73

Après les Jours

ما بعد الأيام

Genres

والقارئ يستأنف القراءة: «... وشاع في مصر كلها نشاط جديد، وأصبحت مصر جنة الله في أرضه، يسكنها قوم سعداء ولكنهم لا يؤثرون أنفسهم بالسعادة وإنما يشركون غيرهم فيها، وأصبحت مصر كنانة الله في أرضه حقا، يعتز بها قوم أعزاء ولكنهم لا يؤثرون أنفسهم بالعزة، بل يفيضون على غيرهم منها.» •••

يقول الشيخ حسين: «هل فهمت الآن؟ يريد أن تشمل بلادنا السعادة والعزة، ولكنه يريد أيضا أن نشرك إخواننا وجيراننا العرب في العزة والسعادة، يعني أننا مصريون وعرب ومن شعوب البحر الأبيض المتوسط، وشركاء في صنع ثقافة وحضارة الغرب، ولسنا شرقيين بمعنى أننا لسنا يابانيين ولا صينيين ولا هنودا، فهمت واقتنعت أم ترى أنك ياباني أو صيني أو هندي؟»

ويضحك الحاضرون، ويقول أحدهم: «المهم أن هذا الكتاب يبدو وكأنه يصلح برنامجا كاملا للتعليم في مصر، ولكن الحقيقة أنه أقرب إلى الأحلام، والكاتب نفسه يقول إن تمنياته التي قرئت علينا الآن هي حلم كبير ومن ذا يحقق لنا هذه الأحلام؟»

في شهر يونيه ينتهي العام الجامعي فتتأهب أسرة العميد لمغادرة القاهرة، ولكن العميد لا يغير من نظامه اليومي شيئا؛ يقضي الصباح في مكتبه مع سكرتيره يقرأ له ما يريد من الرسائل والكتب العربية، ويستقبل أثناء ذلك من يستقبل من الزوار، فإذا انتهى من طعام الغداء وتناول القهوة مع أسرته خلا إلى نفسه يستمع من الراديو إلى إذاعة القرآن الكريم، ثم تقبل قارئته لتقرأ عليه مدة الساعتين اللتين يخصصهما كل يوم لمتابعة الحياة الأدبية الغربية.

وفي مساء يوم من أيام شهر يونيه 1937 تقرأ عليه رسالة من هيئة التعاون الفكري بتوقيع الأديب الفرنسي الكبير «بول فاليري» يذكره بالبحث الذي سوف يلقيه في ندوة «مستقبل الآداب» في الصيف. •••

وتعقد الندوة في قصر الأمم، مقر عصبة الأمم المشرف - عبر حدائقه الواسعة - على بحيرة ليمان في جنيف، وينتهي أحد اجتماعات الصباح فيخرج طه حسين مع رئيس الاجتماع بول فاليري يتحدثان عن خطاب العميد في اجتماع الصباح.

ويلحق بالأديبين الكبيرين بعض أعضاء الندوة، من بينهم سيدة تسأل العميد: «أليس من الواجب أن تعين الحكومات أدباءها وفنانيها في هذا العهد الذي يتعرض الأدب والفن فيه للأزمات التي تحدثت عنها في جلسة الصباح؟»

يقول العميد: «في فرنسا وروما، في بغداد والقاهرة، وفي عواصم أخرى كثيرة، في عهود عديدة، كان هناك أمراء وملوك شملوا الفنانين برعايتهم، وقد أنتجت هذه الرعاية في كثير من الأحيان فنا رائعا، ولكنه كان بطبيعة الحال فنا تابعا، وإذا قامت الحكومات الآن برعاية الفنانين والأدباء رعاية مادية فإن التبعية القديمة للأمراء ستصبح تبعية للحكومات ... إن الدولة سيد خطر لأنها لا تقدم شيئا بلا مقابل، فإذا كان الثمن هو استقلال الأديب فهي صفقة قاتلة؛ لأنه لا سبيل إلى الإنتاج الحق إلا في ظل الحرية.»

ويقول أحد الأعضاء: «ولكنك سبق أن حدثتنا عن أديب كبير استغنى عن كل رعاية بأن عاش حياة البساطة وهجر الدنيا وما فيها ومن فيها وأنتج أدبا عظيما خالدا.»

ويرد طه حسين: «إن أبا العلاء المعري حاول أن يهجر الناس ولكن الناس لم يهجروه، وأنا على أي حال لا أرى أن يعتزل الفنان أو الأديب مجتمعه، إن الأديب أو الفنان يمكن أن يرتفع بنفسه عن الحياة من حوله ليتأملها، ولكنه لا يجوز أن يخرج منها، يجب أن يأخذ الفنان والأديب موقفا مما يجري حوله، إن الكاتب يقود الفكر في مجتمعه، والفكر يقود العمل.»

Page inconnue