فتمتم غاضبا: الكلاب!
وربت ساقها إعرابا عن رثائه، فقالت وهي تشير إلى لفة على الكنبة الأخرى: قماش البدلة!
فرقت يده حنانا وامتنانا، وعادت وهي تقول كالمعتذرة: لن أروق في عينيك هذه الليلة! - لا عليك، اغسلي وجهك ثم نامي!
وفصل بينهما الصمت، ونبح في مشارف القرافة كلب، وصعدت عن نور تنهدة كالبخار، ثم ارتفع صوتها وهي تقول في حزن بالغ: قالت أمامك مستقبل كالورد!
فتساءل متعجبا: من؟ - ضاربة الودع، وقالت: سيجيء الأمان والاطمئنان!
فنظر إلى سواد الليل المتراكم خارج النافذة، واستطردت هي تقول: متى يجيء؟ .. الانتظار طال ولا فائدة، ولي صديقة أكبر مني بأعوام تقول وتعيد القول إننا نصير عظاما أو أسوأ من ذلك، فحتى الكلاب تعافنا!
وخيل إليه أن الصوت المتكلم نافذ من قبر، فامتلأ شجنا ولم يجد ما يقوله، وقالت هي: ضاربة الودع، متى تصدقين؟ أين الأمان؟ أريد نومة مطمئنة وصحوة هنية، وجلسة وديعة، هل يتعذر ذلك على رافع السماوات السبع؟!
كذلك أنت حلمت بهذه الحياة، ورغم ذلك مرت حياتك وكلها تسلق مواسير، وقفز من الأسطح، ومطاردة في الظلام، ورصاصات طائشة تقتل الأبرياء، وقال لها واجما: أنت في حاجة إلى النوم! - أنا في حاجة إلى الوعد، وعد ضاربة الودع، وسوف يأتي ذلك اليوم! - حسن.
فقالت بحدة: أنت تلاطفني كأنني طفل! - أبدا. - سوف يأتي حقا ذلك اليوم!
الفصل الثاني عشر
Page inconnue