Introduction à la psychothérapie existentielle
مدخل إلى العلاج النفسي الوجودي
Genres
authorship . فأن يكون المرء مسئولا يعني أنه مؤلف حياته الخاصة ومبدع طرازها. ويؤمن المعالج الوجودي بأن كل مريض مسئول عما يحل به من كرب، ولا يدخر وسعا في تنبيهه إلى هذه الحقيقة. فليست الجينات السيئة ولا الحظ العاثر هو الذي جعل المريض منبوذا ينفض عنه الآخرون ويسوءونه ويهملونه. ولن يكون هناك أمل في التغيير ما لم يدرك المرضى أنهم مسئولون عن اضطراباتهم الخاصة.
يجب على المعالج أن يقف على طرائق المريض في تجنب المسئولية، ويضع يده على شواهد تنصله ويبصره بها. وللمعالجين في ذلك فنيات متعددة. فمنهم من يقاطع المريض كلما اشتم في حديثه رائحة التنصل. فإذا قال المريض: «لا أستطيع» أن أفعل كذا، بادره المعالج: قل إنك «لن تفعل» هذا الشيء. ويبقى المرء غافلا عن دوره الإيجابي في موقفه ما بقي يعتقد في مقولة «لا أستطيع». مثل هؤلاء المعالجين يحثون مرضاهم على أن يتولوا «امتلاك» مشاعرهم الخاصة وأقوالهم وأفعالهم. حتى لو كان قول المريض: إنه فعل الشيء «لا شعوريا» فإن رد المعالج هو: «لاشعور من هذا؟!» والقاعدة هنا واضحة: كلما ألفيت المريض يندب حاله فتش عن المسئولية، وتقص كيف خلق بنفسه هذه الحال التي هو فيها.
من التقنيات المفيدة في العلاج أن يحفظ المعالج الشكوى الأصلية للمريض في ذهنه، ثم يقرنها في الأوقات المناسبة بتصرفاته في المشهد العلاجي. ولنأخذ مثالا بذلك المريض الذي جاء يلتمس العلاج بسبب شعوره بالوحدة والعزلة، فكان يسهب أثناء الجلسات ويفيض في التعبير عن ازدرائه واحتقاره للآخرين. وكان متعنتا في هذه الآراء يبدي مقاومة كبيرة تجاه مناقشتها، ناهيك بتغييرها. فماذا كان من المعالج؟ كان يبرز له شكواه الأولى ويقرنها بسلوكه الآني حتى تتبين له مسئوليته عن مأزقه الشخصي. وذلك بأن يذكره كلما أبدى احتقاره للآخرين: «وأنت تشكو الوحدة».
وإذا كانت المسئولية جزءا من مكونات الحرية، فالإرادة جزء آخر. وقد تحدثنا آنفا عن فعل الإرادة
willing
وقلنا: إنها تنقسم بدورها إلى مكونين أو مرحلتين: فعل الرغبة
wishing ، وفعل القرار
deciding . ولنبدأ ببحث الرغبة والدور الذي تلعبه في المشهد الإنساني. لننظر كم تتكرر المتوالية الحوارية الآتية بين المعالجين وبين المرضى: - ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟ - وما الذي يحول بينك وبين أن تفعل ما تريد أن تفعله؟ - لكني لا أعرف ما أريد أن أفعله. لو كنت أعرف ما كنت بحاجة إلى أن آتي إليك.
الواقع أن هؤلاء المرضى يعرفون ما يجب أن يفعلوه، وما يليق بهم أن يفعلوه، وما يتحتم عليهم أن يفعلوه. ولكنهم لا يخبرون في داخلهم ما «يريدون» أن يفعلوه. إنهم يعانون عجزا شديدا في الرغبة. وقد كان ماي يميل إلى الصراخ في مثل هؤلاء: «ألا يوجد أي شيء تريده على الإطلاق؟» (1969م، ص165). وكثير من المعالجين يشاركونه هذا الميل. يعاني هؤلاء المرضى من مصاعب اجتماعية هائلة لأنهم ليس لهم آراء خاصة بهم، وليس لهم ميول ولا رغبات.
وكثيرا ما يكون العجز عن الرغبة مجرد جزء من اضطراب أكبر هو العجز عن الشعور. ففي حالات كثيرة يكون الشطر الأكبر من المهمة العلاجية هو أن نساعد المرضى على إذابة الحواجز الوجدانية التي تعطل فيهم فعل الشعور، وهي مهمة علاجية تتسم بالبطء والكدح، وتتطلب من المعالج أن يكون صابرا مثابرا يستحث المريض بلا هوادة أن يشعر ويريد، ولا يمل من تكرار «ماذا تشعر؟» و«ماذا تريد؟»، مستكشفا مرارا وتكرارا مصدر الانسداد الوجداني وطبيعته، والمشاعر المحتسبة من ورائه.
Page inconnue