فهز رأسه في بطء وهو يفتح عينيه قائلا فيما يشبه الأسى: أنت لم تخرج من السجن!
فابتسم سعيد، كلمات العهد القديم تتردد من جديد، حيث لكل لفظ معنى غير معناه، وقال: يا مولاي، كل سجن يهون إلا سجن الحكومة!
فرنا إليه بعين رائقة ثم تمتم: يقول إن كل سجن يهون إلا سجن الحكومة!
فابتسم سعيد مرة أخرى، كاد ييأس من التلاقي. ثم تساءل في حرارة: هل تذكرتني؟
فغمغم الشيخ دون مبالاة: ولك الساعة التي أنت فيها!
ومع أنه لم يشك في أنه تذكره، إلا أنه تساءل مستزيدا من الثقة: وأبي عم مهران الله يرحمه؟ - الله يرحمنا! - ما أجمل الأيام الماضية! - قل ذلك إن استطعت عن الساعة! - ولكن ... - الله يرحمنا! - قلت: إني خارج اليوم من السجن!
فهز رأسه في طرب مفاجئ قائلا: «وقال وهو على الخازوق باسما: جرت مشيئته بأن نلقاه هكذا!» - أبي كان يفهمك، كم أعرضت عني حتى خلتك تطردني طردا، ورجعت بقدمي إلى جو البخور والقلق، هكذا يفعل موحش القلب الذي لا بيت له. وقال: مولاي، قصدتك في ساعة أنكرتني فيها ابنتي!
فقال الشيخ متأوها: يضع سره في أصغر خلقه!
فقال جادا: قلت لنفسي إذا كان الله قد مد له العمر، فسأجد الباب مفتوحا.
فقال الشيخ بهدوء: وباب السماء كيف وجدته؟ - لكني لا أجد مكانا في الأرض، وابنتي أنكرتني! - ما أشبهها بك! - كيف يا مولاي؟ - أنت طالب بيت لا جواب.
Page inconnue