ومن نوادر الاستدلال القرآني ما نقل عن علي أنه قال : الحمل ستة أشهر. انتزاعا من قوله تعالى : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) [الأحقاف : 15] مع قوله : ( وفصاله في عامين ) [لقمان : 14] واستنباط مالك بن أنس أن من سب الصحابة فلا حظ له في الفيء من قوله : ( والذين جاؤ من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ) [الحشر : 10] الآية. وقول من قال : الولد لا يملك. من قوله : ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون ) [الأنبياء : 26]. وقول ابن العربي : إن الإنسان قبل أن يكون علقة لا يسمى إنسانا. من قوله : ( خلق الإنسان من علق ) [العلق : 2]. واستدلال منذر بن سعيد على أن العربي غير مطبوع على العربية بقوله : ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا ) [النحل : 78] وأغرب ذلك استدلال ابن الفخار القرطبي على أن الإيماء بالرؤوس إلى جانب عند الإباية ، والإيماء بها سفلا عند الإجابة ، أولى مما يفعله المشارقة من خلاف ذلك ، بقوله تعالى : ( لووا رؤسهم ورأيتهم يصدون ) [المنافقون : 5] الآية.
وكان أبو بكر الشبلي الصوفي إذا لبس شيئا خرق فيه موضعا. فقال له ابن مجاهد : أين في العلم إفساد ما ينتفع به؟ فقال : ( فطفق مسحا بالسوق والأعناق ) [ص : 33].
ثم قال الشبلي : أين في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه؟ فسكت ابن مجاهد وقال له : قل. قال : قوله : ( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ) [المائدة : 18] الآية. واستدل بعضهم على منع سماع المرأة بقوله تعالى : ( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه ) [الأعراف : 143] الآية. وفي بعض هذه الاستدلالات نظر.
** ثم قال الشاطبي :
* فصل
وعلى هذا لا بد في كل مسألة ، يراد تحصيل علمها على أكمل الوجوه ، أن يلتفت إلى أصلها في القرآن. فإن وجدت منصوصا على عينها أو ذكر نوعها أو جنسها فذاك. وإلا فمراتب النظر فيها متعددة. وقد تقدم أن كل دليل شرعي فإما مقطوع به أو راجع إلى مقطوع به. وأعلى مراجع المقطوع به القرآن الكريم. فهو أول مرجوع إليه. أما إذا لم يرد في المسألة إلا العمل خاصة فيكفي الرجوع فيها إلى السنة
Page 85