[8] وأيضا فإن المبصر الذي فيه ضوء يسير وليس ضوؤه بكل البين ليس يدرك البصر صورته إدراكا صحيحا، وخاصة إذا كان فيه معان لطيفة. وكذلك إذا كان المبصر نيرا قوي الضوء، أو كان صقيلا وأشرق عليه ضوء قوي، فليس يدركه البصر إدراكا صحيحا. وفيما بين الضوء الخفي والضوء المشرق أضواء كثيرة يدرك البصر منها المبصر إدراكا صحيحا. وتوجد الأضواء التي تدرك فيها المبصرات إدراكا صحيحا تكون أبدا إلى حد ما، وليس فيها شيء متفاوت في القوة ولا في الضعف. ويوجد الضوء أيضا الذي يدرك فيه البصر صورة المبصر إدراكا صحيحا يكون بحسب المعاني التي في المبصر وبحسب عظم المبصر. فإن المبصر الذي ليس فيه معان لطيفة قد يدرك البصر حقيقته في ضوء يسير قد تشتبه في مثله 1صورة المبصر الذي فيه معان لطيفة. وكذلك المبصر المقتدر الحجم قد يدركه البصر في ضوء يسير قد يخفى في مثله المبصر الذي في غاية الصغر.
[9] والمبصر أيضا إذا كان في غاية الصغر وكانت فيه معان لطيفة وأجزاء متميزة فليس يدركه البصر إدراكا صحيحا، كالحيوانات التي في غاية الصغر التي أعضاؤها المتميزة وتخطيط وجوهها وجوارحها في حد من الصغر ليس في قوة البصر إدراكه. فإن ما هذه صفته من الحيوانات إذا أدركها البصر فليس يدركها إدراكا صحيحا، ولا يتحقق صورتها، لأن الحيوان إذا لم يدرك البصر جميع أعضاه المتميزة التي هي في ظاهر جسمه فما أدرك حقيقة صورته. وإذا كان حجم الحيوان مقتدرا، كانت أعضاؤه مناسبة له، وأمكن البصر أن يدرك كل واحد من أعضائه المتميزة التي في ظاهر جسمه. وإذا أدرك البصر كل واحد من أعضائه المتميزة التي في ظاهره فقد أدرك صورته على ما هي عليه. وكذلك جميع المبصرات التي فيها معان في غاية الدقة ليس يدرك البصرحقائق صورها. وإذا كانت تلك المعاني في مبصرات مقتدرة، وكانت مناسبة لها، فإن البصر يدرك تلك المبصرات إدراكا صحيحا.
Page 376