والشيخ مصطفى موافق على أن العمل للتحرير والاستقلال هو الأساس، على أنه يرى ضرورة الاهتمام بالإصلاح الاجتماعي في نفس الوقت، ويقول وهو يضحك: «هنا موضوع مناظرة !» وينتقل بالحديث إلى أمور الجامعة ويسأل عن المناظرة التي تنظمها الكلية بين الدكتور محمد حسين هيكل وبين «شاعر القطرين» خليل مطران، فيقول طه حسين إنه مهتم بموسم محاضرات ومناظرات الكلية لأنه يريد أن تمد الكلية نشاطها إلى خارج الجامعة وألا تكتفي بالدروس التي تلقى على الطلاب، والشيخ مصطفى يقول إنه يتطلع إلى سماع هذه المناظرة الطريفة وإلى متابعة مشاركة الجمهور فيها.
وقبل أن يفترق الصديقان يسأل مصطفى عبد الرازق صديقه عن صحة السيدة زوجته فيجيبه بأنها فيما يظهر تنتظر مولودا ثالثا وأنه سعيد بحملها، لكنه شديد القلق عليها فقد سبق أن لاقت متاعب كثيرة وعانت آلاما مزعجة عند حملها بمؤنس منذ أعوام. •••
وتحس السيدة بهذه المتاعب من جديد وتتضاعف آلامها وشهور الحمل لم تتقدم إلا قليلا، والطبيب الذي يدعى على عجل يقف بجوارها مكفهرا شديد الاهتمام، والزوج الذي يدور حول نفسه في المسكن الضيق يمزق قلبه القلق ويوجعه الإحساس بالعجز عن تخفيف ما تعانيه الزوجة من الألم، بل عن دفع ما يتهددها من الخطر، فإن مسلك الطبيب يوحي بوجود هذا الخطر، والصغيران قد أخلدا إلى السكون، يحسان وطأة الأزمة التي تمر بها العائلة الشديدة الترابط، وتمر اللحظات كلها ساعات طوال لا طاقة للزوج باحتمالها. وأخيرا يخرج الطبيب يبشر بأن الزوجة بخير، وأنها تدعو زوجها لتراه، ولكنه يستوقف الزوج لحظة ليهنئه من جديد بنجاة زوجته، وليخبره بأنها قد فقدت حملها، وليطلب إليه أن يحمد الله على ذلك فإن لله الحمد في كل حال.
ويجلس طه حسين إلى جانب زوجته، وهي تدنيه منها تقول له: «لقد كنت أزور منذ أسابيع حرم صديقنا محمد بك محمود خليل، إنك تعرف قصرهم المطل على النيل، وتعرف ما فيه من روائع وتحف ولوحات أبدعها فنانون من أشهر فناني الدنيا: جوجان وفان جوخ ورودان وغيرهم، كنت أقول لها إن القصر جميل والمحتويات رائعة، وكانت ترد بابتسامة وديعة تقول: كل هذا يشترى بالمال، وتترقرق في عينيها الدموع.
3
إنها وزوجها يبذلان بغير شك كل ما يملكان، راضيين، كي يكون لهما طفل واحد، ونحن بحمد الله لدينا أمينة، ونحن بحمد الله لدينا مؤنس.»
ويقول طه، ويداها في يديه: «الحمد لله، فإنك أنت الآن في خير حال.» •••
ويتفرغ طه حسين، وقد اطمأن على زوجته، للعمل ثلاثة أشهر ليلا ونهارا، لينتهي من كتابه الجديد، وموضوعه هو موضوع محاضراته في الجامعة هذا العام؛ الشعر الجاهلي، وكان يقدر أنه سينال بعد الانتهاء من ذلك الكتاب شيئا من الراحة ليلتفت إلى واجب آخر وطني، إنه كان ينوي أن يكتب كتابا جديدا في موضوع يهم مصر في ذلك الوقت وهو الديمقراطية.
4
ويخرج كتاب «في الشعر الجاهلي» من المطبعة، فتثور زوبعة لم يكن المؤلف يقدر أن تثور.
Page inconnue