Le raisonnable et l'irraisonnable dans notre héritage intellectuel
المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري
Genres
أو أحد أبناء العباس، وأما ثانيهما فهو الذي يرى أن تكون الخلافة في ظهر من بني أمية. ومن الناحية الثقافية كذلك كان هناك حزبان أو جماعتان ، فكان أحد الحزبين جماعة تتعصب للتراث العربي القديم وحده دون ما قد وفد إلى الناس من البلاد المفتوحة مثل فارس، وكان الحزب الآخر، وهو بالطبع مؤلف من غير العرب، يهتمون بالثقافات غير العربية كالثقافة الفارسية، ولو أخذنا مجموعة من كل من الجماعتين وضممناهما بعضا إلى بعض ليكون من جمعهما فئة تدبر لنقل الحكم من بيت إلى بيت، نقله من بني أمية إلى بني العباس، إذن فلنجمع شيعة علي في الكوفة إلى الفرس المتمردين حرصا على أصولهم الثقافية أن تضيع، وهم أهل خراسان، وهكذا كان.
نجح التدبير، وبويع أبو العباس بالخلافة سنة 750 ميلادية، فصعد المنبر إلى أعلاه، وصعده معه عمه، ولكنه جعل نفسه في موضع دون موضعه، ثم تكلم أبو العباس حتى أعيته وعكة كانت تعتريه آنئذ، فقام عمه ليتولى عن ابن أخيه خطاب الناس، وسنورد هنا فقرات من الخطبتين لنبين كيف صور المتكلمان رجال الأسرة الأموية التي دالت دولتها؛ لعلنا نفيد من هذا درسا واحدا، وهو امتناع الكمال على أسلافنا، فهم - مثلنا - يكذبون ويكيدون، ويتآمرون ويغتالون، في سبيل الوصول إلى مواضع الرياسة والحكم، فلا حرج علينا أن ننبذ من تراثهم الذي خلفوه لنا ما ننبذه، ونأخذ ما نأخذه؛ قال أبو العباس في خطبته عن بني أمية إنهم جاءوا إلى الحكم فابتزوا أموال الناس، «وجاروا فيها واستأثروا بها، وظلموا أهلها ... فانتقم الله منهم بأيدينا، ورد علينا حقنا ...»
ويمضي ابن الأثير الذي نأخذ من كتابه «الكامل» هذه الصورة فيقول: وكان أبو العباس موعوكا، فاشتد عليه الوعك، فجلس على المنبر وقام عمه فقال: «أيها الناس! الآن أقشعت حنادس الدنيا، وانكشف غطاؤها، وأشرقت أرضها وسماؤها، وطلعت الشمس من مطلعها، وبزغ القمر من مبزغه، وأخذ القوس باريها ... ورجع الحق إلى نصابه في أهل بيت نبيكم، أهل الرأفة والرحمة بكم والعطف عليكم ... أيها الناس! ... تبا تبا لبني حرب بن أمية وبني مروان! آثروا في مدتهم العاجلة على الآجلة، والدار الفانية على الدار الباقية، فركبوا الآثام، وظلموا الأنام، وانتهكوا المحارم، وغشوا بالجرائم، وجاروا في سيرتهم في العباد وسنتهم في البلاد، ومرحوا في أعنة المعاصي، وركضوا في ميدان الغي جهلا باستدراج الله وأمنا لمكر الله، فأتاهم بأس الله بياتا وهم نائمون، فأصبحوا أحاديث، ومزقوا كل ممزق، فبعدا للقوم الظالمين ...»
كان هذا اللقاء في الكوفة، وأهل الكوفة - كما نعلم - هم أشياع أهل البيت، فكان مما خاطبهم به الخطيب يومئذ - وهو عم الخليفة الجديد - قوله فيهم: «يا أهل الكوفة! إنا والله ما زلنا مظلومين مقهورين على حقنا، حتى أباح الله شيعتنا أهل خراسان، فأحيا بهم حقنا ...» فما الذي جعل هؤلاء شيعة أولئك؟ إنها المصلحة المشتركة؛ فأولئك يريدون الحكم، وهؤلاء يردون الانتقام من الأمويين الذين اعتزوا بالعروبة وحدها فأذلوا من لم ينتسب لها حتى ولو كان من المسلمين! فإذا ألحقنا السؤال الأول بسؤال ثان، هو: وإلى متى سيظل التحالف بين بني العباس وفرس خراسان؟ سيظل ما بقيت تلك المصلحة قائمة، حتى إذا ما انقضت انفرط عقدها.
وحسبنا في هذا المقام أن نذكر كيف فتك الخليفة العباسي الثاني - أبو جعفر المنصور - بأبي مسلم الخراساني الذي كان له أعظم الفضل في أن كسب خراسان إلى جانب بني العباس؛ فمنذ أن كان أبو جعفر المنصور وليا للعهد في أيام أخيه أبي العباس السفاح، كان بين أبي جعفر هذا وأبي مسلم كراهية وازدراء، كراهية الأول للثاني وازدراء الثاني للأول، حتى لقد دار هذا الحديث بين أبي جعفر وأخيه الخليفة:
أبو جعفر :
أطعني، واقتل أبا مسلم؛ فوالله إن في رأسه لغدرة.
السفاح :
قد عرفت بلاءه وما كان منه.
أبو جعفر :
Page inconnue