Logique et philosophie des sciences
المنطق وفلسفة العلوم
Genres
وقد تتبع هيجل هذا التطور الديالكتيكي في التاريخ السياسي، وفي التاريخ الديني، وفي تاريخ الفنون كما تتبعه في تاريخ الفلسفة. لكنه اتهم بأنه لا يحرر الإنسان إلا من الوجهة النظرية، وبأنه تصور أنه قد تغلب على الاغتراب عن طريق الوعي به، كما لو كانت الفلسفة هي هدف التاريخ. وقد اتخذت الهجلية اليسارية هذا النقد نقطة بدء لها، فسارت بفلسفة التاريخ في اتجاه عملي انتهى إلى الفلسفة الماركسية في التاريخ.
فإذا كان «أوجست كونت» قد استخلص طرقا «للتفسير»، وهيجل قد رأى الفكرة «تتحقق» في التاريخ خلال مظاهر الصراع والمقاومة، فإن كارل ماركس (1818-1883م) يرمي إلى فهم التاريخ دون أن يفصل هذا الفهم عن المسلك العملي للإنسان، الذي يهدف به إلى السيطرة على الطبيعة وتحقيق الاعتراف المتبادل بين «الناس». لهذا بدأ كارل ماركس بأن ربط الاقتصاد السياسي والفلسفة، ووجد في العلاقات بين الإنسان والطبيعة، وفيما ينجم عنها من علاقات بين الطبقات الاجتماعية بوجه خاص، أسس الديالكتيك التي كان هيجل ينسبها إلى «الفكرة».
فالمادية التاريخية هي تفسير التطور التاريخي ابتداء من هذه العلاقات الأساسية التي تحمل في ثناياها وجود الإنسان، ومختلف الآراء التي يكونها لنفسه عن موقفه الخاص. وعندئذ يكون من المحال أن نفصل طريقة فهم هذا الموقف ذاته. على أن آخر الطبقات الاجتماعية في الظهور، وهي الطبقة العاملة (
Le prolétariat ) لا تكتفي بفهم موقفها، وإنما تستطيع، بناء على هذا الفهم، أن تدرك مواقف الطبقات الاجتماعية الأخرى وحركة التاريخ. وهكذا يحاول كارل ماركس أن يعرف «بطريقة عملية»، لا نظرية، ما أسماه هيجل وعي الإنسان بذاته. (8) وضعية التاريخ
تمثل فلسفة التاريخ إغراء مستمرا يجتذب التاريخ ذاته. وربما كان كل مؤرخ يخضع لهذا الإغراء بطريقة ضمنية تتفاوت في درجاتها. وتعبر هذه الفلسفة في نهاية المطاف، عن الدلالة التي يضفيها المؤرخ على حاضره، وعلى الماضي، من خلال المستقبل الذي يؤمله أو يتنبأ به. وربما كان من المحتم على المؤرخ أن يشعر بأنه قد «حدد موقفه» على هذا النحو، وارتبط بالماضي في الوقت ذاته، وذلك حتى يتسنى له أن يولي الماضي اهتمامه، وحتى يكون لبحثه التاريخي معنى. ومع ذلك، فالواقع أن خير ما ينطوي عليه إنتاج المؤرخ هو ما يقوم به من دراسات مضنية حول لحظات معينة في التطور، وهذا الجزء يقتضي جهدا لكشف الحقيقة التاريخية في تعقيدها؛ بل في فجائيتها أحيانا، وذلك في مقابل فلسفة التاريخ التي تقتل التاريخ بسبب غلوها في تبسيطه، وفي هذا الصدد يقدم علم التاريخ، الذي يظل ناقصا واحتماليا على الدوام، خير مثال لما يمكن أن تكونه الروح العلمية، التي تلهمها مشاغل قد لا تكون من مجال العلم دائما، ومع ذلك فإنها تؤدي إلى أن تتغلب فيه روح احترام الحقيقة وتقديرها.
علم الاجتماع (1) مهمة علم الاجتماع
إذا أردنا أن نكون لأنفسنا فكرة عن كنه علم الاجتماع أي علم الظواهر الاجتماعية، وجب علينا أن نبدأ بأمثلة غاية في البساطة. فلنتصور أحد الفصول التي تدرس فيها الفلسفة، والتي تكون مجتمعا صغيرا في معهد علمي؛ مثل هذا الفصل قد يثير عددا من المشاكل: فما مكانة هذا الفصل في المدرسة الثانوية، أو في الجهاز الجامعي، وفي نظام التعليم العام في البلاد؟ وكيف يؤدي هذا الفصل مهمته؟ أي ما تركيبه حسب أعمار طلابه، وعقيدتهم الدينية، وميولهم السياسية، والمراكز الاجتماعية لآبائهم؟ وهل له سمات خاصة به، وتقاليد ومعايير، ونوع من روح الجماعة، وإنتاج معين؟ وما التيارات التي تمر به، من علاقات للأستاذ بطلابه، وللطلبة فيما بينهم، أهو متجانس، أم مجزأ إلى جماعات متميزة ومتعارضة؟ كل هذه المشاكل تنتمي إلى كل مجال علم الاجتماع. ولنضرب مثلا آخر، عن المدينة التي توجد بها هذه المدرسة: ما تاريخها، وفي أي الظروف الجغرافية نمت، وما تأثير هذه الظروف في تركيبها، وفي هندستها المعمارية، وفي أعمال سكانها؟ وما وظيفتها في الاقتصاد الإقليمي أو القومي؟ وما المؤثرات التي تلقتها من العاصمة، أو التي تمارسها هي على الضواحي المحيطة بها؟ وما عدد سكانها، وكيف يوزعون في المكان تبعا للأحياء؟ وإلى أي الطبقات؟ وإلى أي الجماعات من الأجناس تنقسم، وما أهمية هذا التقسيم؟ وهل يتصف هؤلاء السكان بطابع خاص في اللهجة أو العادات أو الفنون الشعبية ... إلخ؟ وما هو بوجه أعم، سلوك سكانها، من حيث المهنة والآراء واللهو؟ تلك أيضا مشكلات يعالجها علم الاجتماع وتقتضي أبحاثا متعددة ينبغي أن يكون لها طابع علمي، وذلك لأن هذه المشكلات تثار على أساس معطيات يمكن تحديدها وبحثها بطريقة موضوعية، ومن هنا كان تعبير دوركيم المشهور: «ينبغي أن تدرس الظواهر الاجتماعية كما لو كانت أشياء.» وهي عبارة لا يعني منها القول بأن الظواهر الاجتماعية أشياء، إذ إن هذا إنكار لما تتصف به الظواهر الاجتماعية والإنسانية من خصائص مميزة؛ بل يقصد منها الإشارة إلى أن من الممكن اتخاذها موضوعا لمعرفة وضعية فحسب. (2) أوجست كونت
يرجع الفضل إلى أوجست كونت في إدراك هذه الحقيقة، وأعني بها أن الظاهرة الاجتماعية، من حيث هي كذلك، ومن حيث أنها مضادة للظاهرة الفردية، يمكن أن تكون موضوعا لعلم وضعي. ولقد انتهى إلى هذه النتيجة بناء على اعتبارات أخلاقية وسياسية (وهي الاعتبارات التي يصعب فصلها من كل بحث في العلوم الإنسانية). فقد لاحظ ما تركته الثورة الفرنسية من فراغ في النظم والعادات، بعد أن أتمت هذه الثورة القضاء على نظام منحل ، دون أن تنجح في أن تستبدل به غيره. وعندئذ تساءل كونت عن الطريقة التي يمكن بها إعادة الوحدة والنظام - وهما أساس كل تقدم - إلى العالم وإلى الأمم الأوربية بوجه خاص، فرأى أن ذلك التنظيم الأخلاقي العقلي والسياسي الذي حققته العصور الوسطى في ظل المسيحية - والذي انحل بالتدريج طوال العصر الميتافيزيقي - لا يمكن الشروع في تحقيقه من جديد إلا بشرط أن يتم تحت لواء العلم، حتى يعود التوازن مرة ثانية ولكن، لأي العلوم ستكون الصدارة عندئذ؟ لذلك العلم الذي ظهرت بوادره عند كل من مونتسيكو وكوندورسيه في القرن الثامن عشر، والذي أصبح في الوقت الحالي ممكنا بفضل تقدم العلوم الأخرى ؛ ويعني به علم الاجتماع. وسرعان ما استنبط كونت النتائج الأخيرة لهذه الفكرة؛ فعلم الاجتماع يمتلك أفضل الوسائل لمعرفة كل ما يتعلق بالإنسان، والسبب في ذلك أولا هو أن الظاهرة الإنسانية تتجلى في الظاهرة الاجتماعية أكثر مما تتجلى في الظاهرة الفردية، ما دامت الظاهرة الاجتماعية أشبه بالتكبير الواضح، في حين أن الظاهرة الفردية، التي لا تخضع في نظر أوجست كونت إلا للاستيطان، لا مكان فيها إلا للملاحظة الفجة المشوبة بالغموض. والسبب الأهم هو أنه لا وجود للظاهرة الفردية حقيقة إلا بوجود الظاهرة الاجتماعية؛ فالفرد فكرة مجردة كما يقول كونت، وكل ما ينطوي عليه من أفكار وعواطف وميول، وكل ما يجعله إنسانا، ويرفعه فوق مستوى الحيوان، إنما يأتيه من قبل الحياة الاجتماعية، والتركيب الداخلي للفرد إنما هو ميراث يستمده من الإنسانية، والإنسانية هي مجموع النظم والأفكار الأخلاقية والدينية، والقواعد العقلية، والعادات العملية التي تميز الإنسان، والتي لم يكن إعدادها ممكنا إلا بفضل الجماعة الإنسانية، وتضامن الجماعات البشرية في المكان وفي الزمان. (3) دوركيم وتعريف الظاهرة الاجتماعية
شقت الفكرة التي تقدم بها أوجست كونت طريقها، وبعد بضع عشرات من السنين توارت فيها هذه الفكرة، عادت فأثمرت عدة مدارس اجتماعية. وأبحاثا تتزايد وفرة، وسار المفكر الذي اعترف الجميع بزعامته للمدرسة الفرنسية، أعني دوركيم، في طريق يكاد يكون نفس الطريق الروحي الذي سلكه كونت، فالأساس الخفي لفكره هو أيضا الحرص على معالجة الفوضى التي تهدد المجتمع الغربي، وذلك بتأكيد علو الاجتماعي على الفردي، وإمكان ازدهار الفردي بوساطة الاجتماعي وداخله. فالتربية الأخلاقية يجب أن تقوم على أساس المعرفة الوضعية للظواهر الاجتماعية، وهذه هي فكرة كتاب «قواعد المنهج في علم الاجتماع»، الذي يعرف الظاهرة الاجتماعية وشروط دراستها.
وتعرف الظاهرة الاجتماعية بأنها خارجة على الفرد، ولها في ذلك طابع مزدوج، فهي أولا جماعية، أعني أنها تنتمي إلى الجماعة من حيث هي كذلك، ولا تتوقف على اختراع الفرد أو موافقته. ومن الأمثلة الواضحة في هذا الصدد اللغة، أي مجموع الكلمات وقواعد التركيب اللغوي. ولكن هناك أمثلة أخرى، كالعادات، والتقاليد والقواعد التشريعية (والمثل الأخير محبب إلى نفس دوركيم). ويجد الفرد هذه الأسس الاجتماعية موجودة من قبله، ولذا كان لزاما عليه أن يكيف نفسه تبعا لها، ولا ريب في أنه سيقال إن الفرد يستطيع تعديلها على أقل تقدير، وذلك بأن يقف تجاهها موقف الرفض أو حتى موقف القبول، فضلا عن أن في وسعه أن يبتكرها (كما في حالة نسبة مجموعة معينة من القوانين إلى مشرع معين). ولكن لو نظرنا إلى الأمر عن كثب، لأدركنا، من جهة، أن الابتكار يفترض حالة معينة للفكر الجماعي، تمهد له، وتستدعيه ومن جهة أخرى فهذا الابتكار لا تكون له أهمية أو معنى إلا بقدر ما يعترف به، ويقبل، وينتشر؛ أعني إذا خرج من أيدي صاحبه، وفقد طابعه الفردي، ودخل مملكة الظواهر الاجتماعية.
Page inconnue