وأما سائر المغارب فلم يتحقق له عليه السلام فيها سلطان ولا حروب، وكذلك الناصر عليه السلام استظهر غاية الاستظهار ولم يذكر في سيرته جزء من أجزاء كثيرة من حوادث حروبه عليه السلام، بل هي ساقطة ذاهبة، لأنه استولى على اليمن جملة، ودانت له ملوكه فلم يبق إلى السبي طريق، وما ذكر من تفصيل هذه الجملة في سيرة الناصر عليه السلام كلمة واحدة، فأما يوم نغاش فإنما كان اللقاء بين جيشين مجردين لا حريم معهما ولا نساء ولا قرى، فلما نصر الله الحق قتلوا مقبلين ومدبرين، وأجهز على جرحاهم فلم يكن ذلك موضع سبي على هذه الصورة، ولأن السبي ليس بواجب على الأئمة، بل لهم أن يسبوا ولهم أن يتركوا، وإنما كان يتحقق القول وتلزم الحجة على المقلد أنه لو وجد الأئمة عليهم السلام [قالوا:] إن الفرق المرتدة المدعية للإسلام متى كانت لها شوكة فلا سبي عليها، ولا يكون حكم دارها دار الكفر، فلو وجد ذلك لصح به التعلق وكان القول بغيره خلاف واقع بين الأئمة، وكان لا يستنكر وكنا نطلب ممن قال بقولهم البرهان على قوله، ولا نخطيه ولا نضلله ما لم يتضح لنا خلافه للأمة والأئمة عليهم السلام وهذا بعيد حصوله جدا والأحوال المجملة، وقد علمنا أن حرمة الأنبياء عليهم السلام متشابهة وإن كان لمحمد فضل على الجميع، فمخالفهم كافر كمخالفه، ومتابعهم مؤمن كمتابعه، ولهم من الوعد وعليهم من الوعيد مثلما لأمته. فهل يتوسع لنا أن نقول بأنا نستعظم أن نطلق على من يشهد أن لا إله إلا الله وأن موسى وعيسى نبيا الله، وأن ما جاءا به حق من عند الله، وأن دينهم دين الله ولم يخالف إلا في جحدان نبوة رسول الله أن تكون داره دار حرب [فلئن لم نسمع هذا فما الاحتراز من إثبات دار حرب] ما هذا بأبعد من هذا؛ لأن المشبه ناف للصانع تعالى، وهو كعابد الوثن لأن ربه الذي اعتقد إلهيته بزعمه جسم -تعالى الله عن قوله- فهو ناف للباري جل وعلا لفظا ومعنى، ونفيه في الجرم والعظم أكبر من نفي نبوة محمد وكذلك المجبر المضيف القبائح إلى الله تعالى، والمخازي، وتكذيب الأنبياء عليهم السلام وقتلهم، يكون في الجرم عقلا وشرعا أقبح من نفي نبوة محمد، بل أضافوا نفي نبوته إلى الله تعالى، ونفوها عن المكذبين الكافرين من خلقه. فتأمل هذا النكير موفقا إن شاء الله تعالى، لأن المتقرر من أصول المجبرة الذي لا يختلفون فيه وإن اختلفوا في غيره أن كل حادث في العالم فهو فعله تعالى وخلقه واختراعه لا فاعل له سواه، ولا محدث إلا إياه. والأشعرية يرجعون إلى مذهب الجهمية ضرورة، ويزيدون عليهم في الكفر أيضا، وإنما يستعظم تكفيرهم الأنس بخلافه وأن أحكام الأئمة عليهم السلام لم تجر بمثله، وقد بينا لك أنهم لم يستظهروا استظهارا عاما فتنفذ أحكامهم، فقد قال علي عليه السلام: لو ثني لي الوساد لقد غيرت أشياء.
ولقد احتج من ينصر المذاهب المخالفة للشيعة بأن عليا عليه السلام لو كان لا يرى بإمامة أبي بكر وعمر لنقض أحكامهما في فدك وغيره.
قلنا: أما في غيره فليس له أن ينقض إلا ما خالف الكتاب والسنة وأحكامهما في الشرائع لم يعلم خروج شيء منها من هذا، وأما أمر فدك فهو له ولولديه وهما معصومان لا يخالفان المعصوم، وللإنسان ترك حقه لغرض من الأغراض، وللإمام أن يترك ما يجوز له من السبي وغيره، وقد فعل ذلك رسول الله من سبي أو طاس، وسبي بني المصطلق، وغيرهم ما فعل، وترك سبي قريش يوم الفتح وهو له طلق حلال، وسماهم الطلقاء - معناه العتقاء من الرق -.
Page 80