Logique et philosophie des sciences
المنطق وفلسفة العلوم
Genres
وهم يقابلون بينه وبين التفسير. ويضرب ياسبرز لذلك مثلا فيقول: إن المرء يفهم أن الشخص الذي تستبد به الغيرة يسعى إلى الانتقام، ويفسر كون الزهري يؤدي إلى الشلل العام.
لكن العلم لا يستطيع الوقوف عند حد هذه التفرقة؛ بل عليه أن يجمع بين التفسير والفهم دائما، والواقع أن: (1)
الفهم ذاته قد يصبح علميا يتطلب تدخل العلم أكثر مما يتنافى معه، فالفهم يتفاوت في مداه، والمحلل النفسي يفهم الغيرة والغضب على نحو أفضل من الشخص غير المثقف. كما أن الخبير يفهم معنى العمل الفني خيرا من الهاوي. (2)
والفهم لا يتنافى مع التفسير، ويرجع ذلك أولا إلى أنه قد يتضح في ذاته على هيئة علاقة سببية، كما هي الحال عندما يصف عالم النفس العمليات النفسية التي تؤدي إلى الغيرة، أو عندما ينسب عالم الجمال «آثارا» فنية معينة إلى علل معينة. ثم إن المرء يستطيع البحث عن أسباب لما يفهمه، ومثال ذلك: الأسباب الفسيولوجية للغيرة أو الأسباب الاجتماعية للتعبير عنها، أو الأسباب الفردية أو الاجتماعية لخلق عمل فني ما. (6) الحرية والحتمية
وهذا يثير مشكلة أخيرة: فإلى أي حد يمكن أن تنطبق الحتمية على الظاهرة البشرية؟ إن الإنسان مضاد للشيء، لا لأن له وعيا فحسب؛ بل لأن لديه الحرية أيضا، ولأنه قادر قبل كل شيء على التذكر والاختراع، وظاهرة التذكر تحد من الحتمية؛ فالحتمية لا تكون مطلقة إلا إذا كانت اللحظة الحالية محددة تماما عن طريق اللحظة السابقة مباشرة. غير أن هذا يفترض أن حالة الأشياء في اللحظة السابقة هي وحدها التي تهم، وأن مجموع الماضي بأسره ليس له تأثير حقيقي في الحاضر. وبعبارة أخرى، فالحتمية تتنافى مع تأثير الذاكرة. على أن من المحقق أن المادة تختلف عن العقل في أن العقل يتذكر. أما المادة فلا ذاكرة لها، ولقد كان ليبنتز على حق عندما قال إن الجسم عقل مؤقت، أي بلا ذاكرة،
corpus est mens momentones sur recordatione carens
وقال برجسون مكملا هذه الفكرة، إن النسيان هجوم مضاد من المادة على العقل «فالحالة المادية تجلب لنا النسيان».
3
فإن كان للماضي الذي يحتفظ به العقل عن طريق الذاكرة تأثير على الحاضر فمعنى ذلك أن اللحظة الماضية مباشرة لم تعد هي وحدها التي تتحكم في اللحظة الحاضرة، وأن الحتمية الرياضية لا تنطبق في صورتها الخالصة على العلوم الإنسانية. (أ) الحرية والتقدم الإنساني:
من أجل هذا يتقدم الإنسان. ولندع جانبا الحديث عن التقدم المعنوي الذي أنكر بعضهم حقيقته، ولنتحدث عن تقدم الأنوار (المعارف)
Page inconnue