44

ما رواه ابن القيم عن شيخ الإسلام

ما رواه ابن القيم عن شيخ الإسلام

Maison d'édition

دار القاسم

Année de publication

1427 AH

على واحد من المخبرين بمفرده ولا يجوز على المجموع، والأمة معصومة من الخطأ في روايتها ورأيها ورؤياها كما قال النبي ﷺ: «أرى رؤياكم قد تواطأت على أنها في العشر الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر»، فجعل تواطؤ الرؤيا دليلاً على صحتها، والآحاد في هذا الباب قد يكون ظنوناً بشروطها فإذا قويت صارت علوماً وإذا ضعفت صارت أوهاماً وخيالات فاسدة.

قال: وأيضاً فلا يجوز أن يكون في نفس الأمر كذبٌ على الله ورسوله، وليس في الأمة من ينكره إذ هو خلاف ما وصفهم الله تعالى به، فإن قيل: أما الجزم بصدقه فلا يمكن منهم وأما العمل به فهو الواجب عليهم وإن لم يكن صحيحاً في الباطن وهذا سؤال ابن الباقلاني، قلنا: وأما الجزم بصدقه فإنه قد يحتف به من القرائن ما يوجب العلم، إذ القرائن المجردة قد تفيد العلم بمضمونها، فكيف إذا احتفت بالخبر؟ والمنازع بنى على هذا أصله الواهي: أن العلم بمجرد الأخبار لا يحصل إلا من جهة العدد فلزمه أن يقول: ما دون العدد لا يفيد أصلاً، وهذا غلط خالفه فيه حذاق أتباعه، وأما العمل به فلو جاز أن يكون في الباطن كذباً وقد وجب علينا العمل به لانعقد الإجماع على ما هو كذب وخطأ في نفس الأمر، وهذا باطل فإذا كان تلقي الأمة له بالقبول يدل على صدقه بأنه إجماع منهم على أنه صدق مقبول بإجماع السلف والصحابة، أولى أن يدل على صدقه فإنه لا يمكن أحداً أن يدعي إجماع الأمة إلا فيما أجمع عليه سلفها من الصحابة والتابعين، وأما بعد ذلك فقد انتشرت انتشاراً لا تضبط أقوال جميعها.

قال: واعلم أن جمهور أحاديث البخاري ومسلم من هذا الباب، كما ذكر الشيخ أبو عمرو ومن قبله العلماء كالحافظ أبي طاهر السلفي وغيره فإنما تلقاء أهل الحديث وعلماؤه بالقبول والتصديق فهو محصل للعلم مفيد لليقين، ولا عبرة بمن عداهم من المتكلمين والأصوليين، فإن الاعتبار في الإجماع على كل أمر من الأمور الدينية على أهل العلم به دون غيرهم، كما لم يعتبر على الإجماع في الأحكام الشرعية إلا العلماء بها دون المتكلمين والنحاة والأطباء، وكذلك لا يعتبر في الإجماع على صدق الحديث وعدم صدقه إلا أهل العلم بالحديث وطرقه وعلله، وهم علماء أهل الحديث العالمون بأحوال نبيهم الضابطون لأقواله وأفعاله المعتنون بها أشد من عناية

42