Les Caractéristiques de la Proximité dans la Recherche de la Hisba
معالم القربة في طلب الحسبة
Maison d'édition
دار الفنون «كمبردج»
وَحَفِظَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَأَخْبَارِ الصَّالِحِينَ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَصَدَ الْكَلَامَ يَسْتَرْزِقُ بِهِ وَيَسْتَعِينُ عَلَى قُوَّتِهِ فَيُبِيحُ لَهُ بِشَرْطِ أَلَّا يَصْعَدَ عَلَى مِنْبَرٍ بَلْ يَقِفُ عَلَى قَدَمَيْهِ، فَإِنَّ رُتْبَةَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ رُتْبَةٌ شَرِيفَةٌ لَا يَلِيقُ أَنْ يَصْعَدَ عَلَيْهِ إلَّا مَنْ اُشْتُهِرَ بِمَا وَصَفْنَاهُ وَكَفَى بِهِ عُلُوًّا سُمُوًّا، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَعِدَ عَلَيْهِ وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ وَالْأَئِمَّةُ وَكَانَ الْعَصْرُ الْأَوَّلُ لَا يَصْعَدُ فِيهِمْ الْمِنْبَرَ أَلَّا أَحَدُ رَجُلَيْنِ خَطِيبٌ فِي جَامِعٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمَ الْعِيدِ أَوْ رَجُلٌ عَظِيمُ الشَّأْنِ يَصْعَدُ الْمِنْبَرَ يَعِظُ النَّاسَ وَيُذَكِّرُهُمْ الْآخِرَةَ وَيُنْذَرُهُمْ وَيُحَذِّرُهُمْ وَيُخَوِّفُهُمْ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَكَانَ لِلنَّاسِ بِذَلِكَ نَفْعٌ عَظِيمٌ، وَفِي زَمَانِنَا هَذَا لَا يُطْلَبُ الْوَاعِظُ إلَّا لِتَمَامِ شَهْرِ مَيِّتُ أَوْ لَعَقَدَ نِكَاح أَوْ لِاجْتِمَاعِ هَذَيَانٍ، وَلَا يَجْتَمِعُونَ النَّاسُ عِنْده لِسَمَاعِ مَوْعِظَةٍ وَلَا لِفَائِدَةٍ، وَإِنَّمَا صَارَ ذَلِكَ مِنْ نَوْعِ الْفَرَحِ وَاللَّعِبِ وَالِاجْتِمَاعِ وَيَجْرِي فِي الْمَجْلِسِ أُمُورٌ لَا تَلِيقُ مِنْ اجْتِمَاعِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَرُؤْيَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَأَشْيَاءُ لَا يَلِيقُ ذَكَرُهَا وَهَذَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ وَكَانَ الْأَوْلَى حَسْمُ الْبَابِ فِي ذَلِكَ وَالْمَنْعُ مِنْهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا رَجُلٌ مَشْهُورٌ بِالدِّينِ وَالْخَيْرِ وَالْفَضِيلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا لِلَّهِ مُجْتَهِدًا قَوَّالًا فَعَّالًا، قَالَ اللَّهُ ﷾: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الذاريات: ٥٥] .
وَقَالَ: ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا﴾ [النور: ١٧]، وَالْفُقَهَاءُ وَالْمُتَكَلِّمُونَ وَالْأُدَبَاءُ وَالنُّحَاةُ يُسَمُّونَ أَهْلَ الذَّكَرِ وَالْوَعْظِ قُصَّاصًا، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مَجَالِسُ الْوَعْظِ خَيْرُ الْمَجَالِسِ وَمَلَابِسُهَا أَفْخَرُ الْمَلَابِسِ فِيهَا تَرِقُّ قَسْوَةُ الْقُلُوبِ، وَفِيهَا يُتَابُ مِنْ الذُّنُوبِ وَيُعْتَرَفُ بِالْعُيُوبِ
1 / 180