Logique et philosophie des sciences
المنطق وفلسفة العلوم
Genres
لوحظت بين العلوم المعيارية الثلاثة أوجه شبه تلفت النظر،
14
وتعين على فهم طبيعتها، فمثلا قبل أن يصبح كل منها علما حقيقيا دراسة وتفكيرا، كان له طابع اجتماعي تلقائي، وكان يتسم بسمة القاعدة الآمرة الشائعة بين الناس. فالأخلاق كانت في مبدأ الأمر، تراثا خارجيا، هو «أخلاق آبائنا» بما فيها من طابع شبه ديني، وبالمثل كان علم الجمال ينحصر في قواعد تقليدية، توقيعية وموسيقية، ترتبط هي الأخرى بالطقوس الدينية، وكذلك كان المنطق، الذي كان مرتبطا بالنحو في بدء الأمر، وكان يفرض نفسه بوصفه مجموعة من القواعد التي هي أشبه بالشعائر الموروثة، ومن الإجراءات اللفظية التنظيمية، وقد اتخذت هذه الأوامر الجماعية في الوعي الفردي صورة الحدس، وصورة الذوق الشخصي؛ فالحاسة الخلقية، والضمير الأخلاقي التلقائي الذي يظن نفسه معصوما من الخطأ، يناظره الذوق في الفن، والبداهة في المنطق، إذ إن البداهة نوع من تذوق الحقيقة. ومن الناس من يبدو عليهم أنهم قد فقدوا كل حاسة أخلاقية، كذلك يتمثل لدى بعضهم - في الظاهر على الأقل - فقدان الذوق الجمالي، كما أن هناك، من وجهة النظر المنطقية «عقولا زائفة»؛ بل هناك من هم أدنى من ذلك، أعني المعتوهين والمجانين.
وستتيح لنا هذه الاعتبارات تحديد منهج ذلك العلم المعياري الذي نحن بصدده ها هنا، أعني المنطق، وتمكننا بوجه خاص من أن ندرك أن المنطق ينبغي له أن يتجه من الطابع التلقائي إلى الطابع القائم على التفكير.
المنطق علم وفن في آن واحد
هل هذا الانتقال من الطابع التلقائي إلى الطابع القائم على التفكير غاية في ذاته، أم أنه يمكن العقل من تحسين العمليات التي يقوم بها، قبل كل علم، من أجل بلوغ الحقيقة؟
كان من المسائل التي أثارت الجدل بين المناطقة الأقدمين ومناطقة العصور الوسطى معرفة ما إذا كان المنطق علما أم فنا: أعني هل هو علم بمعنى أنه معرفة نظرية بحتة للتفكير الصحيح، دون أي تطبيق عملي، أم هو فن بمعنى أنه وسيلة عملية لإجادة التفكير؟ فلنقل إن المنطق علم وفن في آن واحد، إذ إنه يصف عمليات العقل ويحكم عليها، ويضفي عليها قيمة تتفاوت في مكانتها، مما يؤدي به ضرورة إلى إصلاح هذه العمليات وتقويمها.
ولقد كان الاسم الحقيقي الذي أطلق على كتاب المنطق المعروف باسم منطق «بور رويال» المنشور في عام 1662م هو «المنطق أو فن التفكير» وهذا الكتاب يتصدره مقال عرض فيه مؤلفاه أرنو ونيكول
Arnauld et Nicole «الهدف من هذا المنطق الجديد»، ويبدأ المقال بهذه الكلمات «ليس ثمة شيء أجدر بالتقدير من الحكم الفطري الصادق، ومن صواب نظرة العقل في إدراكه للحقيقة وللبطلان.» فهما إذن يحكمان بأن المنطق نافع في اكتساب هذه الصفات، وبالمثل نشر ديكارت في 1637م «المقال في المنهج، من أجل إرشاد العقل والبحث عن الحقيقة في العلوم».
ومن المؤكد أنه لا ينبغي الغلو في تقدير القيمة العملية للمنطق، فلنلاحظ أولا أن المنطق، لما كان يلي سيكولوجية الذهن في مرتبته، فإنه يفترض ثقافة سابقة واسعة، كما يفترض معلومات عديدة، وفضلا عن ذلك، فمن الجائز أن يكون الأعداء الحقيقيون للحقيقة في العقل الإنساني، هم الخمول والأهواء، لا الافتقار إلى التجربة أو إلى البراعة المنطقية.
Page inconnue