Logique et philosophie des sciences
المنطق وفلسفة العلوم
Genres
2
لهذا كانت الأساليب الفنية الإنسانية في تقدم هي الأخرى، سواء أكان الهدف منها توجيه اختيار أنواع النشاط، كما هي الحال في التوجيه النفسي، أم زيادة إنتاج الفرق العاملة، أم الصحة النفسية، أم تنظيم المدن. وسواء أكان تقدم هذه الأساليب الفنية يتجه إلى سعادة البشر أم شقائهم (وتلك مسألة أخرى) فإننا لا نستطيع أن ننكر هذا التقدم الذي يترتب على تقدم العلم.
هذا التقدم يحدث، قبل كل شيء في ترتيب الوقائع، بحيث تتوالى المجالات البيولوجية والنفسية والاجتماعية تبعا لهذا الترتيب. فمن المقرر أن الانفعالات يصحبها زيادة في إفراز «الأدرينالين»، وأن بعض أمراض الذاكرة تصحبها اضطرابات حركية، وأن التفكير العقلي يزداد تقدما في ظروف معينة، وبالمثل يلاحظ أن مجتمعا خاصا تكون له حضارة خاصة، وأن تقدما فنيا معينا يرتبط بظروف اجتماعية معينة، وأن نمو المدن يحدث في ظروف خاصة، ويؤدي إلى نتائج معينة بالنسبة إلى تركيب الأسرة أو العقائد الدينية. وإذن فحتى لو لم تكن معرفتنا الحالية واسعة، فلا شك أنها أوسع من معرفة أسلافنا. (5) السببية في العلوم الإنسانية
ومع ذلك، فليس يكفينا أن نكشف عن الظواهر؛ بل يجب أن نرتبها، ونوضح ضرورتها. وإنا لنعلم أنه ليس هناك ظواهر علمية إلا عن طريق القانون، وأن الظاهرة هي في ذاتها قانون. ولكن هل يمكن أن يتوصل علم الإنسان إلى قوانين؟ وهل يستطيع الاهتداء إلى تتابعات سببية؟ وهل تنطبق الحتمية على الإنسان؟ الحق أن إمكان قيام العلوم الإنسانية رهن بهذا الشرط، كما هي الحال في سائر العلوم.
والواقع أن من الممكن أن يكون الإنسان موضوعا لعلم وضعي، لأنه يمكن أن يخضع لملاحظة منهجية، ولأن سلوكه، ولو كان فرديا، ينم عن اطرادات منتظمة، وعن «صور إجمالية
schemes » (على حد تعبير برلو
Burloud ) تشهد بوجود طبيعة بشرية يمكن تعميمها، ولأن سلوكه ليس فرديا فحسب ؛ بل هو اجتماعي أيضا، ومن ثم يمكن تحديده موضوعيا على نحو ما ينبئنا علم الاجتماع، وأخيرا لأن الحرية إن كانت مضادة لعبودية الأهواء من الوجهة الأخلاقية وللقدر المحتوم من الوجهة الميتافيزيقية، فإنها لا تتنافى مطلقا مع الحتمية والتي تحاول علوم الإنسان الكشف عنها.
وسنوضح أن هذه العلوم، إذا كانت تضطرنا إلى إدخال أفكار جديدة نظرا إلى موضوعاتها، فإنها لا تتنافى مع التفسير السببي، وأنها لهذا جديرة بأن تسمى علوما. (أ)
الأحكام المعيارية والأحكام الواقعية:
مما لا شك فيه أنه يجب التسليم أولا بأن العالم لا يستطيع الوقوف من موضوع دراسته موقف عدم الاكتراث. فالإنسان يهم الإنسان ، وهو يستثير حكمه، وتحيزه، إن جاز هذا التعبير. ومن هنا كانت المعرفة في هذا الصدد تسترشد، على نحو ضمني على الأقل، بتأكيد قيم معينة. وكما أن البيولوجيا تميز بين السليم والعليل، وعلم النفس بين السوي والمريض، أو بين الإدراك الحسي الصحيح والباطل، أو الذاكرة القوية والذاكرة الضعيفة، كذلك يميز علم الاجتماع بين قوى التقدم أو التقهقر، وبين المجتمع المتوازن وغير المتوازن، وبين التركيبات الاجتماعية التي تعين على نمو الشخصية أو تعوق هذا النمو. غير أن هذه الأحكام المعيارية تضاف إلى البحث العلمي ولا تشوهه؛ فهي توجهه وتضعه في خدمة الإنسان. والعلم ينحاز إلى صف الإنسان في نفس الوقت الذي يشرع فيه في معرفته مثلما ينحاز الطبيب إلى صف المريض. ولذلك فإن المعايير التي يقابلها العلم على هذا النحو ليست تحيزات، وإنما هي تعبر عن الجهد الذي تبذله الحياة، وربما العقل، كي تبلغ كمالها في الإنسان، والجهد الذي يبذله الإنسان ليصبح إنسانيا.
Page inconnue