--- يجوز أخذ المعونة من قوم لدفع الضرر عنهم، وعن قوم آخرين إذا كان المدفوع هو ضرر الدين، وقال تعالى: { جاهدوا بأموالكم وأنفسكم } ووصف المؤمنين بأنهم يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، ولم يقل أحد أنه أراد أنهم يجاهدون بزكواتهم وأعشارهم.
والصحابة رضي الله عنهم عملت بهذه الوظيفة من المعونة، قاسمت الأنصار والمهاجرين في أموالهم ودورهم, وخيروهم بين القسمين، وأعطوهم الأصلح من النصيبين، وكان مع أبي بكر ثمانون ألفا أنفقها في الجهاد, وما بقي معه إلا عباة كان إذا ركب حلها, وإذا نزل أبعد حلالها. وعثمان جهز جيش العسرة بتسعمائة بعير وخمسين بعيرا، وتمم الألف بخمسين فرسا. كل ذلك من صميم ماله. ولما أقبل العسكر وقد مستهم الحاجة وعظمت بهم الفاقة لقاهم مائة ناقة محملة مخطومة خروها وأكلوا أحمالها, والقوم ما بذلوا هذه الأموال إلا لطاعة الرحمن، ومعرفتهم بما في القرآن.
والنبي صلى الله عليه وآله قصد إلى أن يصالح بثلث ثمار أهل المدينة على أن يسلمه إلى الكفار, بغير مراضاة أحد من الأخيار.
وقال النبي صلى الله لعيه وآله وسلم: (( اجعل مالك دون دمك, فإن تجاوز بك البلاء فاجعل مالك ودمك دون دينك )) . الدفع الذي يقع بالجهاد قد يكون الدفع عن النفوس والأموال، وهذا لا بد أن يكون المدفوع به دون المدفوع، وقد يكون الدفع عن الأديان, وهذا لا يعتبر فيه مثل هذا الشأن، لأنه ليس شيء أعلا من الدين, ولا أعظم منه عند رب العالمين، فالأخبار الواردة على مثال الخبرين اللذين ذكرهما مخصوصة بمثل هذه الأمور وأجناسها.
Page 63