Les batailles des Arabes en Andalousie
معارك العرب في الأندلس
Genres
ولم يغفل ألفنس عن تعزيز سياسته في الأندلس الإسلامية، وله من أمير طليطلة صديق آواه يوم كان طريدا ضعيفا، فعقد حلفا بينه وبين المأمون، تعاهدا فيه على الصداقة الخالصة والتعاون المشترك في ما يئول إلى خير بلديهما، فأصبح في وسع صاحب طليطلة أن ينتقم من عدوه ابن عباد ويستولي على قرطبة، فوجه إليها جيشا من فرسان طليطلة، والمرتزقة القشتاليين، معقود اللواء على الحارث بن الحكم - قائد ابن جهور - فهاجم الحارث عاصمة الأمويين حين غرة، ودخلها دون أن يلقى مقاومة، على أنه ما تحول إلى الزهراء يريد امتلاكها حتى تصدى له سراج الدولة ابن المعتمد بن عباد بحرس من المغاربة يدافع عن قصور الملوك وذخائرهم، إلى أن سقط في المعمعة صريعا، فانهزم الحرس، وتم النصر لطليطلة 468ه/1075م.
ودخل المأمون قرطبة ظافرا، إلا أنه لم يمتع بانتصاره؛ فقد توفي، وكان كبير السن مريضا، ويقول ابن خلدون إنه مات مسموما وحمل إلى طليطلة فدفن بها، وكان ابنه وولي عهده هشام قد مات قبله، فأوصى بالملك لحفيده القادر بالله يحيى بن إسماعيل - وكان هذا قاصرا - فأقام له مجلس وصاية من صديقه ألفنس السادس، والحارث بن الحكم وبعض الولاة، ولكن هذه الثقة بحليفه لم تقع موضعها؛ فملك قشتالة نسي ضيافة طليطلة وعطفها عليه، ونسي صديقه المأمون يوم أمنه من خوف، وغابت عنه العهود التي واثقه عليها، وما أقسم له من الأيمان على رعاية الأمير القاصر وحماية بلاده.
وأبت نفسه إلا أن تشعر بشعور العرش والوطن، فنجحت عنده مساعي ابن عمار وزير المعتمد، فارتضى أن يحالف صاحب إشبيلية عدو الملك الذي هو وصي عليه، وأن يعده بالمساعدة في توسعه ومحاربة الأمراء المسلمين، ورضي ابن عباد أن يساومه على أبناء ملته، فيترك يده حرة تتصرف في طليطلة، ثم يؤدي له الجزية صاغرا، لا يجد بها غضاضة في سبيل مطامعه، وتروي الأخبار الإسبانية أن المعتمد بن عباد بعث ابنته «سيدة » إلى بلاط ألفنس؛ تمكينا للصداقة! فاتخذها هذا حظية له! وكان أمراء إسبانية المسيحية يتسرون يومئذ بالنساء تشبها بأمراء الأندلس المسلمين.
على أن الرواية العربية تنفي هذه التهمة عن أمير إشبيلية، وتلقي نورا على حقيقة المرأة المسلمة التي صارت في حوزة الملك الإسباني؛ فقد تمكن المستشرق لاوي بروفنسال من جلاء هذا الحادث الذي بقي غامضا على المؤرخين المحدثين، ينفيه بعضهم، ويثبته بعضهم الآخر؛ وذلك أنه عثر سنة 1934م على رواية عربية أصح من الرواية الإسبانية وأثبت، أوردها ابن عذاري المراكشي في القسم الثالث من كتابه البيان المغرب، وفيها يقول: إن البعث الذي أرسله ألفنس السادس سنة 501ه/1108م لمحاربة أبي الطاهر تميم أخي السلطان علي بن يوسف، وكان يحاصر قلعة أقليش (Ucles) - قتل فيه أمام أسوارها ابنه شانجه من زوجة المأمون بن عباد، وكانت قد تنصرت مع نحو سبعة آلاف فارس.
فمن رواية ابن عذاري هذه يتبين أن الأميرة سيدة ليست بنت المعتمد بن عباد بل زوج ولده المأمون، وكان المأمون واليا على قرطبة من قبل أبيه، فلما هاجمها المرابطون - وعلى رأسهم القائد سير بن أبي بكر - قتل المأمون في الموقعة، ودخلها المرابطون ظافرين في 26 آذار سنة 1091م/3 صفر 484ه.
فالظاهر أن أرملة ابن المعتمد هربت مع ثلة من فرسانها إلى ألفنس السادس محتمية به، فتسرى بها وتنصرت مع جماعتها، ويؤيد ذلك دليل آخر وقع عليه المستشرق هنري بيريس، وهو عبارة عن فتيا كتبت في أواخر القرن الخامس عشر، أو أوائل القرن السادس عشر، وصاحبها الفقيه المراكشي يحيى الونشريشي، أفتى بها جوابا على سؤال: أيستطيع المسلم أن يغادر الأندلس إلى إفريقية إذا تيسر له، أم يبقى فيها ليساعد إخوانه في الدين؟
فكان جوابه بتحتيم الهجرة على من يستطيعها من المسلمين بعد استيلاء الإسبانيين على الأندلس محافظة على نسائهم؛ لئلا تعقد زوجة بعضهم أو ابنته صلتها بأعداء الدين، فيقودها الأمر إلى ترك الإسلام، كما أصاب كنة المعتمد بن عباد وأولادها الذين تنصروا معها وهم أبناء المأمون .
وبينما ابن عباد يزحف بجيشه إلى غرناطة ليخضع صاحبها ابن باديس، إذا ألفنس يتهيأ لغزو طليطلة واحتلالها 1079م، وكانت قد ثارت على أميرها القادر بن ذي النون؛ لإكثاره من فرض الضرائب إرضاء لشهواته وترفه، أو إشباعا لمطامع ملك قشتالة، فجاء ألفنس إلى طليطلة متذرعا بحجة الدفاع عن حليفه، فعاث في ولايتها مخربا قراها وحصونها، ثم ارتد عنها عندما بلغه أن المنصور أمير بطليوس قادم لنجدتها، وعاد في العام التالي يفسد في بسائطها، ويستبد بقلاعها وزروعها، وما زال يوالي عليها الغارات في كل عام حتى أضعفها، ونهك قواها، ورماها بالضيق والفاقة، ثم دلف إليها في السنة السادسة يبغي العاصمة نفسها، فألقى عليها الحصار حتى منع عنها كل صلة ومدد؛ فراحت تستغيث بأمير بطليوس؛ فأمدها المتوكل بن الأفطس بجيش على رأسه ولده الفضل، ولكنه لم يثبت أمام قوات ألفنس الساحقة فانهزم مدحورا، ولم يبق للقادر أمل من النجاة.
وكان الجوع يهدد المدينة فخاف أن يثور عليه الشعب فيقتله، فأرسل إلى ألفنس يطلب الصلح على أن يؤدي الجزية، ويكون تابعا له، فرفض ألفنس مطالبه، واشترط عليه أن يفتح أبواب المدينة ويسلمها إليه، واعدا بأن يحافظ على أرواح المسلمين ومقتنياتهم، وأن يترك لهم المسجد الجامع يصلون فيه، وأن لا يعارضهم في دينهم وشرائعهم، وخيرهم في البقاء أو المهاجرة، فمن أحب البقاء يؤدي الجزية كما يؤديها المسيحيون في بلاد المسلمين، ومن آثر الهجرة يسمح له بأن يحمل أمواله حيث يشاء، وضمن للقادر أن يدع له إمارة بلنسية يتصرف فيها، ولا يبخل عليه بالمساعدة إذا احتاج إلى الدفاع عنها.
في الخامس والعشرين من أيار سنة 1085م دخل ألفنس السادس - ملك قتشالة ولاون وجليقية - عاصمة القوط القديمة بأبهة وجلال، منتزعا من العرب إحدى قواعد الأندلس الكبرى: طليطلة العاصية التي طالما تمردت على أمراء المسلمين، فبذل عبد الرحمن الناصر، والحاجب المنصور من بعده، أعظم الجهود لإخضاعها وكسر شوكتها، فكان يومها المشئوم كارثة على الأندلس العربية؛ لأن قشتالة - حين تملكتها - أصبحت جاثمة على ضفتي نهر التاج، ممدوة النظر إلى ثغور المسلمين.
Page inconnue