وقد قيد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم طاعة الجورة بما أقاموا الصلاة وبما لم يكن كفرا بواحا كما عرفت من الأحاديث، ثم ساق في ذكر الأحاديث السالف ذكرها.. إلى أن قال: كأنه وأعلم الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن المتغلب لا يكون النكير عليه باليد إلا بالخروج عليه، والخروج عليه يؤدي إلى ما هو أنكر مما هو فيه من سفك الدماء وإخراب البلاد، وبث أنواع الفساد، وإضلال العباد، وانقطاع سبل المسلمين، وإخلاء معالم الدين، ودخول نار الفتنة إلى كل غور ونجد وترامي الباطل إلى ما لا يقف على نهاية ولا حد.
ومن طالع الأخبار وعرف ما وقع في أيام المروانية والعباسية، وهلم جرا إلى القرن الحادي عشر علم ذلك يقينا، فلما كان الأمر كذلك أرشد صلى الله عليه وآله وسلم إلى الصبر على جور الجائر، وأخبر أنه من كره فقد برئ ومن أنكر بقلمه أو لسانه فقد سلم بدليل أنه نهى عن قتالهم فما أراد إلا الإنكار بأحد الأمرين، ويكون التغيير باليد المذكور في حديث ابن مسعود مخصصا بما عدا الخلفاء، وإنما الآثم الملوم من رضي وتابع ولم يأذن لنا بقتالهم إلا إذا أضاعوا الصلاة أو رأينا كفرا بواحا يحمل قوله: ((فإذا زاغوا فاستلوا سيوفكم ))، وعلى هذا يحمل عدم الصبر على أن من أتى منهم بمعصية الله والنهي عن أن ننزع يدا عن طاعة ظالم.
Page 124