Logique et philosophie des sciences
المنطق وفلسفة العلوم
Genres
في موقعة ووترلو، أو كان نابليون قد كسب تلك الموقعة؟ على أن هذه التصورات فرضية بلا شك، حتى لو استطعنا أن نجعلها ترتكز على المنهج المقارن، بأن نستشهد بما حدث بالفعل بعد أحد انتصارات نابليون. ولذا كانت السببية التي توحي بها هذه الفروض سببية احتمالية على الدوام. ونقول بعبارة أخرى إن الحتمية هي حتمية غير مؤكدة، وهي كذلك جزئية غير متكاملة، إذ إن معرفتنا بالتعاقب التاريخي تنطوي دائما في فجوات لا تبرز فيها إلا حوادث خاصة، ولا تستبقي معرفتنا من الواقع سوى بعض مظاهره الخاصة، على حين أن علاقة السببية لا تربط لحظة كلية من لحظات الصيرورة بلحظة أخرى كلية مثلها، وإنما تربط حادثا بآخر.
ومع هذا، فالبحث في الحتمية ليس عقيما، ففي خلال هذا البحث تظهر ضروب من الاطراد، واتجاهات ثابتة تسمح بإدراك الخاص من خلال العام، فنحن نعلم، بصورة مجملة، آثار الحرب في شعب من الشعوب، وما العلاقة بين النظم الدينية والأشكال الجمالية، وبعبارة أخرى، فالمؤرخ - كما سنذكر فيما بعد - يصبح عالم اجتماع مثلما يصبح عالم الاجتماع مؤرخا بدوره. وحتى لو ظل المؤرخ متعلقا بالتفاصيل، وبفردية الأحداث، وهي الأمور التي يتركها عالم الاجتماع عادة جانبا من أجل البحث عن القوانين العامة، فإنه في حاجة إلى المعاني العامة أو القواعد التي يقترحها عليه عالم الاجتماع، إن لم يكن في حاجة إلى القوانين التي يقررها له، أو هو يضطر إلى أن يصبح عالم اجتماع حتى يضع هذه القواعد والقوانين بنفسه. (7) فلسفة التاريخ
لكن المؤرخ قد يكون متعجلا، ولا يقنع بهذه النظرة المجزأة غير اليقينية إلى الماضي، فيبدي رغبة في إدراك الصيرورة التاريخية في حلقاتها المتتابعة وفقا لحتمية لا تتخلف، وعندئذ يستند إلى فلسفة التاريخ، أو يلجأ إلى حل مماثل لهذا، يعتمد على مذهب طموح في علم الاجتماع، كي يقفز به طفرة واحدة إلى الحد النهائي لبحثه، ويؤكد نظرية عامة في الصيرورة الإنسانية.
فلنفحص بإيجاز بعض المذاهب المشهورة في هذا الصدد:
يرى «أوجست كونت» أن تطور العقل يتحكم في تقدم البشرية. وهذا التطور ينتقل من المرحلة اللاهوتية إلى المرحلة الميتافيزيقية ثم إلى المرحلة التي يسميها «أوجست كونت» المرحلة «الوضعية». وذلك هو قانون المراحل الثلاث (1830م)
13
وهي المراحل التي يقتضي كل منها نوعا معينا من أنواع التفسير. ففي المرحلة اللاهوتية، يفسر العقل البشري عالم الواقع بقوى سحرية، ثم بالآلهة (وديانة التوحيد تمثل أعلى مركب في هذا النوع من الفهم)، وتتصف المرحلة الميتافيزيقية، قبل كل شيء بأنها مرحلة نقدية، تعقب مرحلة عضوية وتبشر بمرحلة عضوية أخرى. وفيها تنبذ البشرية المعتقدات القديمة، ولكنها لا تلمس في نفسها القدرة على أن تستبدل بها تفسيرا يقبله كل الأفراد. فالميتافيزيقيا ذاتية، أعني أنها تنحصر في تفسيرات يسميها أوجست كونت «باللفظية» ويستخلصها كل فيلسوف من أعماقه الباطنة. وهذه الفوضى العقلية التي تتصف بها تلك الكثرة المحتومة من المذاهب الميتافيزيقية تؤدي إلى فوضى اجتماعية وسياسية. على أن ظهور العلوم الخاصة - من علم الفلك إلى علم الاجتماع - يسمح للعقل البشري بأن يستبدل البحث الوضعي في القوانين بالبحث في العلل. ويقوم آخر العلوم، وهو علم الاجتماع، بوضع حد للفوضى، عندما يحقق اتفاق العقول على سياسة وضعية. وهكذا يفسر أوجست كونت تغيرات التركيبات الاجتماعية والسياسية للإنسانية عن طريق إصلاح عقلي يقوم على أساس من تطور العلوم.
أما هيجل (1770-1831م) فيرى أن فيلسوف التاريخ يكتشف في التاريخ تطورا ذا دلالة. وهو يطلق على المعنى الذي يتبدى تدريجيا في تعاقب الأحداث اسم «الفكرة
idée » ويبدو أن صانعي التاريخ ينقادون على غير علم منهم نحو تحقيق هدف لم يريدوه، ومع ذلك فهو هدف زاخر بالمعنى (وهذا ما يسميه هيجل «بدهاء العقل» الذي يحل في نظره محل العناية الإلهية). هذا التطور للفكرة، الذي هو صراع وتجاوز لذلك الصراع، يكون الديالكتيك التاريخي، الذي يفضي إلى الشعور بالحرية ضد كل اغتراب.
14
Page inconnue