وثانيهما:
أن ترقية الأفكار وتأسيس العقائد إنما يكون على يد مفكرين ذوي شخصية، وهؤلاء وإن كانوا مرتبطين بأفكارهم بأفكار من تقدمهم يزيدون عناصر خاصة من عندهم متأثرة بشخصياتهم. وهذا في الفلسفة أهم منه في العلوم الوضعية الأخرى؛ فمن البديهي أن أخلاق الشخص وتجاربه وأعماله في الحياة ومنشأه وتربيته تؤثر أثرا كبيرا فيما يضع من القضايا المعنوية المجردة، وفي فكرته العامة نحو العالم، وتطبع ما يرى وما يفكر فيه بطابع خاص.
من هذا كله ينتج أن تاريخ الفلسفة ليس إلا جمعا متسلسلا لكل الآراء الأساسية التي وضعها هؤلاء الأفراد ذوو الشخصية، وأنظارهم إلى العالم، وأحكامهم على الحياة، مع بيان ما زاده كل من عند نفسه. ويجب ألا يقتصر في تاريخ الفلسفة على شرح نظام الفلسفة والتئام أجزائها بعضها ببعض، بل يجب أن يشمل أيضا شرح نموها وتدرجها في الرقي.
وواضح أنه كلما ترقى الفكر وتقدم الإنسان واتسعت دائرة المعارف كانت الآراء أغزر، هذا إلى أنه قد تعرض قضايا على بساط البحث مرة، ثم تعرض هي بنفسها مرات أخرى، وفي كل مرة تبحث بطريقة جديدة تخالف الطريقة التي بحثت بها من قبل.
ومن حين إلى حين تزيد دائرة العقل الإنساني اتساعا، فتنهض موضوعات جديدة، وتقرر قضايا جديدة، وتجاب أجوبة جديدة، ويستكشف الخلف حلا لمسائل مفيدة لم يهتد لحلها السلف، مع ما لكل عصر من عصور التاريخ من طابع خاص لا يشاركه فيه غيره. وإن نظرة سطحية لتكفي في إقناع القارئ بأن القضايا تزداد تركبا وتعقيدا كلما تقدمت المدنية والتهذيب بتقدم العقل البشري.
ويمكننا أن نقسم تاريخ الفلسفة إلى العصور الكبرى الآتية، ولكل عصر منها - كما قدمنا - مميزات خاصة، وطابع خاص: (1)
الفلسفة اليونانية. (2)
الفلسفة الرومانية اليونانية. (3)
الفلسفة في القرون الوسطى. (4)
الفلسفة الحديثة.
Page inconnue