لم يسمع الناس للحيطان ألسنةً ... وإنما قيل للحيطانِ آذانُ١
كما كان المجتمع المملوكي يعج بالانحراف الأخلاقي٢، وكان القتل هو أعظم الجرائم المؤرقة لكثير من الناس، وقد ذكر ابن عبد الهادي أن الفتوى بجواز قتل العوانية٣ قد فتح بابًا واسعًا للشر حيث أغرى بعض الفقهاء للذعر٤ بأنه يجوز قتل أعوان الظلمة، فصار من في قلبه من أحد شيء إما يقتله أو يغريهم، ويعطيهم دراهم فيقتلونه ويحتجون بأنه عوني، فحصل بذلك فساد كثير.
قال الشيخ ابن عبد الهادي: "فسئلت عن هذه المسألة مرتين، فأجبت في الأولى بجواب مختصر نحو الكراسة، وفي الثانية بمطول نحو الثلاثين كراسًا وسميته: (الذعر في أحوال الزعر) ٥، ومحطهما عدم الجواز، وأنه لا يجوز لأحد إغراؤهم"٦.
وبين ﵀ أنه لا يجوز قتل هؤلاء الزعران باعتبارهم أعوان الظالمين، لأنه لو جاز ذلك فجواز قتل الظالمين أحق وأولى٧.
_________
١ ابن حجر: إنباء الغمر ١/١٩٨، ١٩٩.
٢ المقريزي: الخطط ١/٦٨، ابن طولون: مفاكهة الخلان ١/٢٠، ٢١، الصيرفي: نزهة النفوس ١/١٦٩، عاشور: المجتمع المصري ص: ٢٢٥.
٣ العوانية: هم الذين يتجسسون لصالح الحكام.
٤ الزعران: هم الذين يعرفون في مصر بالحوافيش والجعيدية وفي العراق بالعيارين، وهم فئة من اللصوص والمحتالين. (البقلي: التعريف بمصطلحات صبح الأعشى ص: ١٧٠، العلبي: دمشق بين عصر المماليك والعثمانيين ص: ٩٥، ٩٦) .
٥ المراد به ذم الهوى والذعر من أحوال الزعر.
٦ ابن طولون: مفاكهة الخلان ١/١٨٢.
٧ ابن عبد الهادي: ذم الهوى والذعر من أحوال الزعر ق ٥.
1 / 27