ويقول طه حسين لابنته وهو يبتسم: «هل تستطيعين يا ابنتي إعراب هذا البيت:
أنل قدمي ظهر الأرض إني
رأيت الأرض أثبت منك ظهرا؟»
ثم يقول: «طبعا لا، يمكنك أن تستعيني بأستاذك إبراهيم مصطفى فيما بعد، أما الآن فإننا نبدأ الرحلة إلى الزمالك، والحمد لله.» •••
وفي الزمالك في منزل طه حسين في شارع سير سكوت مونكريف مساء يوم من أيام الأحد في شهر ديسمبر 1939.
ليل ديسمبر شديد البرودة، والعميد يجلس على مقربة من المدفأة مع عدد من زملائه يتحدث إليهم بعد انصراف الكثيرين من زوار يوم الأحد.
يقول الدكتور محمد عوض محمد: «بعض الناس في مصر يرى أن نهاية بريطانيا العظمى قد اقتربت، ويرجو إذا حلت هذه النهاية أن تتحرر بلادنا وتتحرر فلسطين وعدن وبلاد الخليج.»
ويقول طه حسين: «عندما بدأ غزو الإيطاليين للحبشة عام 1935 ولاح شبح الحرب العالمية، كتبت خطابا لك - هل تذكر يا عوض ذلك الخطاب؟ - أتساءل فيه: هل تضعف الحرب الإمبراطورية البريطانية فترفع يدها عن أعناقنا وتنهي احتلالها لبلادنا؟ ولكن الذي حدث هو أن الحرب الإيطالية الحبشية زادت الاحتلال الأوروبي لبلاد العرب ثقلا وعنفا، وشددت من قبضته على قارتنا، ونحن الآن نسمع من برلين كلاما سخيفا وخطيرا عن امتياز الجنس الآري على بقية الأجناس، وليس لهذا الامتياز العنصري إذا انتصر أصحابه في الحرب العالمية إلا تطبيق واحد، وهو أن يحكم الشعب الممتاز بقية الشعوب.»
يقول الدكتور عوض: «يقال إن اليهود المصريين خائفون، وكثير منهم يحاول الهرب من البلاد.»
فيقول العميد: «إن ما يسمعونه عن معاملة الألمان ليهود ألمانيا والنمسا مزعج ومن شأنه أن يثير هذا الخوف. إن على مصر أن تحمي أهلها مسلمين ومسيحيين ويهودا، على أنه إذا كان بعض اليهود الذين يعيشون الآن في مصر يعتقد أنه سيكون آمنا على نفسه في مكان غيرها فإن هذا شأنه، إن بعض هؤلاء اليهود المقيمين في مصر لا ينتمون إلى أي جنسية ولا يحملون أي جوازات من أي بلد، وسوف يجدون أنفسهم في خطر شديد إذا دخل الألمان مصر، إن الموسيقي «تيجرمان» وهو يهودي بولندي، لا هم له إلا الموسيقى ولا اهتمام بغيرها، كان شديد الخوف والهلع يريد الفرار بنفسه من هلاك محقق يتخيله إذا دخل الألمان مصر، ولقد ساعدته مصر بالقدر المستطاع، وهذا هو التصرف الطبيعي فيما أحسب.»
Page inconnue