Introduction à la psychothérapie existentielle
مدخل إلى العلاج النفسي الوجودي
Genres
الذي التقت فيه ملكات الفيلسوف والشاعر وعالم النفس في أصفى صورها وأسماها، وحمل حملة شعواء ضد الزيف المتوطن في هذا العصر الحديث وأهله الذين استمرءوا الأفكار الاتفاقية والرضا الذاتي وزين لهم خداع النفس أن يعيشوا في عالم منقسم يعاني صدعا متفاقما بين المثال والواقع؛ بين اليقين والإلحاد.
أما المؤسس الحقيقي للوجودية المعاصرة فهو المفكر الدنمركي سورين كيركجارد
S. Kierkegaard
الذي توفي عام 1855م بعد حياة قصيرة براقة تاركا تراثا مكتنزا في الأدب الموقظ والفلسفة الجادة والفكر الديني العميق. وما يزال فكره السيكولوجي معينا ثرا وثورة علمية لا تخمد. قام كيركجارد في كتابه المبكر «إما-أو» بتحليل مبدأ اللذة كما يتمثل في الحياة اليومية للفرد، والحافز الشبقي المتواري خلف عديد من مظاهر السلوك، وآليات خداع النفس والأوضاع الدفاعية والدوافع الخفية. كل أولئك يضعه بين علماء سيكولوجيا الأعماق موضعا متقدما سابقا لزمنه سبقا مدهشا. ولديه في التحليل الذاتي ارتيادات تكشف أنه امتلك فهما إكلينيكيا لأزمة الهوية وللآليات اللاشعورية للضمير. تمدنا هذه التحليلات الذاتية أيضا بإطار لفهم الدفاعات والمتلازمات العصابية.
في تحليله للسأم
3
على سبيل المثال يميز كيركجارد بين نوعين منه:
الأول: هو السأم القصدي، أي ملال المرء من موضوع معين أو حدث محدد أو شخص يجالسه. وهو ظاهرة سطحية لا تعبر عن موقف المرء الجوهري. إنه صنف هين من الملل له وجاهته وله علاجه الفوري الناجع. أما النوع الثاني: فهو الملال الحقيقي البحت ... ملال المرء من نفسه ، وإحساسه بفراغ رهيب غريب يهدد الحياة نفسها بفقد معناها. إنه وعكة روحية أو هستيريا روحية تجبه المرء بهاوية من الخواء وانعدام المعنى. والعجيب أن المرء في الأغلب ينكر حالته المرضية هذه ويندفع لا شعوريا إلى مداراتها بشتى ألوان النشاط الكاذب، وإلى التهرب من نفسه بشتى ضروب التلهي والتعلل والتسلي. إنها تلهيات خائبة توفر هجوعا مؤقتا للسأم لكيلا يلبث أن ينهض أوفر صحة وأشد عرامة. إنه دوران في المحل لن يؤدي إلى شيء؛ اللهم إلا لمزيد من السأم. إنه نشاط بائس يائس أشبه بتشنج الذبيح، نجد نموذجه الأمثل في نيرون الذي تفنن في الملذات بدافع السأم، وأحرق روما بدافع السأم. غير أنه نموذج يشملنا جميعا ولا يعفينا؛ فكلنا نيرون «لحمه من لحمنا وعظمه من عظمنا». ولن يكون للمرء مخرج من هذه الدائرة الأكولة إلا بالتوجه إلى باطنه (الاستبطان) لاكتشاف ذاته الحقيقية واستردادها، والعلو إلى الجد والوجدان والحرية والالتزام واتخاذ القرار. فبهذه النقلة فقط يكون بوسع المرء أن يلم شتاته ويجمع ذاته المتناثرة في الوجود ويصبح ذاتا متكاملة موحدة. فالتكامل عملية لا حالة ... سعي وكدح، والتكامل ينجز ولا يوهب. والذات لا تحقق تكاملها ووحدتها إلا بالاختيار الحر. فالاختيار يقتضي الحرية و«إما-أو». وفي هذا يكمن الكنز الأكبر الذي يمكن للمرء امتلاكه. إنه الغنى الخالص الذي يجعل المرء غير مدين لغيره، ويجعله أغنى من العالم بأسره. أن يكون المرء نفسه ... أن يختار نفسه ... أن يسترد نفسه، «ذلك هو الكنز المخبوء داخل المرء، فهناك «إما-أو» يجعل الإنسان أعظم من الملائكة.»
4
ويعود كيركجارد في كتابات عديدة إلى تحليل السأم والقلق والتردد والعبث والالتزام وعدم الالتزام. وقد دأب في كتاباته على أن يقارب الحقيقة الإنسانية في صورتها الفردية الشخصية، وأن ينأى عن الحديث بصيغة المجرد أو الإنسان العام؛ كان دائم القول «وجودي» بكل ما تعنيه الصيغة من خصوصية وتعين وتفرد. وقد بلغ منهجه الاستبطاني غاية العمق في كتابه «من المرض إلى الموت» الذي يقدم فيه تحليلا وجوديا بارعا للاكتئاب ما يزال يطبق على نطاق واسع في مجال العلاج النفسي الوجودي. ورغم أن علاجه الخاص كان مؤسسا على الخبرة الدينية ومعاينة نفس خالدة، فإن استبصاراته الإكلينيكية المتعلقة باليأس وعذاباته يمكن أن تتحول إلى استراتيجية علاجية ذات توجه طبيعي.
Page inconnue