يديه التراب، وانساب انسياب الماء من السحاب، وبعد انصرافه بنحو ساعة من النهار، امتطى السياح متن الطريق في القفار، وواصل السير، بلا نصب ولا ضير، حتى إذا لم يبق بينه وبين مكة الشريفة، سوى مرحلة عزم على أخذ راحة خفيفة، فلما نزل وضربت خيامه، وهيأ له الطعام غلامه، مد بصره إلى جهة الأمام، فرأى خمسة من قطاع الطرق اللئام، وممن وراءهم الخبيث، الذي سلف في حقه الحديث، فأفرغ على نفسه لامته، وأحضر له خادمه كنانته، وأوتر قوسه في الحال، وكان أرمى خلق الله بالنبال، فطلب القوم على الفور كأنه عنترة أو أبو ثور، ورمى أول الخمسة في فؤاده، فهوى قتيلا من صهوة جواده، وألحق بالثاني الثالث، وأصاب الرابع المسمى بالحارث، وهرب الخامس وهو من الحياة يائس، وسمعه الخادم وهو يذم الزمان، ويبكي على فقد الإخوان، ويقول: ليت هذا المشئوم، اللعين المذموم، ما التقى معنا في الفدفد، وساقنا إلى هذا الفارس الأوحد، وليتنا عصيناه ولا أطعناه، وكنا عند مقابلته قتلناه، وأما الخائن الغدار، فبينما هو معول على الفرار، إذ انقض عليه الغلام، ورماه ببعض السهام، فأورده موارد الحمام، وصرم عمره وانقطع الخصام، ووقف على مصرعه، فسمعه يقول من فمه، وهو مضرج على الثرى بدمه، صرعني البغي الوخيم، وهوى بي في مهاوي العذاب الأليم؛ لأني عدلت عن قول القائل من حكماء الأوائل: «الوفاء مليح، والعذر قبيح.»
المقالة الثامنة
في العودة من السفر بالمسرة والصفا، وتهنئة أحد الأصدقاء بالشفا
قال الحسن بن أبي الحسن، المصري الموصوف بالخلق الحسن، لما سئل عما رأى في غيبته باليمن، وما شاهد في تلك الدمن: إني لشغفي بحب السياحة ، وتولعي من عهد نشأتي بالملاحة، قصدت في بعض أسفاري، مع الشيخ أبي إسحاق جاري، التوجه إلى مسقط رأس الفقيه عمارة، الذي لقي بعد العاضد دماره، وما أغنى عنه فضله، ولا أدبه ونبله، فلما نزلنا بساحة هذه البلاد، وجاورنا من فيها من العباد، ألفينا بها فتية من أنصار العلوم، وأكابر الأحبار المتميزين بالفهوم، جنح إلينا من بينهم يعروف أريب، معروف فيما بين أخدانه باللبيب، فمارسناه في جميع الأمور النافعة، فإذا هو في كل شيء منها باقعة، وأعلامه فيها منشورة، ومساعيه في الخير مشكورة، وسماحته حاتمية، ونفسه شريفة عصامية.
نفس عصام سودت عصاما
Page inconnue