والوفد المصري يدعو إلى عدم التعاون مع حكومة صدقي، وعدم أداء الضرائب لها، ويتظاهر المتظاهرون من كل الطوائف والمهن ضد الحكومة، ويضرب بعض الطلاب في بعض المعاهد والمدارس احتجاجا عليها، وصدقي باشا يأمر بأملاك وأموال الممتنعين عن التعاون مع الحكومة فتباع جبريا، ويأمر بالطلاب «المشاغبين» فيفصلون، وبمن يتعاطف معهم من الأساتذة أقل التعاطف فيبعدون عن معاهد التعليم، وبالمتظاهرين ضد الحكومة من كل الطبقات فيلقون في السجون.
عندما تستأنف الجامعة الدراسة يتجمع الطلبة وهم غاضبون للعدوان الذي وقع على الدستور وللعنف الذي تتسلط به الحكومة على البلاد، يتحدثون بأن الدستور الجديد باطل لأنه صادر رغم إرادة الأمة مصدر السلطات.
وأساتذة كلية الآداب يتحدثون عن هذه الحالة العامة، لا يخفون ضيقهم بها وقلقهم لما يمكن أن يترتب عليها من نتائج، يلاحظون أن الاحتلال الإنجليزي قد نجح في أن يحول الجهاد الوطني من مواجهته هو إلى ما يشبه الحرب الأهلية بين المصريين، ويتحدثون كذلك عن ترشيح أستاذ إنجليزي هو الأستاذ سترلنج عميدا لكليتهم، فيتفقون على عدم انتخابه، ويصممون على أن ينتخبوا طه حسين هذه المرة؛ لأنه مصري ولأنه طه حسين.
وتجري انتخابات العمادة ويكون طه حسين أول الفائزين، وترفع نتيجة الانتخابات إلى وزير المعارف مراد سيد أحمد باشا، ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بالموقف الذي سيقفه الوزير من هذه النتيجة هذه المرة.
العميد
يعتمد مراد سيد أحمد باشا وزير المعارف تعيين طه حسين أول عميد مصري لكلية الآداب، ويبلغ هذا الخبر لمدير الجامعة أثناء اجتماع لمجلس الجامعة كان طه حسين يحضره ممثلا لكليته، فيقدم المدير تهنئته للعميد الجديد، ويقترح عليه أن يقابل الوزير في صباح اليوم التالي للشكر.
ويعرف مدير الجامعة أثناء الجلسة أن رسولا أرسله وزير المواصلات توفيق دوس باشا يريد مقابلة الدكتور طه حسين مقابلة عاجلة، فيأذن للعميد الجديد في مغادرة المجلس لمقابلة رسول الوزير، ويعود طه حسين بعد مدة قصيرة إلى قاعة الاجتماع صامتا، ثم ينصرف عند انتهاء الاجتماع دون أن يتحدث إلى الرئيس أو إلى الأعضاء في أمر الرسالة التي حملها إليه رسول وزير المواصلات.
وفي صباح اليوم التالي يستقبل وزير المعارف عميد كلية الآداب الجديد وقد جاء للشكر على التعيين، ولكن الوزير الذي يكرر تهانيه ينتقل إلى موضوع كلفه رئيس الوزراء بالحديث فيه.
إن جريدة جديدة باسم جريدة الشعب ستصدر قريبا بإمكانات غير محدودة لتكون لسان حال الحزب الذي أسسه صدقي باشا وهو حزب الشعب، ودولة الرئيس يعرض على طه حسين رياسة تحرير هذه الجريدة.
وطه حسين يجيب بأن دولة الرئيس كان في اليوم السابق قد كلف شخصين آخرين بأن يتحدثا معه في هذا الموضوع، وهما وزير المواصلات توفيق دوس باشا وعبد الحميد بدوي باشا، وأن جوابه في الحالين كان هو الرفض بغير تردد، إنه لم يمض على انتخابه عميدا لكلية الآداب غير يوم واحد، وهو أول عميد مصري للكلية، وهو لا يريد أن يترك دراساته ولا زملاءه الذين انتخبوه ولا تلاميذه ولا كليته.
Page inconnue