[16] وكذلك النار أيضا يوجد فيها هذا المعنى بعينه. وذلك أن النار إذا بعضت بأن يبعض موضوعها الحامل لها فإن كل جزء منها يشرق منه ضوء، ويوجد ضوء كل جزء منها أضعف من ضوء جملتها، ويوجد ضوء ما صغر من أجزائها أضعف من ضوء ما عظم من أجزائها. وقد يمكن أن تعتبر أجزاء النار من غير أن تبعض أيضا. فإذا أراد المعتبر أن يعتبر ذلك فليتخذ صفيحة من نحاس، وليكن فيها سعة، وليثقب فيها ثقبا مقتدا مستديرا، ثم يداخل في هذا الثقب أنبوبا أسطوانيا صحيح الاستقامة معتدلا الاستدارة ذا طول مقتدر، ولتكن سعة الثقب بمقدار سعة الأنبوب، وليكن ثقب الأنبوب ليس بأغلظ من غلظ الميل. ويداخل الأنبوب في ثقب الصفيحة حتى يستوي طرفه مع سطح الصفيحة، ولتثبت هذه الصفيحة على جسم مرتفع عن الأرض ولتكن قائمة على حرفها، ثم يقدم إلى هذه الصفيحة في ظلمة الليل نار، وليكن سراجا ذا فتيلة غليظة نيرة، فيقابل بها الثقب وتقرب النار من الثقب إلى أن تصير في غاية القرب منه ولا يبقى بينها وبين الثقب مسافة لها قدر، فتستظل الجهة التي فيها الأنبوب بظل الصفيحة ولا يترك في الموضع ضوء سوى النار التي تعتير، وليكن ذلك في موضع لا تخترقه الريح، ثم يقابل طرف الأنبوب بجسم كثيف: فإن ضوء النار يظهر على ذلك الجسم. وليس هناك ضوء إلا الضوء الذي ينفذ في الأنبوب، وليس ينفذ من الأنبوب ضوء إلا ضوء الجزء من النار المقابل لثقب الأنبوب المساوي مساحته لمساحة ثقب الأنبوب فقط إذا كان الضوء ليس يخرج إلا على خطوط مستقيمة، وليس بين الضوء الذي يظهر على الجسم المقابل لطرف الأنبوب وبين شيء من أجزاء النار خطوط مستقيمة لا يقطعها جسم كثيف إلا الجزء المقابل لطرف الأنبوب فقط، لأن الخطوط المستقيمة التي بينه وبين الضوء الظاهر تمتد في داخل الأنبوب ولا يقطعها شيء من الأجسام الكثيفة. فأما الأجزاء الباقية من جرم النار فإن الضوء يخرج منها إلى الطرف الذي يليها فقط من ثقب الأنبوب. فإن دخل منها شيء في طرف الأنبوب فإنه ينقطع بحائط الأنبوب فيبطل ولا ينفذ في طول ثقب الأنبوب، وليس ينفذ في طول ثقب الأنبوب في تلك الحال إلا ضوء الجزء المقابل لطرفه فقط.
[17] ثم يحرك المعتبر النار تحريكا رفيقا حتى يقابل الثقب جزءا من النار غيرذلك الجزء، ويتأمل الجسم المقابل لطرف الأنبوب الذي كان يظهر عليه الضوء: فإنه يجد الضوء أيضا يظهر على ذلك الجسم. ثم إذا حرك جرم النار في جميع الجهات ورفعه وحطه حتي يقابل الثقب كل جزء من النار جزءا بعد جزء وجد الضوء في جميع الأحوال يظهر على الجسم المقابل للأنبوب، ويجد هذا الضوء أضعف من ضوء جملة النار الذي يظهر على الأجسام المنكشفة لجميع جرم النار التي بعدها عن النار كبعد الموضع الذي يظهر فيه الضوء النافذ من الأنبوب عن النار. وإن ضيق المعتبر الثقب بأن يداخل في الأنبوب جسما دقيقا مستقيا يسد بعضه وألصقه بسطح داخل الأنبوب واعتبر الضوء الذي يخرج من بقية الأنبوب فإنه يجد الضوء أيضا يظهر على الجسم المقابل للأنبوب ما لم يكن الجزء الذي يبقى من الأنبوب في غاية الضيق، ويجد الضوء الذي يظهر عند من هذا الاعتبار أن كل جزء من النار يشرق منه ضوء، وأن ضوء جميع الجذوة من النار أقوى من ضوء الجزء منها. وأن ضوء الجزء الأعظم أقوى من ضوء الجزء الأصغر.
Page 80