وروي أنه حضر مجلس أبي أحمد المنجم- والمتكلمون مجتمعون- فعظموه غاية الإعظام، ولم يبق أحد إلا قام له. ودخل يهودي، فتكلم معه بعضهم في نسخ الشرائع، وبلغوا موضعا حكموا أبا القسم فيه، فقال لليهودي: «إن الكلام عليك» فقال اليهودي: «وما يدريك ما هذا؟» فقال أبو القسم:
«أتعلم ببغداد مجلسا أجل من هذا؟» قال: «لا» قال: «أفتعلم أحدا من المتكلمين لم يحضره؟» فقال: «لا» قال: «أفرأيت أحدا لم يعظمني» قال: «لا»، قال: «أفتراهم فعلوا هذا وأنا فارغ؟!» قال: «لا».
قلت: ومن أحسن مناظراته ما حكاه عن نفسه، في كتابه المعروف بمقالات أبي القسم، وذلك أنه وصل إليه رجل من السوفسطائية «1»، راكبا على بغل، فدخل عليه، فجعل ينكر الضروريات ويلصقها بالخيالات، فلما لم يكن يتمكن من حجة يقطعه، قام من المجلس، موهما أنه قام في بعض حوائجه، فأخذ البغل وذهب إلى مكان آخر، ثم رجع لتمام الحديث، فلما نهض السوفسطائي للذهاب، ولم يكن قد انقطع بحجة عنده، طلب البغل حيث تركه، فلم يجده، فرجع إلى أبي القسم وقال: «إني لم أجد البغل» فقال أبو القسم: «لعلك تركته في غير هذا الموضع الذي طلبته فيه، وخيل لك أنك وضعته في غيره، بل لعلك لم تأت راكبا على بغل، وإنما خيل إليك تخيلا، وجاءه بنوع من هذا الكلام، فأظن أنه ذكر أن ذلك كان سببا في رجوع السوفسطائي عن مذهبه، وتوبته عنه.
وكان أبو القسم معروفا بالسخاء والجود، والهمة العالية، وثبات القلب، حتى أنهم ارادوا اختبار ثبات قلبه، فرموا من مكان عال، بطشت، على غفلة، حتى تكسر، فلم يتحرك لذلك.
وكان تولى بعض أعمال السلطان، ثم تاب من ذلك وأصلح.
وكان له الجلالة العظمى في مجالس العلماء، وتوفى سنة تسع عشرة وثلاثمائة في أيام المقتدر.
ومن هذه الطبقة: أبو بكر محمد بن ابراهيم الزبيري، ومن ولد الزبير بن العوام.
Page 75