ما معنى هذا؟
اقترب من الصخرة .. دار حولها دورة كاملة .. ما هي إلا صخرة في صورة قبة غير مستوية يمر بها العابر فلا تثير اهتمامه .. دنا منها فتحسس سطحها فوجده خشنا .. هوى عليه بقبضته مرات، ثم هم بالتحول عنها عندما صدر منها إليه صوت قوي متحرك .. تكشف أسفلها عن مدخل مقوس الهامة فتراجع مرتعدا من الخوف، لكنه رأى نورا هادئا عذبا، ونسمت رائحة زكية مخدرة .. زايله الخوف بتلقائية، وقال له صوت خفي : إن هذا الباب هو ما تاق الرجال إلى فتحه وما أحرقوا الدموع من أجله .. اقترب منه، أدخل رأسه متطلعا فجذبته فتنة طاغية .. ما كاد يدخل حتى أغلق الباب وراءه ولكن فتنة المكان استحوذت عليه كله .. منير بلا ضوء .. عذب المناخ بلا نافذة، متضوع بشذا طيب بلا حديقة .. أرضه بيضاء ناصعة قدت من معدن مجهول، جدرانه زمردية، سقفه مزركش بمهرجان من الألوان المتناغمة، في نهايته بوابة متلألئة كأنما طعمت بالماس، مضى بلا تردد متناسيا ما وراءه، ظن أنه سيبلغ البوابة في دقيقة أو دقيقتين، ولكنه مشى طويلا والممر باق على حاله لا يقصر، والفتنة من الجوانب تتدفق .. أشفق من أن يكون طريقا بلا نهاية، لكنه لم يفكر في الرجوع ولا في التوقف، وطاب له المشي العقيم إلى الأبد .. ولما أوشك أن ينسى أن لمشيه غاية، وجد نفسه يقترب من بركة صافية تقوم فيما وراءها مرآة مصقولة، وسمع صوتا يقول: افعل ما بدا لك.
سرعان ما لبى رغائبه الطارئة، فخلع ملابسه وغاص في الماء .. دلكته نبضات الماء بأنامل ملائكية وتسللت إلى باطنه أيضا .. خرج من الماء فوقف أمام المرآة، فرأى نفسه جديدا في إهاب فتى أمرد، قوي الجسم، متناسقه، بوجه مليح، ينضح فتوة وشبابا، وشعر أسود مفروق، وقد طر بالكاد شاربه .. همس: سبحان القادر على كل شيء!
والتفت إلى ملابسه فوجد بديلها سروالا من الحرير الدمشقي، وعباءة بغدادية، وعمامة خراسانية، ونعلا مصريا، فارتداها، فصار آية تسر الناظرين.
وواصل السير فوجد نفسه أمام البوابة، ووجد أمامها صبية ملائكية لم يرها من قبل، سألته باسمة: من أنت؟
فأجاب بحيرة: شهريار. - ما صناعتك؟ - هارب من ماضيه. - متى تركت بلدتك؟ - منذ ساعة على الأكثر.
فما تمالكت أن ضحكت قائلة: ما أضعفك في الحساب!
وتبادلا نظرة طويلة، ثم قالت الصبية: انتظرناك طويلا، المدينة كلها تنتظرك.
فتساءل في دهشة: أنا؟! - تنتظر العريس الموعود لملكتها المعظمة.
وأشارت بيدها، ففتحت البوابة، مرسلة صوتا كأنين الرباب.
Page inconnue