[49] فيتبين من هذه الأحوال أن الإبصار إنما يتم بشفيف الجسم المتوسط لا برطوبته وسخافته. فالشيء الذي يفعله المبصر في البصر عند مقابلته له الذي منه يقع الإحساس ليس يتم إلا بشفيف الجسم المتوسط بين البصر والمبصر وليس يتم إذا توسط بين البصر والمبصر جسم كثيف. فالضوء واللون اللذان في المبصر إذن ليس يدركهما البصر إلا من شيء ما يحدثه ذلك الضوء واللون في البصر، وليس يحدث ذلك الشيء من الضوء واللون في البصر إلا إذا كان الجسم المتوسط بين البصر والمبصر مشفا، وليس يحدث إذا كان الجسم المتوسط كثيفا.
[50] وليس يختص الشفيف بشيء مما يتعلق بالضوء واللون يخالف به الكثافة إلا أن صورة الضوء واللون تنفذ في الشفيف ولا تنفذ في الكثافة، وأن الجسم المشف يقبل صورة الضوء واللون ويؤديها إلى الجهات المقابلة لذلك الضوء واللون. وليس للجسم الكثيف هذه الصفة. وإذا كان البصر ليس يحس بالضوء واللون اللذين في المبصر إلا من حدوث شيء ما يحدثه الضوء واللون في البصر، وكان ذلك الشيء ليس يحدث في البصر إلا إذا كان الجسم المتوسط بين البصر والمبصر مشفا، وليس يحدث إذا توسط بينهما جسم كثيف، وكان الجسم المشف ليس يختص بشيء يتميز به عن الجسم الكثيف مما يتعلق بالضوء واللون إلا قبوله لصور الأضواء والألوان وتأديته لها إلى الجهات المقابلة، وكان قد تبين أن البصر إذا قابل المبصر فإن صورة الضوء واللون اللذين في المبصر تتأدى إلى البصر وحصل في سطح العضو الحاس، فالبصر إذن إنما يحس بالضوء واللون اللذين في المبصر من الصورة التي تمتد في الجسم المشف من المبصر إلى البصر، والشيء الذي يحدثه المبصر في البصر عند مقابلته له وتوسط الجسم المشف بينهما الذي منه يحس البصر بالضوء واللون اللذين في المبصر هو هذه الصورة.
[51] وقد يحتمل أن يقال إن الجسم المشف يقبل من البصر شيئا ما ويؤديه إلى المبصر وباتصال هذا الشي ء بين البصر والمبصر يقع الإحساس وهذا هو رأي أصحاب الشعاع.
Page 155